ترجمة (الحل) – نشرت مجلة الـ«فورين بوليسي» الأمريكية، أمس الثلاثاء، تقريراً عن مقابلةٍ أجرتها المجلة مع القيادية الكردية إلهام أحمد تتحدث فيها عن رفض أكراد سوريا لحكم الأسد بشكل الدولة  الحالي.

تشن إلهام أحمد هذه الأيام حرباً واسعة النطاق بصفتها الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية, الذراع السياسي لقوات سوريا الديمقراطية «قسد» بقيادتها الكردية والمدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، والمسؤولة عن تحرير جزء كبير من شمال شرق سوريا من تنظيم «داعش». إذ ترى المجلة أن «أحمد» تُعتبر واحدة من أكثر النساء قوة في سوريا. وهي اليوم في واشنطن للضغط على المسؤولين والمشرّعين في الإدارة الأمريكية، بمن فيهم الرئيس دونالد ترامب من أجل تنسيق انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، بالشكل الذي يضمن مصير الأكراد السوريين المحاصرين.

ليس مستقبل الأكراد وحده على المحك, وإنما مستقبل السوريين ككل! حيث يخمد «الأسد» ما تبقى من أثار الثورة التي بدأت منذ ثماني سنوات، ويسعى جاهداً لاستعادة فرض سلطته المطلقة على أنحاء البلاد كافة. ومن المتوقع اليوم، أن يسمح الأسد, الذي قتل الآلاف من أبناء شعبه, لطهران ببناء موطئ قدم دائم لها في سوريا, حيث يسعى المتشددون المحافظون لفرض تأثيرهم بشكل هادئ من خلال استبدال المساجد «السنية» المحلية بمراكز دينية وأضرحة «شيعية» جديدة. وكذلك يقدمون فرص تنافسية للشباب والعاطلين عن العمل من خلال تقديم رواتب مغرية بمجرد انضمامهم للميليشيات الإيرانية. الأمر الذي وصفته أحمد بأنه: «كارثة حقيقية».

وبحسب التقرير؛ فقد كان أكراد سوريا يواجهون أزمةً وجودية فعلية حتى من قبل أن يعلن الرئيس ترامب عن أن القوات الأمريكية، سوف تنسحب من سوريا في شهر أيلول من العام الماضي. وتركيا, التي ترى أن المقاتلين الأكراد السوريين يشكلون «كياناً إرهابياً» قد هددت مراراً وتكراراً بشن هجوم عسكري شامل على شمال شرق سوريا. وفي الوقت ذاته  فقد سعى نظام الأسد إلى استعادة السيطرة على المنطقة، إذ كانت «قسد» وبدعمٍ من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية. هذا بالإضافةً إلى صد «قسد» المستمرّ للهجمات التي تشنها إيران والقوات الموالية لها. ليأتي إعلان ترامب المفاجئ, والذي أسفر عن استقالة اثنين من أكبر حلفاء الأكراد في واشنطن هما وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس والمبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمكافحة الدولة الإسلامية بريت ماكغورك.

وصفت «أحمد» قرار الانسحاب بأنه فاجئ الأكراد، وقوّض محاولاتهم للتفاوض في سبيل التوصل إلى حل سياسي مع نظام الأسد الساعي للسيطرة على شمال شرق سوريا. بهذا الخصوص, تقول أحمد: «بالتأكيد لقد غيّر هذا القرار من العملية السياسية», مشيرة إلى أن العديد من خصومهم استغلوا فرصة ضعفهم لتصعيد تهديداتهم. وتضيف: «لذلك نحن دائماً نؤكد أنه من المهم جداً التوصل إلى اتفاق سياسي، قبل أن تنسحب الولايات المتحدة من سوريا بشكلٍ كامل».

وبحسب أحمد, فإن الأكراد يناضلون في النهاية من الوصول إلى حل بعد سنوات من الحرب الأهلية، يسمح لهم بالبقاء كجزء من سوريا، لكن دون الخضوع لسيطرة الأسد, بمعنى آخر «منطقة حكم ذاتي». حيث يرغب الأكراد بأن يقوم نظام الأسد بالاعتراف بإدارتهم لشمال شرق سوريا، وأن يجري تغييرات جوهرية على الدستور السوري, ومن ضمن ذلك تأسيس نظام برلماني يتم فيه تمثيل الحكومات المحلية. كما يجب على الدستور الجديد أن يضمن المساواة بين الجنسين والحرية الدينية والثقافية, الأمر الذي وصفته أحمد بـ: «الحق في الاختلاف», مؤكدةً: «نحن نرفض أن نكون تحت حكم الأسد إذا ما احتفظ بدولته ذاتها». كما طالبت «أحمد» الولايات المتحدة لضمان «منطقة آمنة» للأكراد قبل انسحابها الكامل من البلاد, رافضةً بشكلٍ قطعيّ الخطة المقترحة لفرض المنطقة من تركيا.

