(الحل) – نشر القسم العربي في صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، لقاءً مطولاً مع الأمير بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات السعودية السابق، وسفير الرياض سابقاً لدى الولايات المتحدة الأمريكية، حمل العديد من النقاط المهمة، والتفاصيل الدقيقة حول علاقة الدول العربية ببعضها؛ ومن ثم علاقتها بالدول الغربية مع تقديم شرح لقضايا المنطقة وأزماتها.

نحن في موقع «الحل السوري» ارتأينا أن نأخذ القسم الخاص من الحوار المتعلق بسوريا فقط؛ كما جاء في الصحيفة، من دون أيّ تدخل مهني، خاصة وأنه تحدث على جزئيات هامة في شخصية رئيس النظام الحالي بشار الأسد، منها كيف توسط له في بريطانيا كي يدرس طب العيون، وتفاصيل الساعات الأولى لتوليه رأس النظام، وشرح شخصيته الإشكالية كإنسان ناقص، بالإضافة لكشفه تفاصيل غريبة عن الساعات الأخيرة من عمر الأسد الأب، اعتماداً على الروايات التي تحدث بها بشار نفسه عن والده أثناء لقاءه بالأمير بندر في دمشق.

إلى نص الحوار الشيق كما ورد (1-2):

 

سوريا… حافظ الأسد وبشار!

ما سبب حساسية بشار الأسد المفرطة من اسم بندر بن سلطان، والحديث المكثف في إعلام النظام السوري والقنوات التابعة لإيران في لبنان والتي يديرها حزب الله عن بندر بن سلطان؟ هكذا سألت السؤال مباشرة للأمير بندر، لكن الإجابة جاءت بعكس المتوقع، وأسهب أمين عام مجلس الأمن الوطني السابق ورئيس الاستخبارات في السعودية وسفيرها في واشنطن لأكثر من ٢٢ عاماً، ومع الإسهاب كانت التفاصيل التي تكشف عن سبب حساسية النظام السوري وحلفائه مثل حزب الله حالياً، من الأمير بندر. ضحك بسخرية بعد السؤال ثم قال :”في هذا الوقت، في بعض الدول العربية وغير العربية، عملت بشكل مقرب، وربطتني صداقات بآباء بعض الحكام الحاليين، الملك الحسن في المغرب وابنه الملك محمد السادس، الرئيس الأميركي جورج بوش الأب وبوش الابن، أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وابنه الشيخ تميم الأمير الحالي، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت منذ أن كان وزيراً للخارجية، وهذا السرد مرتبط ببشار الأسد. عرفت بشار من قبل أن يصبح شيئا، وأخاه باسل الذي توفي بحادث سيارة، وأعتقد أن رئيس النظام السوري لديه عقدة هي باسل حافظ الأسد، وما تزال موجودة حتى بعد وفاته، الفرق بين حافظ الأسد وبشار الأسد كالفرق بين السماء والأرض، الأب كان رجلاً، وهذا ولد حتى الآن، الأب كان صادقاً حتى في الخلاف معه، الولد يكذب أكثر مما يصدق، الأب كان محاطاً برجال يعتمد عليهم، الولد محاط بأناس مثله، حافظ الأسد كان عنيداً وله قدرة على الصبر ولكن يعرف الحدود، وسأعطيك مثالاً بعد قليل، بشار عنيد، ولكن لو غرزته شوكة لبكى. الأب يعرف متى يجازف ويتراجع، الولد بشار لا يعرف متى يجازف ولا متى يتراجع، ومثال على ذلك الانسحاب المذل للقوات السورية من لبنان عام 2005، رغم أن السعودية عرضت عليه قبل ذلك بأسبوع خطة توافق عليها الحكومة اللبنانية بضمانتنا، ينسحب من خلالها الجيش السوري تدريجياً إلى البقاع، ويكون هناك تجمع لهم وبعدها بشهر يصدر طلب من رئيس الجمهورية، وشكر للرئيس السوري ويخرجون بوداعٍ رسمي وبشكل لا يكون فيه ذلة للجيش السوري، ولكن بشار رفض الخطة، وحدث ما حدث”.

