صور نمطية تكسرها نجاحات… كيف حفرت الدراما السورية صورة المرأة في أذهاننا؟

صور نمطية تكسرها نجاحات… كيف حفرت الدراما السورية صورة المرأة في أذهاننا؟

(الحل) – في العالم الموازي والذي تجسده الدراما والأعمال الفنية عمومًا، تتجلى صورة المرأة بأشكال مختلفة، تبعًا لرؤية صانعي العمل والقائمين عليه والرسالة التي يودون إيصالها من خلاله.

إذا اختلفت طريقة تعاطي صناع الدراما السورية مع المرأة، فمنهم من جسّد صورتها كسلعة مركزًا على “مفاتنها” أو مبرزًا ضعفها بشكل يتماهى مع نظرة المجتمع الذكوري، ومنهم من عمل على تقديمها بكل أدوارها والغوص في مختلف قضاياها ومشاكلها بعمق وحقيقة.

أسئلة عديدة تطرح نفسها؛ لأي فريق كانت الغلبة؟ وما الصورة السائدة والمترسخة في أذهاننا التي خلقتها الدراما بأشكالها عن المرأة؟ وهل عبرت الأعمال السورية بشكل حقيقي عن الواقع وعن الحياة، في ظل ما لها من قدرة فائقة على التأثير في المخزون الفكري والثقافي، وتكوين السلوك الفردي والجماعي، ومع ما ترسخه من قيم ومفاهيم؟ وهل من سياسة واضحة ينتهجها صناع الدراما للنهوض بالمرأة وتحررها من القيود المجتمعية البالية، لتأخذ دورها الحقيقي كعنصر فاعل في المجتمع، وجزء من الحركة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتنويرية؟ أسئلة يأتي طرحها في ظل بروز تجارب ناجحة للمرأة السورية شاركت بإغناء المحتوى الفني السوري، ولاقت تقديرًا عالميًا لكنها لم تنل حقها محليًا.

وعلى سبيل المثال، فقد حصدت صانعات أفلام سوريات جوائز عالمية عديدة على أعمال قدمن فيها وجهًا مغايرًا للصورة النمطية للمرأة، كان آخرها حصول المخرجة السورية الشابة سؤدد كعدان على جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان “ساندانس” السينمائي العالمي عن فيلمها “عزيزة” الذي يرصد حياة اللاجئين السوريين، كما سبق أن شاركت كعدان في مهرجاني لندن والبندقية بفيلمها السابق “يوم أضعت ظلي”، الذي فاز بجائزة مهرجان البندقية.

هل نجحت الدراما أم أخفقت في نقل صورة واقعية عن المرأة؟
زينب (مترجمة) تعتبر أنها من مناصري الدراما السورية، وترى أن الأعمال الدرامية السورية تُعطي صورة واقعية عن المرأة ولا تظلمها، فهي تُظهر النساء الناجحات وغيرهنّ، في تجسيد مماثل للواقع.

فاطمة (ربة منزل) تعتقد أن الدراما السورية في مجملها مخيبة للآمال فيما يخص جزئية تعاطيها مع قضايا المرأة، فهي سواء كانت بشقّها الاجتماعي أو الكوميدي أو التراجيدي لم تعطِ للمرأة أدوارًا رئيسية، كما لم تتناول قضاياها بشكل عادل بما تتضمنه من معاناة في مجتمع لا يزال أسير عادات وتقاليد شرقية ظالمة بحق المرأة، إذ أن معظم الأدوار الرئيسية كانت تدور حول الرجل مركزة على نجاحاته ومعاناته وخيباته، وصراعاته الاجتماعية،
بدورها تستثني فاطمة من ذلك عددًا قليلًا من الأعمال الدرامية التي كتبتها نساء، مثل أعمال الكاتبة يم مشهدي، والتي حاولت تسليط الضوء وملامسة المرأة فكرًا وجوهرًا، معتبرة أن الصورة ربما ستتحسن بالمستقبل في حال قدم العنصر النسائي من المؤلفين مواد أكثر غنى وقربًا من المرأة السورية.

