تعاني كثير من النساء في بداية حياتهنّ الزوجية من مشكلة الخجل والحياء أثناء ممارسة العلاقة الحميمية، وقد تستمر تلك المشكلة لسنوات ما لم تتم معالجة أسبابها، مع كل ما قد تلحقه من آثار سلبية وخلافات في الحياة الزوجية، قد تفضي في بعض الحالات إلى الانفصال.

وفي حين يمكن للخجل أن يعطي نوعًا من الاحترام للحياة الزوجية في بدايتها، إلا أنه في حال زاد عن حده أو استمر لفترة طويلة يصبح خطرًا يهدد استقرار الزواج. ورغم أن أسباب الخجل غالباً تتعلق بمنشأ المرأة، فإن الرجل أيضاً وسلكوه تجاه العلاقة كشريك فيها، قد يلعب دوراً سلبياً (أو إيجابياً) تجاه ذلك.

تشتكي “منى” (25) عامًا، وهي متزوجة منذ حوالي العام، من شعورها بالخجل أثناء العلاقة الحميمية، ورغم محبتها الكبيرة لزوجها إلا أن خجلها يوصل رسالة خاطئة له مفادها أنها غير منسجمة معه وغير راغبة في ممارسة العلاقة.

وإلى جانب الخجل يراود منى خوف من أن يأخذ عنها زوجها فكرة خاطئة، وتقول في هذا الصدد إنها تربت في أسرة محافظة، كان فيها الحديث عن أي شيء يخص العلاقة الزوجية ممنوعًا، وأنها بعد الزواج وجدت نفسها أمام أشياء كثيرة مباحة لا عهد لها بها.

وتتساءل منى عن سبل التحكم في هذا الخجل، لتفادي تداعياته على حياتها الزوجية، وكيف لها أن تتعامل معه.

موقع الحل وجه أسئلة منى للدكتور “بسام عويل” وهو اختصاصي بعلم النفس العيادي والصحة النفسية، وعلم النفس الجنسي والصحة الجنسية، ويعمل بمنصب بروفيسور أكاديمي في الجامعات البولندية منذ حوالي 23 سنة، كما له ما يقارب مئة مقالة علمية وفصول في كتب باللغات البولندية والعربية والروسية والإنكليزية، إضافة إلى 13 كتابًا كان آخرها “علم النفس الجنسي العيادي”.

الدكتور بسام عويل صاحب موقع "بسام عويل للاستشارات النفسية والجنسية المأجورة أونلاين" على الفيس بوك

الدكتور بسام عويل صاحب موقع “بسام عويل للاستشارات النفسية والجنسية المأجورة أونلاين” على الفيس بوك

مشكلة شائعة

يرى د. عويل أن مشكلة خجل الزوجة من ممارسة العلاقة الحميمة، وحتى نفورها منها في بعض الأحيان من المشكلات الشائعة عند حديثات الزواج.

ويُرجع السبب في ذلك لكثير من العوامل والاعتبارات التي يتعلق بعضها بالأنثى ذاتها وشخصيتها وتربيتها وقناعاتها، بينما يعود بعضها الآخر للعلاقة التي تربطها مع شريكها، وإلى الشريك نفسه وسلوكه اتجاهها، وثقافته وقناعاته أيضًا.

منشأ الخجل

ويفسر د. عويل الخجل عمومًا بأنه سلوك انفعالي مكتسب ذو وظيفة تكيفيّة، ترتبط بالقلق حول كيفية إدراكنا وتقييمنا من قبل الأشخاص المحيطين بنا.

ولهذا فإن الخجل يمنعنا من القيام بأشياء من شأنها وفق تصورنا أن تشكل خطرًا على مكانتنا وعلى تقبلنا الاجتماعي، وبالتالي فهو بذلك وسيلة دفاعية ذاتية نقوم بتفعيلها لا شعوريًا أمام التهديد المحتمل.

ويعتبر د. عويل أن الخجل في العلاقة الحميمية ضمن حدود معينة قد يكون مرغوبًا به من قبل الزوج، كونه قد يُشكّل مصدرًا إضافيًا أو رئيسًا للإغراء والإثارة الجنسية عنده تجاه شريكته، إلا أن الخجل المفرط قد يصبح مدمرًا للعلاقة الحميمية، لما يتركه من نتائج سلبية على العلاقة، كما أنه قد يتسبب بالخيانة الزوجية والطلاق.

الأسباب الكامنة وراء ظاهرة الخجل

ويُرجع د. عويل مشكلة خجل الزوجات بالدرجة الأولى إلى التربية التي نشأن عليها، والتي تتسم بثقافة العيب والحرام، وبكون الجنس يقع في دائرة المحرمات المثيرة للخوف والخطيئة والقرف وهدر الشرف.