ويواصل الأمير مستطرداً: “دعني أسهب أكثر، هناك مثل شعبي يقول: “من عرفك صغير حقرك كبير”، أول مرة سمعت بشيء اسمه بشار الأسد، كان عن طريق صديق سوري لي يريدني أن أتوسط لدى الحكومة البريطانية في الثمانينيات الميلادية، لأن هناك طبيب أعين هو ابن الرئيس حافظ الأسد يريد الحصول على دورة تخصصية في لندن، وقتها كنت أعرف حافظ الأسد، لكن لم أشاهد بشار معه إطلاقا. ومنذ أول رحلة لي إلى سوريا في العام 1982 تقريباً حتى وفاة حافظ الأسد، وأنا أزور سوريا مرة أو مرتين كل عام، بتكليف من الملك فهد أو في رحلة عمل، وفي آخر سنوات عملي سفيراً وكذلك حياة حافظ الأسد كثّفت زياراتي”. تحدثت فعلا مع المسؤولين البريطانيين في موضوع طبيب العيون، وقلت لهم إن منحه الموافقة لن يضرهم، بل نصحتهم أن يتعرفوا عليه، فقد يصبح يوماً من الأيام شيئاً، من يعرف. تمت الموافقة وجاء إلى لندن، هذا الموقف قبل أن يكون شيئاً إطلاقاً”.

 

اللقاء الأول والانطباع الأول عن بشار الأسد

ودعني أعود لصلب الموضوع، في آخر أيام حافظ الأسد بدأت حالته المرضية تسوء، وذهب إلى جنيف للقاء الرئيس الأميركي بيل كلينتون ثم عاد إلى دمشق، وتردت حالته الصحية، في جميع الاجتماعات مع حافظ الأسد لا أتذكر أنني التقيته أقل من 3 ساعات وأكثر من 7 ساعات، و 75% من الوقت هو يتحدث وأنت تستمع لماذا؟ لأنه في كل لقاء يبدأ الحديث من تاريخ الأمويين حتى يصل إلى التاريخ الحديث، ثم يبدأ موضوعك معه، وكان عاشقاً لتاريخ الأمويين ومتباهياً به. لكن في كل لقاء كان يسعد بالحديث عن الطيران، فأنا طيار سابق، وكان هو قائد لسلاح الجو حين حدث الانقلاب في سوريا وأصبح هو الرئيس. في حدود عام 1998، زرته، ولم يكن يركز بشكل جيد، وكنت مضطراً لتكرار الحديث وإعادة ما قلته له حتى يلتقط الموضوع، وانتهينا من موضوع زيارتي له، وفجأة قال لي: لم يؤلمني أكثر من رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين، وكان اغتيل وقتها. قلت له: كيف آلمك يا حافظ؟ توقعتك ستكون سعيداً. قال: لا، أنا عادة أرى الفرصة وأنتظر حتى يحين الوقت المناسب وألتقطها، هذه المرة، سبقني رابين على اقتناص الفرصة، وأنا لا أستطيع مسامحة نفسي. قلت له : كيف؟ رابين قرر أن يغيّر المعادلة، وأعطى خطاباً لوزير الخارجية الأميركي موجهاً للرئيس الأميركي يقول فيه أبلغ الأسد أنني موافق على الانسحاب من الجولان، إذا تعهد لكم أنتم لا نحن، بإعادة العلاقات وغيرها، وأحد الطلبات سحب الأسلحة الثقيلة إلى الحدود التركية، يقول حافظ الأسد: أرفض استلام الخطاب لأنه موجه لكلينتون وليس لي. رد عليه وزير الخارجية الأميركي: فخامة الرئيس فكر بالموضوع، هذا أفضل عرض قد يأتيك، رابين له شعبيته، ويستطيع تمريرها في الكنيست الإسرائيلي، والرئيس مستعد أن يأتي بنفسه ويكون الوسيط. وقال حافظ: عاندت ورفضت، وقلت إذا كان الخطاب موجهاً لي يكتبه لي لا للرئيس، قال وزير الخارجية الأميركي وقتها وارن كريستوفر بغضب: لا، لن أعود إلى تل أبيب بل إلى واشنطن. ويقول الأسد إنه لو استغل تلك الفرصة “لكان الجولان لنا، ولفتحنا سفارة لا نجعل أحد يعمل فيها لكن الفرصة ضاعت”.

