دمشق (الحل) – قبل سنة من اليوم، كانت دمشق تستيقظُ على أصوات الطيران الحربي، وتنامُ على انفجارات وأصوات قذائف الهاون، بينما كانت شقيقتها الغوطة تتلقى الضربات المتتالية قبل أن يُحسم الجيش النظامي المعركة، ويُخليها من مقاتليها والآلاف من مدنييها نحو الشمال السوري.

عام مرّ، تغيّرت فيه أحوال الناس في دمشق وغوطتها لكن بؤسهم، لم يتغيّر؛ فمن لم يمت بالقذائف، سيموت فقراً أو برداً أو حرماناً من أبسط متطلبات الحياة.

«الله يرحم أيام الهاون»… جملة تتناقل على أفواه أبناء العاصمة السورية بكثرة، إذ أن الغاز والبنزين والمازوت في «أيام القذائف» كان أكثر وفرة، وكذلك الحال بالنسبة لباقي الخدمات التي توفّرت حتى في أشدّ أيام الحرب قساوة.

وعلى الرغم من «الأمان» الذي نعمت به المدينة، إلا أنّها حُرمت كثيراً من باقي مقوّمات العيش الأخرى، التي لا تقل عن «الأمن والأمان» أهمية، وبدأ أبناء مدينة الخمسة ملايين نسمة يستفيقون على واقعهم المرير، ويُدركون شيئاً فشيئاً سوء الحال الذي هم فيه، وأصبحوا يستوعبون أكثر في أيّ «قاع» غارقون.

يصف الكثير من أبناء دمشق هذه الأيام بـ«الأسوأ»، لأن «السوء» وصل إلى كل تفاصيل الحياة اللوجستية والمعنوية… النظافة، الطرقات، القانون، الفساد، الرشاوي، طوابير الغاز، طوابير المازوت، تقنين الكهرباء، الخدمة الاحتياطية، الخدمة الإلزامية، قطاع التعليم، القطاع الأمني، التهريب، الحواجز، المخدارت، الدعارة، الهجرة… الخ، كلها مشاكل باتت أكثر وضوحاً وإيلاماً، وتدخل في تفاصيل المعاناة اليومية لأيّ مواطن السوري.

انتهت صفحة المعارك في دمشق، لكنّ صفحة المعاناة لم تُطو، وما زالت المرتّبات الشهرية لا تكفي للأسبوع الأول منها، ويصفونها بـ«كم ليرة» وما زال أقصى حدود حلم الشباب بورقة تأجيل من العسكرية، وحلم الطلاب بساعات كهرباء إضافية، وحلم الآباء بأن يعودوا وبجيوبهم بعض المال، وعلى أيديهم بعض الطعام، وحلم الأمهات بعلبة حليب للأطفال، وحلم المراهقين بالسفر والهجرة، وحلم الجنود بالتسريح… أحلام لا تنتهي!

هكذا تقلّصت الأحلام، وكبرت الاحتياجات، وصارت الهوّة كبيرة بين الواقع وبين الأمنيات، وبين الداخل والخارج، وبين الغني والفقير في ازدياد وتوسّع.

وبالعودة إلى الغوطة الجارة، فالمعاناة مضاعفة على كل الأصعدة، وما زالت البلدات الخارجة من هول المعارك تنتظرُ إعادة الترميم؛ أو الإعمار أو حتى التدعيم الأساسي للأبنية، وينقصها الكهرباء والأسواق والمواد الأولية، وقبل كل هذا تنقصها الطرقات والمدارس.

تغيبُ عدسات الإعلام عن الغوطة، وتُمنع من الدخول إلا بمرافقة حكومية، مع ذلك، يتناقل سكان الغوطة القادرين على التنقل بين دمشق والريف، قصصاً وحكايات، منها من الماضي، ومنها ما زال حاضراً بينهم.

يُمكن وصف دمشق اليوم، بالمدينة الآمنة، لكنها بكل تأكيد ليس بالضرورة أن تكون مدينة صالحة للحياة، وهذا لسان حال الكثيرين وهم يرددون: بالأمان وحده، لا يحيا الإنسان!

 

إعداد سعاد العطار – تحرير سامي صلاح

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.