لبنان (الحل) – تقول التصريحات الأخيرة، وما يرد بين سطورها أن ولادة الحكومة اللبنانية باتت قريبة، وقد تكون تشكيلتها قد أعلنت عند نشر هذه المادة، أو قد تصطدم التصريحات والإشارات المبشرة بولادة الحكومة بعائق جديد، أو قديم متجدد، على منوال ما حدث خلال المرتين السابقتين حين تم التبشير بقرب ولادة الحكومة بعد حل “العقدة المسيحية” من خلال تنازل القوات اللبنانية عن بعض مطالبها، لكن برزت بعدها عقدة تمثيل “السنة المستقلين” الذين أطلق عليهم اسم “اللقاء التشاوري”، وبعدها جرى الكلام مرة أخرى بقرب إبصار الحكومة النور مع تسمية جواد عدرا على أنه من سيمثل اللقاء التشاوري، ولكن عادت الأمور مرة أخرى إلى الوراء في اللحظة الأخيرة مع رفض حزب الله للصيغة التي طرحت، وشيئاً فشيئاً أعيد فتح ملف توزيع الحقائب الذي كان يفترض أنه حسم قبلاً، وحدث نقاش طويل حول عدد وزراء التيار الوطني الحر مع وزراء رئيس الجمهورية ميشال عون وإن كانوا يشكلون ثلث الحكومة أم أكثر.

هذه المرة أيضاً تبدو الأمور قد حسمت، إذ سمي شخص جديد ليمثل اللقاء التشاوري، وبقيت حصة القوات اللبنانية على حالها، وجاري إعادة توزيع الحقائب على أسس جديدة قبل إعلان التشكيلة الرسمية، ولكن، ما قد يقف عنده المتابع هو الدواعي التي تطلبت تأخر تشكيل الحكومة قرابة 9 أشهر، في بلد يقع في محيط مضطرب، ويعاني ما يعانيه على الصعيد الاقتصادي والمالي.

تشير المعطيات المتوفرة والتحليلات المطروحة إلى أن واحداً من أسباب احتدام الصراع على تشكيل الحكومة هو مؤتمر سيدر الذي انعقد في باريس خلال نيسان 2018، والذي جلب وعوداً بتمويل يزيد عن 11 مليار دولار للبنان على شكل منح وهبات وقروض ميسرة، ستستفيد منها وزارات معينة أكثر من غيرها كالكهرباء والبيئة والأشغال، الأمر الذي يشكل فرصاً استثنائية لصفقات الفساد وسرقة المال العام اللذان أصبحا تقليداً سياسياً معروفاً في #لبنان .

هذا التمويل الذي تحدثت عنه الوعود في شهر نيسان 2018 أتى بعد إنطلاق عملية تشكيل الحكومة، وقبل التنبه إلى أمر التمويل المستقبلي، ما دفع بعض الأطراف السياسية كالتيار الوطني الحر و #تيار_المستقبل ، إلى المطالبة مجدداً بوزارات كان قد اتفق على أن تكون من حصص أحزاب سياسية أخرى، وهذا ما ساهم في تأخر تشكيل الحكومة.

من جهة أخرى كان للإصرار على متابعة ما جرت عليه العادة خلال السنوات الماضية من تشكيل حكومة وفاق وطني، وفق منطق “الديمقراطية التوافقية” دوره في تأخير التشكيل، فالوفاق الوطني المزعوم يعني إشراك كل الأحزاب التيارات السياسية الممثلة في مجلس النواب المنتخب في الحكومة الجديدة، وهذا انعكس مزيداً من المحاصصة والتجاذب السياسي ليتم إرضاء الجميع وعدم استبعاد أحد إلا حزب الكتائب اللبنانية الذي كان خارج الحكومة السابقة أيضاً. الوجه الآخر لحكومة الوفاق الوطني هذه هو ارتفاع عدد وزرائها إلى 30 وزيراً بينهم عدد كبير من الوزراء من دون حقيبة أو وزراء دولة.

معركة رئاسة الجمهورية المقبلة هي الأخرى كان لها مساهمتها في تأخر التشكيل، فهذه المعركة وإن كانت ما تزال بعيدة نسبياً (2022)، إلا أن التحضير لها والكلام فيها قد بدأ منذ الآن، إذا لا يسمح الدستور اللبناني للرئيس بالترشح لولاية ثانية تلي ولايته الأولى، وقد تضطر الظروف الصحية الرئيس الحالي عون (83 سنة) إلى عدم إكمال ولايته الرئاسية. من هنا يحاول رئيس التيار الوطني الحر ووزير الخارجية وصهر الرئيس جبران باسيل أن يعزز سلطته في الحكومة من خلال الحصول على ثلث الوزراء أو الثلث زائداً واحداً (10 أو 11 وزير من أصل 30)، مما يمنحه حرية حركة سياسية، ويسهل طريقه المفترض نحو القصر الجمهوري في بعبدا، لولا أن رغبته في حصة وزارية وازنة قد اصطدم بمعارضة علنية من خصومه السياسيين، ومضمرة من حلفائه كحزب الله، فهم لا يأمنون جانبه كما أمنوا جانب عمه الرئيس الذي وقع ورقة التفاهم الشهيرة مع حزب الله سنة 2006.

وكما هو معروف وجرت عليه العادة، كان للتدخلات الإقليمية والدولية دور أساس في شأن تشكيل الحكومة سواء بتأخيره أو بالضغط للتعجيل به، فإيران أرادت بحسب بعض التسريبات تأخير التشكيل ليكون لتسهيله لاحقاً ثمن تقبضه في السياسة الخارجية، التي لا تمر بأفضل أيامه مع كل الضغوط الأميركية وتوالي العقوبات عليها. أما النظام السوري فيحاول الإيحاء بأن زمن عودته كمنتصر إلى الساحة اللبنانية قد حان وبالتالي يريد فرض شروطه، الأمر الذي تجلى بواسطة حزب الله واللقاء التشاوري في موضوع تمثيل طلال أرسلان والسنة المستقلين الذي يعتبرون من المقربين جداً من النظام السوري.

الأميركيين أدلوا بدلوهم إذا مارسوا ضغطاً لا يبدو أنه قد نجح في الحؤول دون تسليم حقيبة الصحة لحزب الله، فهذا الأخير طالب بها بإصرار للمرة الأولى. تسليم الحقيبة له يعني توقف التمويل الغربي للوزارة، ويعني بحسب المتوقع استفادة الحزب من موارد الصحة لتعزيز التقديمات لبيئته الحاضنة من أهالي قتلى مقاتليه في سوريا خصوصاً.

الروس كانت لهم بعض التصريحات والمحاولات، أما الفرنسيين الذين استضافوا ونظموا مؤتمر سيدر فقد رأوا في تأخر تشكيل الحكومة استهدافاً مباشراً لدورهم ما دفعهم خلال الأسابيع الأخيرة إلى ممارسة ضغطٍ كبير على الصعيد الداخلي (عون وباسيل) وعلى المحور الإيراني.

في المحصلة، لا يبدو الشعب اللبناني متفائلاً جداً بتشكيل الحكومة الجديدة، وبأن شيئاً حقيقياً سيتغير بعد وصول التبعية للخارج، والحياة السياسية والفساد إلى درك لم يصلوا إليه من قبل.

إعداد: رجا أمين – تحرير: سارة اسماعيل

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.