وبعد الاستطراد مجدداً يعود الأمير بندر بن سلطان لصلب الموضوع ويقول : ” بعد أن أنهينا الحديث عن رابين، قال لديك وقت تبقى عندنا الليلة في سوريا؟ قلت حاضر بمَ تأمرني؟ قال أريدك أن تلتقي ابني بشار. قلت بخصوص؟ قال أريدك أن تلتقيه، الأمل فيه لكنه بحاجة لتوسيع فكره ومداركه ومعرفة العالم. تذكرت فجأة موضوع الوساطة للدراسة التخصصية في بريطانيا فسألت حافظ: أوليس هو طبيب العيون؟ قال نعم. وسأطلب من فاروق الشرع أن يحضر لقاءك ببشار”.

وبعد هذا الحديث الثنائي عن الرئيس القادم، يقول الأمير بندر: “وقتها كنا أنا وحافظ نضع على الطاولة الخارطة التي يمكن أن يعمل عليها الطرفان السوري والإسرائيلي، حتى ينتهي موضوع الجولان، وكانت الإشكالية على 300 متر من جهة بحيرة طبريا – لأن حافظ الأسد يقول أنه كان يتذكر أن أقدام الجنود السوريين في 67م كانت تلمس الماء ويضعون أقدامهم في بحيرة طبريا والآن لا يحدث ذلك، وكان الإسرائيليون يقولون أنها نفس الحدود وأن تغير وضع الماء بسبب الانحسار لا أكثر – و10 أمتار من الجهة الأخرى، يريدها الإسرائيليون مفتوحة لمرور دورياتهم، والجانب السوري يرفض ذلك، ويريد أن تمرّ الدوريات الإسرائيلية من الخارج. ويقترح الأميركيون تشكيل مجموعة دولية، مؤلفة من أميركا، بريطانيا، كندا، اليابان ودول الخليج، والعمل على مشاريع مشتركة مناصفة، لإحياء الجولان بمناطق صناعية وسياحية وغيرها، وكان الأسد متفائلاً بهذا المقترح، ولكنه كان يرفض موضوع العشرة أمتار. قلت للأسد لا تستعجل، دعنا نفكر، والملك عبدالله – كان حينها ولياً للعهد – قد يأتي لزيارتك ويبحثها معك، ثم فتح معي موضوع بشار مرة أخرى، وما أتذكره أنني التقيت حافظ الأسد أكثر من 30 مرة ولم أشاهد بشار معه”.

 

توبيخ حافظ الأسد لبشار بعد لقاء الأمير بندر

وعن اللقاء الأول ببشار الأسد يقول الأمير بندر : “بعد الخروج من عند حافظ الأسد، ذهبت إلى الفندق، ثم جاءني وزير الخارجية السوري فاروق الشرع وذهبنا إلى فيلا في طرف دمشق واستقبلني بشار … شاب كانت ممارسة الرياضة واضحة عليه ولم يتحدث كثيراً، قلت له: سعيد أنني التقيت بك، ومن هذا الكلام. قال لي: الرئيس بلغني. استغربت استعماله لكلمة “بلغني” وتساءلت كيف لم يستعمل كلمة أمرني، فقلت سأختبره، وكررتها بصيغة سؤال…الرئيس أمرك تشوفني؟ لم يفهمها، والتقطها فاروق الشرع وقال: نعم، الرئيس أمرني أن آتي معك لرؤية الرفيق بشار. قال بشار تفضل. وضعت الخرائط على الطاولة وفتحناها، وأخبرته بالتفاصيل التي دارت بيني وبين والده. لم أشعر أثناء اللقاء أن فاروق الشرع يعير بشار أية أهمية، أثناء شرحي لبشار تفاصيل الخرائط، ضرب – وهو ليس رئيساً بعد – على الطاولة وقال: “شو هالحكي 10 متر هون و 10 متر هون، خلصونا”. فقلت له: نخلصك من ايش؟ قال فيه حل أحسن من هيك؟ اللي عنده حل أحسن من هيك يجيبه. قلت نعم…قال من؟ قلت “أبوك”.

