لبنان (الحل) – سار #لبنان منذ استقلاله سنة 1943 وحتى نهاية الحرب الأهلية باتفاق الطائف 1989 على ما عرف بالميثاق الوطني اللبناني الذي اتُفق عليه سنة الاستقلال، فتضمن توزيع المناصب الأساسية على الطوائف (المارونية، السنية، والشيعية)، وسلطات واسعة لرئيس الجمهورية وحصة للمسيحيين في مجلس النواب أكثر من تلك المخصصة للمسلمين بواقع 6 نواب مسيحيين إلى كل 5 نواب مسلمين.

شهد تنفيذ هذا الميثاق هزة كبيرة سنة 1958 إبان عهد #كميل_شمعون خلال الأزمة التي اعتبرت “بروفة” للحرب الأهلية التي أتت لاحقاً، إذ مالت قوى “وطنية” وإسلامية إلى الدخول في الوحدة المتشكلة من إتحاد سوريا ومصر في الجمهورية العربية المتحدة، ودعم جمال عبد الناصر هذه المطالب، فوصل السلاح إلى بعض الأطراف المناوئة لشمعون عبر يد عبد الناصر في سوريا عبد الحميد سراج، لكن لجوء شمعون إلى الدعم الأميركي الذي ترجم بنزول قرابة 15000 جندي على الشواطئ اللبناني أجهض الأزمة التي انتهت بنهاية ولاية شمعون وانتخاب فؤاد شهاب رئيساً.

ممارسات «المارونية» السياسية من خلال الصلاحيات الواسعة المعطاة لرئيس الجمهورية والأكثرية «المسيحية» في مجلس النواب أدت إلى شعور بالظلم لدى المسلمين جراء هذه الصيغة التي لم يكن المسيحيون دوماً حكماء في ممارستها.

جاءت الحرب الأهلية لتقلب الأوراق، وانتهت بعد حوالي 15 عاماً باتفاق الطائف الشهير الذي قال بالمناصفة في مجلس النواب بين المسيحيين والمسلمين بدل معادلة 6 إلى 5، هذه المناصفة انسحبت ضمناً على الجيش والقوى الأمنية والقضاة ووظائف الدرجات الأولى والثانية وعمداء كليات الجامعة اللبنانية… إلخ

قلص اتفاق الطائف أيضاً صلاحيات رئيس الجمهورية «الماروني» لمصلحة رئيس الوزراء «السني»، فأفرز الاتفاق الذي جرى في السعودية تحت صيغة “لا غالب ولا مغلوب” شعوراً بالخسارة لدى «المسيحيين» إذ بدأ مع الاتفاق عهد “السنية السياسية” أو بالأحرى “الحريرية السياسية”.

تغييرت خلال كل هذه السنين الموازين الديموغرافية للطوائف في لبنان، فرغم عد إجراء أيّ تعداد رسمي، إلى أنه من الجلي عبر وسائل غير مباشرة أن المسيحيين صاروا يشكلون أقل من نصف عدد اللبنانيين، إذ تترواح تقديرات نسبتهم بحسب ما هو متداول اليوم بين 32 و38%، ورغم ذلك ما زال العمل بالمناصفة مستمراً.

بخصوص الأعداد والنسب، جرى تداول الأرقام التقريبية التالية بناء على لوائح من يحق لهم الانتخاب بحسب وزارة الدخلية اللبنانية بشأن الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في أيار 2018:

عدد الناخبين في لبنان هو ٣٦٨٥٧٨٦، منهم ٢٣٤١٩١٧ ناخب «مسلم» أي 63.54%، و١٣٢٤٣٩٠ ناخب «مسيحي» أي 35.93%.