من جهته أشار آرون ستاين, مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الأبحاث السياسية الخارجية, إلى أن الأكراد يتمتعون بأسلوب حكم مميز يعتمد على المساواة بين الجنسين, وبأنهم يدفعون بأجنداتهم الخاصة لإقناع الولايات المتحدة بالبقاء في سوريا. وقال: «إنهم لا يحبون المنافسين, كما أنهم مصممين على أن تكون رؤيتهم هي المهيمنة في المناطق التي يسيطرون عليها». مؤكداً أن «أحمد» تحاول بذكاء شديد استخدام الأوراق التي تهمهم، والتي من شأنها أن تجعل الغرب يحاول إقناع الأمريكيين بالبقاء.

ويؤكد التقرير، مخاوف «أحمد» من السيطرة التركية على الحدود, معتبرةً أن الأمر سيكون له نتائج كارثية على المناطق الكردية الحدودية, مثل كوباني, كالمصير ذاته الذي تعرّضت له مدينة عفرين, مسقط رأسها من قبل. حيث نُهبت عفرين من الفصائل المعارضة الموالية لأنقرة في العام الماضي, كما فُرض على النساء تغطية شعرهن، إضافةً إلى قيودٍ أخرى في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية. وفي هذه الأثناء, يقوم نظام الأسد بتجنيد النازحين عنوةً للخدمة في الجيش السوري. وتضيف أحمد: «هذا خير مثال على المنطقة الآمنة التي سوف توفرها تركيا».

وعن اقتراح أن يقوم نظام الأسد بفرض المنطقة الآمنة, أكدت «أحمد» أن الأكراد لن يوافقوا على هذا المقترح ما لم يكون هناك «اتفاق سياسي» مرضي. وبناء على حديث «أحمد» يُفترض أن تقوم الولايات المتحدة؛ أو التحالف الدولي بفرض المنطقة الآمنة, إلا أنها في الوقت ذاته غير متفائلة كثيراً بهذا الشأن. فبحسب ما يشاع, تحاول إدارة ترامب حشد تحالف للدول الغربية, بما فيها المملكة المتحدة وفرنسا وأستراليا, لتنفيذ هذه المهمة. إلا أنه لم تتم الموافقة على هذا المقترح من قبل أيّة دولة حتى الآن. من جهتها ترى «أحمد» أن اللاجئين السوريين الذين فرّ العديد منهم إلى أوربا، وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط، هؤلاء يشكلون حافزاً للدول الغربية للمساعدة في إنشاء المنطقة الآمنة, حيث يمكنهم العودة حينها بسلام إلى بلادهم.

وعن ثمار رحلتها إلى واشنطن, قالت «أحمد» إنها التقت بكبار القادة في مجلس الأمن القومي، ووزارة الخارجية والبنتاغون والكونغرس. وأشارت إلى أنه بالرغم من الآمال القليلة, إلا أنه ما تزال هناك الكثير من القضايا التي يجب العمل عليها رافضةً تقديم مزيد من التفاصيل للمجلة عن المناقشات التي أجرتها.

وعن مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الأجانب الذين تجاوز عددهم 800 شخص، والمحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية من عشرات الدول حول العالم, قالت «أحمد» إنهم يُعاملون معاملةً إنسانية، ويسمح لهم بزيارة المحامين, لكن لا دلائل على أن بلدانهم سوف تستعيدهم. مضيفةً: «لا أحد يسأل عنهم, حتى أفراد عائلاتهم». من جهته أشاد روبرت بالادينو, نائب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية, يوم الإثنين بجهود قوات سوريا الديمقراطية المستمرة لإرجاع المقاتلين الأجانب إلى دولهم ودعواتهم المستمرة لدولهم لاستعادتهم ومحاكمة مواطنيهم. حيث قال مضيفاً: «بالرغم من تحرير الأراضي التي كان تنظيم الدولة الإسلامية يسيطر عليها في سوريا والعراق, إلا أن بقايا التنظيم ما تزال تشكل تهديداً إرهابياً هاماً, ولا بد من العمل الجماعي لمواجهة هذا التهديد الأمني الدولي المشترك».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.