قاطعنا فاروق الشرع قائلاً: رفيق بشار نحكي بالموضوع بعدين، فطرده بشار: “اطلع”. وبالفعل خرج الشرع.  عندها قلت له عندي لك اقتراح يا بشار، يقولون لي إنك تحب الكمبيوتر والإلكترونيات، ما رأيك أن تأتي إلى الولايات المتحدة وأستقبلك في أي مكان تحب في الساحل الغربي، وآخذك إلى شركة البوينغ ووادي السيليكون وغيرها، وبعدها نذهب إلى “آسبن” لدي مزرعة هناك ترتاح وتقضي يومين أو ثلاثة أيام فيها، ثم نعود إلى العاصمة واشنطن، وأنسق مع البيت الأبيض، إما نذهب سوياً إلى هناك، أو أدعو أحداً من البيت الأبيض ليجتمع بك في منزلي”.

وكان رد بشار حسب وصف الأمير غريباً، حيث قال له باللهجة العامية : “ليه كل هالهيصة؟ بدّن يحكوا نحكي”… رد الأمير بندر عليه : “لم استشر والدك بالمناسبة، وأفضل أن تستشيره. وإذا كنت ترى نفسك قادراً على الذهاب إلى واشنطن مباشرة سأرتب ذلك، حتى لو أردت أن أطلب منهم توجيه دعوة لك. وعدني بالرد، وخرجت بانطباع إيجابي بأنه ذكي ولماح ومباشر، وصلت الفندق وإذ بي أتلقى اتصالاً من عبدالحليم خدام نائب الرئيس وقتها، قال لي تناولت العشاء؟ قلت له لا ليس بعد، لكنني سأنزل وأتناول العشاء في بهو فندق الشيراتون، ألحّ عليّ أن آتي إلى منزله وأتناول العشاء معه، وقال لي وقتها: “لا تأخذ كلام الولد هذا”، قلت أي ولد؟ قال الولد بشار… قلت له تتجسس علينا أو عليه؟ قال لا، الرئيس وبّخه بعد الكلام الذي قاله لك، قلت له اذا كان الرئيس قد استمع إلى كل شيء لا مشكلة، لأنني في نهاية حديثي قلت له إسأل الرئيس، إذا وافق نحن سنقوم بما تريد”.

 

الأيام الأخيرة لحافظ الأسد وتغير سلوك بشار

يقول الأمير بندر عن آخر أيام حافظ الأسد، وتغير أسلوب بشار : “بعد ذلك بشهرين تقريباً، عدت مرة أخرى، ووجدت الرئيس متعباً أكثر، وطلب مني أن التقي بشار مرة ثانية، وفي هذه المرة لا اجتهادات أو آراء مباشرة، بل بدأ يستخدم ألفاظاً دبلوماسية. ثالث مرة جئنا مع الملك عبدالله، جئت إلى (مدينة) جدة من واشنطن ثم ذهبنا إلى سوريا، وبعد أن التقى بحافظ الأسد كان معنا الأمير سعود الفيصل والأمير مقرن، قال الملك عبدالله إن حال حافظ الأسد ليس على ما يرام، وقلت للملك نعم منذ العام الفائت وأخبرتكم بذلك”.

كل شيء تغير بعد وفاة حافظ الأسد، صعد بشار وأصبح رئيساً، وغير الدستور ليعمل لصالحه، ويقول الأمير بندر عن تلك اللحظات : “في العام 2000، كنت في واشنطن، وجاءنا خبر وفاة حافظ الأسد، استأذنت من الرياض لحضور العزاء وأُخبِرت بأن الملك عبدالله سيحضر، ورتبت نفسي لأصل إلى دمشق في توقيت متزامن أو قبل وصول الملك بساعة، وأجلس في الطائرة حتى تصل طائرة الملك”.

ويواصل الأمير حديثه : “في اليوم الثاني بعد وفاة حافظ، وصلت المطار، وتأخرت طائرة  الملك عبدالله إذ كان في جدة في لقاء مع الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح،  بشأن اتفاقية الحدود، والتي وقعها في ذلك العام، وجاءني خبر من السعودية عن تأخير من 3 أو 4 ساعات لطائرة الملك”.

