ماذا تغيّر بين حكم «داعش» وسيطرة «قسد»؟ سوريون عاشوا التجربة يجيبون

ماذا تغيّر بين حكم «داعش» وسيطرة «قسد»؟ سوريون عاشوا التجربة يجيبون

خاص (الحل) – مع اقتراب المؤشّرات على هزيمة تنظيم «#داعش» في آخر معاقله في ريف #دير_الزور الشرقي، باتت قوات سوريا الديمقراطية، والمعروفة اختصاراً باسم «#قسد» قاب قوسين أو أدنى من دحره بعد سقوطه في معظم المناطق التي كانت تحت سيطرته، باستثناء جيب صغير له، ما زال يقاوم الضربات الموجعة، رغم استسلام العديد من عناصره وقياداته.

على مدار السنوات الماضية، عاش مدنيون سوريون تحت حكم تنظيم «داعش» المتشدد، ثم تحت سيطرة «قسد» المؤقتة، والتي تنتهي مهمتها مع استلام أبناء المنطقة ومجالسها المحلية شؤون المنطقة، وتحدّثوا لموقع «الحل» عن الاختلافات التي طرأت على حياتهم بعد معايشة كلا الجهتين، إضافةً للطرق التي استخدموها للتعايش مع حكم كل جهة.

اختلافات جذرية!

مناطق سورية عدّة دخلها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» ثم طردته منها «قسد» التي تضم في صفوفها فصائل ومقاتلين من جميع المكونات السورية في شمال وشرق سوريا، أبرزها مدينة #منبج في ريف #حلب الشرقي، ثم مدينة الرقة وريفها الشمالي المتمثّل بمدينة تل أبيض، إضافةً مناطق في ريف الحسكة الجنوبي وريف دير الزور الشمالي والشرقي على الضفّة الأخرى لنهر الفرات.

سيطر تنظيم «داعش« على هذه المناطق لسنوات، ثم بدأت قوات سوريا الديمقراطية بدعم من طيران التحالف الدولي، عملية عسكرية من أجل استعادة السيطرة على هذه المناطق، وبين عامي ٢٠١٤ و٢٠١٩، استعادت «قسد» معظمها، وجرّب المدنيون سلطة كلا الجهتين.

يوجد اختلافات جذرية في المنهج الذي يستخدمه كل طرف وفقاً لما رواه سكان المناطق التي اختبرت الاثنين، فتنظيم «داعش» يستخدم أساليب قمعية مرعبة لفرض عقيدته المتطرّفة التي تتحكّم بتفاصيل الحياة اليومية للمدنيين، وبعيداً عن أيّة مدنية وأبسط قواعد حقوق الإنسان، في حين أن «قسد» تفسح المجال لممارسة الحريات الشخصية والفردية، التي تعبر عن الحقوق المصانة فيما يخص مواضيع متنوعة مثل فصل الدين عن السلطات، والزواج المدني وحرية الحركة والتنقل، ودور المرأة الكبير سواء في محاربة «داعش» عسكريّاً؛ أو في التمثيل السياسي على مستوى المجالس والهيئات المختلفة، ورفع شعار «أخوة الشعوب» بين مكونات المنطقة التي تمثل المحافظات الثلاث (ديرالزور، الرقة، والحسكة) كأهم شعار يمكن بموجبه محاربة التنظيمات الإرهابية بقيادة أبناء المنطقة ذاتها، مع التأكيد أكثر مرة وعلى لسان قياداتها أنهم مع وحدة سوريا، وعلى الرغم من اتهامهم بالسلطة الأحادية من العديد من النشطاء وسكان المنطقة، وبالتالي أن تحكّمها بمراكز القرار يعود إلى قوة وتأثير وحدات الشعب في قوات سوريا الديمقراطية كأكبر كتلة بداخله. وهذا ما يجعل بعض الآراء متفاوتة من حيث الأحكام على الرغم من المقارنة اللامنطقية مع تنظيم إرهابي عانى الشعب السوري منه الويلات.

استطعت رؤية خطيبتي في الحديقة

في عام ٢٠١٥، كان الشاب السوري حسام جالساً مع خطيبته في حديقة وسط مدينة الرقّة، عندما داهم المكان عناصر من جماعة “الحسبة” وهي شرطة تنظيم “داعش” حيث وبّخوا خطيبته وأجبروها على العودة للمنزل واقتادوه لفرع #الحسبة حيث تلقّى هناك ما يزيد عن مئتي جلدة بسبب “قيامه بأفعال غير أخلاقية” عن طريق جلوسه مع فتاة لا تربطه بها علاقة زواج.

يقول حسام لموقع «الحل»: “بقيت نحو أسبوع أنام على بطني في المنزل بعد الجلدات التي تعرّضت لها ولا أستطيع الحركة” موضحاً أنّه كان يستخدم أنواع عدّة من المراهم والأدوية الجلدية حتّى تمكّن من ترميم الجراح التي ما تزال آثارها حتّى الآن.