ويُشير د. عويل إلى أن هذه الثقافة التي تتعامل مع الجنس والجنسانية بالكثير من السلبية، كما أنها تمنع الاختلاط، وتعيق تكوين الشخصية الجنسية عند الأنثى، وتحول دون تعلمها التعبير عنها في سلوكها، باعتبار أن ذلك سيكون دليلًا على وقاحة وتمرد وعدم تربية وهو ما يجعلها عرضة للتقييم السلبي، كل هذه العوامل ستسهم في جعل الأنثى شبه أمية في ثقافتها ومعارفها الجنسية، وتعاملها مع جنسانيتها وجسدها من ناحية، ومع شريكها الذي تجهله وتخشى منه ومن ردود أفعاله، كونها في الغالب لم تعرفه ولم تختبر طباعه قبل الزواج، من ناحية أخرى.

وإلى جانب ذلك يُفسر د. عويل ظاهرة الحياء عمومًا أثناء العلاقة الحميمية، بخجل النساء من أجسادهنّ وعدم ثقتهنّ بنفسهنّ، وهو ما يجعلهنّ يقاومن التعري مخافة تقييم الشريك لهنّ ومقارنتهنّ بغيرهنّ من النساء.

كما أنهنّ قد يخجلن من سلوكهنّ الجنسي أثناء التقارب والاستثارة الجنسية، كخجلهنّ من الإفرازات المهبلية ورائحتها، أو الآهات التي يمكن أن تصدر عنهنّ، وحتى من أصوات الاحتكاك المهبلي أثناء الممارسة.

من جانب آخر تؤثر تربية الذكور وتنشئتهم على مفاهيم خاطئة، في عدم حصول انسجام من قبل الفتاة، وبالتالي نفورها من العلاقة.

إذ غالبًا ما ينشأ الرجال في مجتمعاتنا على ثقافة أنهم قوامون على النساء، وأن قساوتهم على زوجاتهنّ بل وعدوانيتهم في بعض الأحيان تشكل جزءًا من رجولتهم وفحولتهم، والتي تتنافى بطبيعة الحال مع إظهار عواطفهم والتعبير عنها، ذلك فضلًا عن افتقادهم لثقافة إغواء النساء أثناء العلاقة الحميمية، وعدم التفاتهم للغة الجسد، وانصباب اهتمامهم على متعتهم الخاصة، إلى جانب الشعور بالإهانة إذا ما حاولت شريكاتهم الإيحاء بأمر جنسي لهم بما يخص سلوكهم أو حاجاتها.

ويؤكد د. عويل أن كل هذه العوامل تجعل من معظم الأزواج يواجهون مشكلات في بناء فسحة لعلاقات جنسية حميمية مُرضية، يتغلبون فيها على جميع المعوقات التي قد تواجههم، وتحقق لهم السعادة والمتعة المرجوة في جو يتسم بالشعور بالأمان والثقة المتبادلة.

كيف نتعامل مع هذا الخجل؟

يرى د. عويل أنه وفي بداية البحث عن حل لمشكلة خجل النساء من التقارب الحميمي، يتوجب التركيز على أن التعامل مع المشكلة لا يقع عليهنّ فقط، وإنما على الشريك أيضًا لأنه طرف مهم في المشكلة وعليه أن يكون طرفًا في الحل.

ويُبيّن د. عويل أنه وفي سبيل البحث عن الحلول يجب التمييز أيضًا فيما إذا كان الخجل مرافقًا للعلاقة الحميمية الجنسية فقط، أو أنه يرافق العلاقة الزوجية عامة،  وهو ما قد يشير إلى مشكلة نفسية عند الزوجة، أو إلى مشكلة أعمق في طبيعة العلاقة بالأساس، وعندها لابد من استشارة تخصصية وعلاج أسري.

أما في حال كون المشكلة تعود للأنثى فقط، فمن المهم جدًا أن تعمل على تقبل نفسها وجسدها وجنسانيتها، بما في ذلك حاجاتها ورغباتها الجنسية.

وإلى جانب ذلك على الأنثى أن تثقف نفسها جيدًا بكل ما يتعلق بالأمور الجنسية،

كون العديد من المشاكل تأتي بسبب ضعف الثقافة الجنسية، خاصة فيما يتعلق بالممارسة الحميمية، والدورة الجنسية وسمات المشاعر التي ترافق مراحلها عند الذكور والإناث.

إذ أن الثقافة التي تحصل عليها الزوجة في هذا المجال ستساعدها على تكوين ثقة أكبر بنفسها، وبقدرتها على الإدارة الجيدة والمُرضية لأدائها الجنسي، وبمهاراتها في حصولها وشريكها على المتعة من الممارسة الجنسية.

وإلى  جانب ذلك يؤكد د. عويل على أهمية تعلم الأنثى الحديث بشكل أكثر انفتاحًا مع شريكها عن الأمور الحميمية، وأن تعبر عن مشاعرها ورغباتها واحتياجاتها في هذا الخصوص، بما في ذلك ما يزعجها أو يؤلمها قبل وأثناء وبعد الممارسة الجنسية.

إعداد نينار خليفة – تحرير سامي صلاح

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.