ويقول الأمير، عن هذا التأخير وكيف دفعه للقاء مباشر مع بشار دون موعد يستبق وصول ولي العهد السعودي آنذاك عبدالله بن عبدالعزيز : “وأنا جالس في الطائرة، قالوا لي إن العماد مناف طلاس عند الباب يريد رؤيتك، قلت له: تفضل، فردَّ: أهلاً بندر – وكنت قد التقيته مرة واحدة، في السيارة حيث كان بشار يقودها وهو معنا، تلبية لدعوة بشار على العشاء، وكان يريد أن يطلعني أن الوضع آمن ولا توجد حراسات، لكن أين ما تلتفت تجد حراسة سرية ورشاش الكلاشنكوف في الخلف، وحين دخلنا المطعم وقف الجميع، واستغربت وقتها بكل هذا للباس المدني والرشاشات خلف ظهورهم، وكان لدى بشار فيلا ينام فيها تقع في منعطف على اليمين قبل الوصول للقصر الرئاسي – جاء مناف وقال الرئيس، قلت الرئيس! قال نعم الرئيس بشار. وخلال وقت سفري – مسافة الطائرة – من واشنطن إلى دمشق، اجتمع حزب البعث العربي السوري وغير البنود والدستور وصوتوا عليه، وكان عمر الرئيس أقل من 40 عاماً، وأصبح بشار هو الرئيس، ووقف معه العميد مناف طلاس، وعبدالحليم خدام نائب الرئيس وقتها، واللواء غازي كنعان.”.

تفاجأ الأمير بندر كيف تم كل هذا في ساعات، ووسط المفاجأة قال له مناف طلاس: “الرئيس يريد رؤيتك”…يقول الأمير بندر : “أخبرته أنني أنتظر الملك، فقال هو يريد رؤيتك قبل رؤية الملك، وقلت لعلها خيرة وأعرف منه أمراً ما”.

ومن المطار إلى منزل الرئيس، وحين وصل الأمير وجد بشار وبدأ الحديث، يقول : “وكما يقال اذكروا محاسن موتاكم، وأثناء ذكري لمحاسن الرئيس الراحل حافظ الأسد، قاطعني بشار وقال بلهجته (ايه ايه خير)، المهم، كيف سنبدأ العمل مع الأميركيين، هل من الممكن أن تنقل لهم رسالة بأننا جاهزون… نظرت إليه وقلت له لم تدفنوا والدك حتى هذه اللحظة… أخ بشار، الملك مشغول عليك جداً، أنت متأكد؟ قال متأكد من ماذا؟ قلت له من نفسك، قال أها، تقصد الملك خائف علي، لا لا تخف… في الشهرين الماضيين، لم يعد والدي يذهب إلى المكتب فصارت تأتيني المعاملات إلى البيت، وأنا آخذها له ونوقع ما يحتاج توقيع وبعدها أعطيه للمرافق، وأذهب أنا إلى النادي للتمرين ثم أذهب للعمل”.

ويكمل الأمير سرد التفاصيل عن الساعات الأولى لتولي بشار الأسد رئاسة سوريا وقبل وصول الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز للقائه : “أجبته: طيب؟ قال: صباح أمس جئت بالأوراق و”سلّمت على ماما وأختي بشرى، وقالت أبوك متعب قليلاً، فدخلت وكان بالكاد يفتح عينه وجسست النبض واختفى النبض – أقسم الأمير فجأة أن هذا الكلام حرفياً حدث – وقلت للوالدة إنه نام، أغلقت الباب، ذهبت إلى النادي وتمرّنت، وأخبرت ماهر الأسد ومناف طلاس بخطة لضبط الأمن، وطلبت منهم أن يغلقوا منافذ دمشق بالدبابات، وجاءت مجموعات أمنية، وأتوا بـ 10 عمادات مع قادة المناطق ودخلت عليهم وقاموا بإلقاء التحية وبعضهم يترحم، وقلت لهم: اششش … أنت ستغادر غداً، وأنت هذه السنة الأخيرة لك، أنت ستبقى، ما سمعته على لسانك عني أعجبني، أنت سأقطع لسانك … أنت أخذت كم مليون دولار حنحاسبك وأنت كذا وكذا….. وبدأ بشار بتوزيع الـ “أنت” وبعدها ما سيفعله بكل عماد والعماد هو أعلى رتبة عسكرية، ومن هول الصدمة من سرد بشار لكل هذه التفاصيل وهو لم يدفن والده بعد سألته مرة أخرى :هل تضمن بأن القوات المسلحة معك؟ قال نعم، من هي القوات المسلحة، هذه كل القوات المسلحة، القيادات التي أتيت بها، استغربت وقلت في نفسي بالعامية “عز الله الجولان لن يتحرر ما دامت هذه قيادات الجيش”.