بعد هزيمة التنظيم، عاد حسام إلى مدينة الرقّة، ولكنّه لم يتمكّن من زيارة منزله بسبب الاشتباه بوجود ألغام داخله، فاضطر إلى استئجار منزلٍ آخر، ويقول إنّه اليوم بات قادراً على رؤية خطيبته في أي مكانٍ شاء. التذكير بهذه الجزئية هنا كمثال ليس من باب الحالة النادرة، وإنما كواقع يمكن تطبيقه على باقي مناحي الحياة.

عن تغيّر حياته بين كلا الحكمين، يُشير حسام إلى أن المدنيين هم الضحية الأولى في أيّة عملية تغيّر من حيث القوة المسيطرة، حيث تتغيّر كل تفاصيل حياتهم استناداً مع رؤية وتوجّه القوة الجديدة، موضحاً أن دافع الخوف من العقاب جعل المدنيين السوريين قادرين على التزام جميع معايير القوى المتحكمة من خلال تجربة السنوات الثماني من الثورة السورية، وذلك مع أكثر القوى تطرّفاً لأقلها اعتدالاً لتجنيب أنفسهم أيّ مصير مجهول.

فقدت منزلي

بطرفة عين تحول منزل يوسف الحاج الواقع في مدينة #الرقة إلى أثرٍ بعد عين، وذلك إثر استهداف منزله بغارة للتحالف الدولي ما دمّر المنزل بشكلٍ كامل. البيوت التي أضحت على الأرض بسبب توزع مقرات التنظيم في الأحياء واستهدافها من طيران التحالف لحين سقوط عاصمة الخلافة «المفترضة».

لحسن حظ «يوسف» فإنّه غادر المنزل مع عائلته قبل أسابيع من الغارة، وتمكّن من الخروج من الرقّة قبل بدء معركة اندحار «داعش» من قوات سوريا الديمقراطية على الأرض والتحالف الدولي من الجو، ولكنّ ذلك لم يضمن له حياة كريمة فيما بعد، فيقول الأربعيني: “إنه اليوم تحوّل إلى نازح عند أقاربه في عين عيسى بريف الرقّة الشمالي”. دون الإشارة هنا أن المدينة التي نزح إليها للحفاظ على حياته، هي إحدى معاقل قوات سوريا الديمقراطية.

ويضيف «يوسف» أنّه حصل على غرفة تحت الأرض بمنزل لأحد أقاربه ويعيش فيه مع زوجته وطفلتين، لكنه يعبّر عن سخطه من هذا الواقع، حيث يوضّح أنّه كان يعيش سعيداً عندما كان في منزله، ولكنّه تحوّل اليوم إلى نازح لا يعرف من يعوّضه عن منزله الذي تم تدميره.

يشير «يوسف» سعادته بالتخلّص من حكم تنظيم “داعش” ولكن هذا التخلّص جاء على حسابه الشخصي وحساب الآلاف من المدنيين الذين فقدوا أفراداً من عوائلهم أوّلاً؛ أو فقدوا أرزاقهم ومنازلهم ومحالهم التجارية وباتوا دون مأوى وعمل.

أريد ابني

اعتقل تنظيم “داعش” الشاب علي خلال سيطرته على مدينة الرقة في عام ٢٠١٥، ولم تعرف والدته عنه أيّ خبر يُذكر حتى الآن.

قصّة «أم علي» والدة الشاب المفقود، تتشابه مع قصص مئات المدنيين الذين فقدوا ذويهم في سجون التنظيم، وكانوا على أمل بظهور أي أثرٍ لهم بعد أن انسحب التنظيم من مدينة الرقة، ولكن حتى اليوم لا يوجد أثر لأيٍّ منهم.

تقول والدة «علي» التي تقيم جنوب تركيا: “حتى الآن ما زلت على أمل أن أعرف أي خبرٍ جديد عن ابني” موضحةً أنّه بعد انحسار مساحات التنظيم لا بد أن يُعرف أيّة معلومة جديدة عمّن خطفهم خلال سيطرته على الرقّة.

أسفر تعاقب سيطرة الجهات المختلفة على مدينة الرقّة عن هروب «أم علي» من مدينتها ولجوئها إلى تركيا، وتوضّح أن أي من الطرفين اللذان سيطرا على الرقة لم يكن لديهم أي اكتراث بحياة المدنيين، ومع ذلك من المؤكد لا يمكن مقارنة سنوات «داعش» الإرهابي وظلمه وعنفه اللامحدود، وقيامه بتنفيذ عشرات الجرائم والإعدامات الميدانية، والمقابر الجماعية، مع قوات سوريا الديمقراطية التي يقاتل في صفوفها المئات من أبناء المنطقة، والذين ضحوا من أجل عودة الرقة وأهلها كما كانت رغماً عن الحرب والإرهاب.

إعداد: منار حداد

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.