أحمد (طالب جامعي) يعتبر أن الدراما السورية أنقصت من شأن المرأة، سواء في مسلسلات البيئة الشامية مثل “باب الحارة” و”ليالي الصالحية” التي قدمت نموذجًا للمرأة المطواعة التي يُمنع عنها فعل أشياء كثيرة تُعتبر من المحرمات بينما يظهر الرجل في المقابل على أنه الحاكم، أو في الأعمال الاجتماعية التي تُظهر المرأة على أنها جسد فقط مثل مسلسل “صرخة روح”، ويشير أحمد إلى أنّ العاملين في الدراما عندما يودون إعطاء طابع قوي للمرأة يصورونها على أنها “مسترجلة” أو “حسن صبي”، وبرأيه فإن الدراما السورية فشلت بشكل كبير في إعطاء المرأة حقها أو إظهار قوتها أو تمثيلها في المجتمع، كما أخفقت في عرض بيئة مجتمعية متوازنة للطرفين.

ميران (ممثل وإعلامي) يرى أن الساحة الدرامية السورية والعربية عمومًا تضع ضمن متطلباتها الجانب الشكلي للأنثى، أي أنها تتعامل معها على أنها شيء تجاري لكسب الجمهور عن طريق الشكل، فقد بتنا نلحظ في الفترة الأخيرة أن أغلب الممثلات أصبحن متشابهات بسبب عمليات التجميل المتقاربة التي أجرينها، مما حول هذا الموضوع إلى ظاهرة، ويذكر على سبيل المثال أنه وفي إحدى المرات التي كان يجري فيها تصوير مسلسل تاريخي (لم يفضل ذكر اسمه) حاول مخرج العمل البحث عن ممثلات بملامح طبيعية للدور، لكنه ومع الأسف لم يجد ممثلات من هذا الطراز إلا ما ندر، ويعتبر ميران أن القصة تحولت من كونها متطلبات شركات إنتاج إلى تباري الممثلات من تلقاء أنفسهنّ في إجراء عمليات التجميل وتباهيهنّ بذلك، وبرأيه فإن المرأة أو الممثلة أو الفنانة إذا لم تضع حدًا لهذا الموضوع بنفسها، فسيسهم ذلك بتجذر المشكلة التي تتجلى بتعزيز الصورة النمطية للمرأة، والتي لم تعد تقدم فنًا بقدر ما تقدم نفسها كسلعة، بحسب تعبيره.

ألين (ممثلة) ترى أن الدراما السورية لم تعطِ المرأة حقها وخاصة بالفترة الأخيرة، وبالتحديد في مسلسلات البيئة الشامية، التي همشوا بها دور المرأة على نحو كبير، وأظهروها على أنها جاهلة ومتخلفة، بينما هي على النقيض تمامًا، أما في بقية المسلسلات الاجتماعية فقد استعملت المرأة كسلعة للترويج للمسلسل أو الفيلم أو أي شكل آخر، وبرأيها تم استعمال المرأة في الدراما كأداة ليس أكثر كما تم استغلالها بشكل كبير.

