ريف دمشق (الحل) – ساهمت التحولات العسكرية، التي جاءت لمصلحة النظام، بإعادة رسم خريطة السيطرة مع نهايات العام الفائت، وحددت بموجبها حدود ومواقع ونفوذ القوى الموجودة على الأرض في ريف دمشق. وكان واضحاً أن دعم حلفاء النظام له (روسيا، وإيران) سيجعله المستفيد الأكبر والأول من هذه التحولات، في ظل تراجع دعم دول أصدقاء المعارضة سياسياً وداعميّ الفصائل المسلحة عسكرياً.

توجهت قوات النظام، فيما بعد إلى سياسة المصالحات، مستفيدة من هذه التغيرات، لبسط نفوذها على المناطق التي كانت خارجة عن سيطرتها طيلة سنوات الثورة، دون خوض معارك محتملة أخرى في #دمشق وريفها، فكانت حالة الرعب التي زرعتها بين المدنيين بعد اجتياح مناطق واسعة وقتل الآلاف من المدنيين، وتدمير- ما تم تدميره- كافية لتنفذ جميع مخططاتها اعتماداً على شخصيات من المعارضة ذاتها، وأخرى مدنية بقيت موالية لها دون أن تبدل من موقفها.
أبعد من التساؤل عن مشروعية المصالحات، هو عن من يقودها؟ لا بل باتوا من رموزها وعرابيها، رغم أن هؤلاء في فترة سيطرة فصائل المعارضة، كانت ترفض فكرة المصالحة وتحارب من يدعو لها، ومع مرور الوقت بدأت قوات النظام بإعطاء صلاحيات لأبرز الأشخاص الذين ساهموا في تنفيذ المصالحات، سواءً كانوا من قادة المعارضة أو الشخصيات الموالية لها. هم في الحقيقة «عملاء للمخابرات» لكن تحت اسم «المصالحة» والعميل متى انتهى دوره يجب الخلاص منه، وهذا ما يجري عملياً.

الناشط محمد سليمان أكدّ لموقع «الحل» أنّ قوات النظام سهّلت أعمالاً تجارية لعدد من الأشخاص الذين ساهموا في تنفيذ اتفاقيات المصالحة في مناطق عدّة في #الغوطة_الغربية في#ريف_دمشق، فمنهم من تحصل على تسهيل في تجارة «الدخان»، وآخرين سُمح لهم بإنشاء معامل صغيرة يتم اقتسام أرباحها بينهم وبين ضباط في الأفرع الأمنية في المنطقة.
وأضاف المصدر أنّ الدعم الذي يقدمه ضباط النظام لهؤلاء الأشخاص بات واضحاً، حيث يتجاوزون القوانين المعمول بها، في الوقت الذي يتم فيه تطبيقها على المدنيين بشكلٍ صارم، حسب قوله.
أما في منطقة #القلمون فقد أكدّ الناشط أبو حسان القلموني لموقع «الحل» أنّ هناك تعامل خاص مع قيادييّ المعارضة السابقين ومع الشخصيات المدنية التي عملت على المصالحات بسبب موقفها المؤيد للنظام، حيث أنّ القياديين يتم تسليمهم مجموعات مسلحة تكون تحت إمرتهم، ويُطلب منهم تأمين بعض المناطق وحراستها، إضافةً لتكليفهم بمهام قتالية ضد «داعش» خارج المنطقة.
وتابع «القلموني» أنّ هؤلاء القادة باتوا يواجهون ضغوطاً كبيرة، بسبب تعرضهم لتهديدات مستمرة بالقتل، وضغوطات أخرى من ضباط النظام الذين يحملونهم مسؤولية عدم نجاح بعض المواجهات مع «داعش» في حين اكتفت قوات النظام بمنح الشخصيات الموالية لها تسهيلات على التنقل، وإعطائهم صلاحيات رمزية أمام المدنيين، إضافةً لتوفير عناصر مرافقة معهم، وقد حصل ذلك مع «بسام ضفدع» الذي ساهم في سيطرة النظام على مدينة #كفربطنا ومناطق أخرى في#الغوطة_الشرقية أيضاً، بحسب المصدر.
لهذه الغاية؛ ولأنّ النظام ليس وحده في الساحة السورية وأصبح لحلفائه كلمة في سير المجريات، فقد تواصلت بعض الشخصيات المعارضة والموالية مع ضباط روس لإتمام المصالحات مع النظام وتحقيق مكاسب أكبر، بعض ضباط النظام اعتبروا هذا الأمر تجاوزاً لهم، وتم اعتقال عدد من هؤلاء الأشخاص بتهم مختلفة، تم تدبيرها لهم لإنهاء سلطتهم التي اكتسبوها من التعاون مع الروس دون إبلاغ «المعلم».

وتواصل آخرين مع قادة إيرانيين لتسوية أوضاع عدد كبير من الشباب، إذ كان اهتمام الإيرانيين بمضاعفة أعداد العناصر الذين تحت إمرتهم، وحظي هؤلاء الأشخاص بصلاحيات في مناطقهم، ولم يستفيدوا منها خارج نطاق سيطرة القوات الإيرانية.

وعلى الرغم من كل الصلاحيات التي منحتها قوات النظام للشخصيات التي ساهمت بشكل كبير بإنجاح المصالحات، إلّا أنّها لم تتركها وشأنها، حيث تم تسجيل اغتيالات عدّة في مناطق مختلفة، أبرزها #الضمير في القلمون الشرقي، و #بيت_جن في الغوطة الغربية، كما تم تسجيل اعتقالات بحق قياديين سابقين في المعارضة على الرغم من انخراطهم في جيش النظام ومشاركتهم في معارك ضد فصائل المعارضة، وتم تبرير هذه الاعتقالات بأنّها ذات خلفيات جنائية، إلّا أنّ الناشط «عز الدين الدمشقي» أكدّ لـ«الحل» أنّ هذه الاعتقالات ليست إلّا «تصفية حسابات»، ولإخفاء المعلومات التي يعرفها الذين تعرضوا للاعتقال، أمثال القيادي سمير الشحرور «المنشار» الذي ساهم بتسليم حي #برزة الدمشقي لقوات النظام إضافةً لدوره في دخولها إلى الغوطة الشرقية من خلال المساعدة في إطباق الحصار عليها، ولم تشفع له هذه الخدمات التي قدمها للنظام، فقد انتشرت أنباء عن إعدامه بعد اعتقاله بأسابيع.
إن النظام له مصلحة دائمة في إبقاء العدد الأكبر من المواطنين في أوضاع قانونية هشّة وغير مستقرة، ويبقى التعامل معه من أخطر الأمور التي قد تواجه السوريين، سواءً عمل على خدمته أو معارضته، إذ تسيطر السياسة الأمنية على جميع التصرفات لمسؤولي النظام، ولا ينجو أحد من بطشهم الذي ينتهي به المطاف بالاعتقال؛ أو القتل.

إعداد: سليمان مطر – تحرير: رجا سليم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.