على أي حال رغم المآخذ بشأن الأداء الاقتصادي والفساد والتبعية للسعودية، يرى بعضهم أن ممارسة «السنية» السياسية بعد الطائف لم تكن مجحفة بحق «المسيحيين» كمثل الإجحاف الذي ألحقته المارونية السياسية بالمسلمين قبلاً، فرفيق الحريري أكد في المناسبات النادرة التي أثير فيه عدم عدالة الاستمرار بالمناصفة مع تغير نسب حضور الطوائف في البلد، أنه متمسك بالمناصفة، ولا يقبل بالخروج عنها لمصلحة معادلة المثالثة.

معادلة المثالثة هذه بدأت تظهر للعلن أكثر فأكثر مع صعود “الشيعية السياسية” مع #حزب_الله خصوصاُ، الممثل السياسي الأبرز للشيعة في لبنان، «الشيعة» الذي تشابه حالتهم في لبنان حالة «العلويين» في سوريا، إذ كانوا بعيدين عن الحياة السياسية، محرومين من تنمية مناطقهم لكن انشغال السلطة المركزية مغاير الطائفة عنهم واستعلائها عليهم. ولكن، أتيح للطائفتين، كل واحدة في بدلها أن تدخل مجال الحياة السياسية، من باب المقاومة في لبنان والجيش في سوريا.

ضعف زخم الحريرية السياسية نتيجة مناكفات النظام السوري، وانتهت هذه الحالة أو كادت باغتيال رفيق الحريري، ويتجلى زمن «الشيعية السياسية» منذ ذلك الحين، وتحت شعار المحرومين الذي ارتبط تاريخياً بشيعة لبنان، باتت مسألة المثالثة تطرح بين الحين والآخر، إما بجدية وعن رغبة في الوصول إلى تلك الصيغة، أو لتخويف (المسيحيين، والسنة) من أجل تحقيق أهداف سياسية قريبة المدى.

من المفهوم أن أغلب «الشيعة» في لبنان يناصرون طرح المثالثة بعكس المسيحيين الذين سيكونون الخاسر الأكبر في هذا الطرح إذا تتراجع نسبة وجودهم في مجلس النواب والوظائف العامة من 50 إلى 33%، ولكن السنة من جهتهم أكدوا عبر الحريري الابن التمسك بالمناصفة، لا عن قناعة بحق المسيحيين بالنصف وعددهم يكاد يلامس ثلث عدد المواطنين، ولكن وببساطة، لأنهم لا يريدون تقوية خصمهم السياسي «الشيعي» المسلح سياسياً.

من المهم جداً في إطار الحديث عن الديموغرافيا الطائفية الالتفات إلى أمر اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، فهؤلاء ينظر إليهم في لبنان من (المسيحيين، والشيعة) على أنهم خطر «سني»، وهؤلاء اللاجئين ولو استميل بعضهم –وخاصة الفلسطينيين- إلى جانب حزب الله “المقاوم” إلا أن التيارات السياسية «السنية» تراهم عمقاً طائفياً لها.

في المحصلة، لا يحتاج حزب الله المثالثة عملياً، فهو مارسها بالتحالف مع حركة أمل حين اللزوم، عبر تعطيل الحياة السياسية وإغلاق مجلس النواب، أو إدخال عرف توقيع وزير المالية على قرارات السلطة التنفيذية التي يطلب عادة أن تكون موقعة من رئيس الجمهورية الماروني ورئيس مجلس الوزراء السني والوزير المختص فقط، ومن هنا يمكن فهم تمسك الشيعة بوزارة المالية في الحكومات الماضية وتلك المتوقع تشكيلها خلال الفترة المقبلة.

يرى بعض الديبلوماسيين الغربيين أن المثالثة قد تكون المدخل إلى نوع سلاح حزب الله، وتطمين «الشيعة» من خلال منحهم منصباً في السلطة التنفيذية يحول دون تهميشهم في حال اتفاق (المسيحيين، والسنة) عليهم، ولكن الأمور على أرض الواقع في لبنان تبدو بعيدة عن هذه الرؤى الغربية، وتبقى الغلبة لمن يملك السلاح تحت عباءة الدين والمقاومة.

إعداد: رجا أمين – تحرير: سارة اسماعيل

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.