ويقول الأمير إنه كان بمفرده مع الرئيس بشار الأسد فقط، ومناف طلاس ينتظر في الخارج. وقال له بشار: بندر الناس تتوقع يدي مخملية، هي مخملية وتحتها حديد”.

 

وصول الملك عبدالله إلى دمشق والحديث الأول مع بشار الرئيس

وقبل ساعات من وصول الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وكان ولياً للعهد آنذاك، يواصل بشار الأسد حديثه عن الساعات الأخيرة لحياة والده وكيف استطاع بشار كسب رضى الجيش وتغيير التفاصيل لتعمل لصالحه، لكن الأمير بندر كان على عجلة من أمره. يريد العودة للمطار، واستقبال الملك عبدالله، وإخباره بما حدث، ومرافقته للعزاء رسمياً وقبل أن تنتهي الجلسة قال بشار : “تعرف؟ الملك عبدالله مثل والدي وأحياناً لا أستطيع أن أعبّر عن شعوري أمامه أو أن أناقشه بشيء. أود منك أن تعطيه موجزاً وتطمئنه بأن الأمور تسير بشكل جيد والوضع مطمئن. عدت إلى الطائرة، انتظرت طائرة الملك، ووصلت ونزل منها، وإذ ببشار الأسد في المطار يستقبله، لم تتسنّ لي فرصة التحدّث إلى الملك وإخباره بما حدث. دخل الملك عبدالله مع بشار الأسد المجلس، ومعه ممن أذكر، الأمير مقرن بن عبدالعزيز والأمير سعود الفيصل و الدكتور غازي القصيبي. وبعد قليل قال الملك عبدالله لبشار دعنا نتحدث على انفراد، وأسرع الملك باتجاهٍ معين ظن أنه باب يؤدي إلى مكتب، وحين فتحه وجدها غرفة نوم الضيف، فقال ألا يوجد مكتب هنا؟ قال  بشار: كيف لا يا جلالة الملك، المكتب من الجهة الثانية. قال الملك تعال أنت مثل ولدي ودخلا، وأجلَس الملك بشار على كرسي أمامه وبدأ الحديث وبنكتة من هنا وهنا، وامتد الحديث إلى قرابة الساعة، حوالي 45 دقيقة. أخبرت الأمراء مقرن وسعود الفيصل وكذلك غازي القصيبي بما حدث، قال غازي القصيبي لم لم تخبر الملك؟ قلت له شاهدتم ما حدث. ثم التفت إلي الأمير سعود الفيصل وقال أخبرهم”.

لم يكن الأمير بندر يتوقع أن يأتي بشار لاستقبال الملك عبدالله في المطار وترك العزاء، وهذا ما قطع الفرصة عليه ليمهد للملك عن المحادثة التي حدثت، وهي سبب إصرار الوزيرين الراحلين: الفيصل والقصيبي على الأمير بندر بإخبار الملك. يقول الأمير عن تلك اللحظة : “انتظرنا حتى خرج الملك، وأصر بشار على توديعه، خرج الملك، وأسرعت إليه وقلت له إنني تحدثت معه قبل وصولكم، ولم تسنح الفرصة لإخبارك. قال الملك: “هذا غليّم ما يعرف يحكي، أقول لك هذا ما يعرف يحكي سألته من عندك من الرجال والمستشارين، ما يعرف يحكي، سوريا تهمنا، ما نبغاها تسقط”.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.