“قليلة الحيلة في المجتمع ومتسلطة في عائلتها”
المخرج السوري شادي خادم الجامع اعتبر من جانبه أن الطريقة التي يتم فيها تقديم المرأة السورية تختلف من عمل لآخر، إذ أن كل واحد من الأعمال الدرامية السورية حاول تقديم المرأة بمنظور مختلف عن الآخر، فاختلف القالب الكوميدي عن الاجتماعي عن الفني عن التاريخي. ويرى شادي أن ثمة شيء مشترك في جميع هذه الأعمال تتقاسمه الأدوار التي قدمت المرأة في المجتمع السوري، إذ ظهرت على أنها الشخصية قليلة الحيلة في الحياة العادية والمجتمعية، ولكنها تقوم بتعويض هذا الشيء من خلال السيطرة بطريقة أو بأخرى على العلاقات داخل المنزل والعائلة، بفرض سيطرتها على أولادها أو على زوجها، ونستطيع استشفاف ذلك من خلال الحوارات والنقاشات التي كانت تدور بشكل دائم في المسلسلات. ويوضح شادي فكرته بأنه لو اطلعنا على الأعمال الكوميدية التي تقدم بعض المشاكل المجتمعية بطريقة ساخرة، فسنجد أن المرأة فيها غير قادرة على اتخاذ أهم القرارات في حياتها من ناحية الزواج بمن تحب خلال أيام الدراسة في الجامعة على سبيل المثال، ودائما ما يعود الموضوع إلى سيطرة المجتمع أو العائلة ونظرتهم إلى الشاب المتقدم للزواج، وفي كثير من الأحيان يكون للأم مثلًا الرأي الأخير في القرار النهائي بالمنزل. أما لو نظرنا إلى الأعمال الدرامية المجتمعية فسنجد أنه يتم تقديم المرأة على أنها الشخص المطيع لوالديه، والمراعي لعادات المجتمع وتقاليده، والتي لا تستطيع كسرها بأي طريقة من الطرق سواء كانت زوجة أو ابنة، كما أن هنالك بعض الأعمال التي قدمت المرأة بطرق مختلفة قد تكون متطرفة بعض الشيء وبعيدة عن واقع المجتمع، إذ أظهرتها على أنها المرأة العنيدة التي تعيش لوحدها وليس لديها أي اتصال مع عائلتها، وهي صاحبة قرارها بشكل كامل منفرد و كلي، وتجلى ذلك على سبيل المثال ببعض حلقات مسلسل “أهل الغرام”.

وإذا ما نظرنا للأعمال التاريخية ذات الطابع الشامي أو الحلبي، فنجد أنها قدمت صورة المرأة بأسوأ أشكالها، فهي كانت دائمًا المثيرة للفتن والمصائب، والمطيعة لزوجها، والمسيطرة على تحركات أطفالها وحياتهم، كما صدّرت هذه المسلسلات نموذج الزوجة المطيعة والتي حتى عندما يقوم زوجها بضربها وأذيتها لا تستطيع التكلم أو البوح لعائلتها، إضافة لنموذج المرأة التي لا تخرج من المنزل إلا لسببين “لبيت زوجها أو للقبر”. ويستثني شادي من ذلك بعض الأعمال التي تحدثت عن دور المرأة في فترات الاحتلال، وفي النضال المجتمعي آنذاك، مثل “طالع الفضة”.

ويشير شادي إلى أن ما ذكر ينطبق بشكل أو بآخر على موجة الدراما السورية المُنتجة مع بدايات عام 2000 وحتى عام 2011، ولكن وبعد هذه السنوات بدأت تختلف الطريقة التي يتم فيها التعاطي مع صورة المرأة، ويرى في هذا الصدد أننا لسنا بحاجة للوصف فمسلسل “صبايا” وحده كافي أن يوصف المستوى التي تم تقديم المرأة من خلاله، بحسب وصفه.

هذه الدراما من هذا المجتمع
المخرج والممثل عروة الأحمد يعتبر من جهته أن الدراما هي انعكاس للواقع ومحاكاة لما يتقبله المجتمع، وهذا السبب هو الذي جعل الدراما السورية ذكورية بطرحها سواء في أعمال البيئة الشامية أو حتى في الأعمال الاجتماعية عمومًا، وهو ما يدفعنا للقول إن هذه الدراما من هذا المجتمع، وهي بدل أن تلعب دورًا توعويًا أو إصلاحيًا كانت تغرد بنفس سرب المشاكل المجتمعية الموجودة، المتمثلة بسطوة الذكر وتسلط المجتمع الذكوري، واختصار دور الأنثى بأنها ربة المنزل، دون الخوض في حقوقها أو مسائلها الشخصية وهمومها.

ويرى عروة أنه كما لعبت الدراما التلفزيونية السورية دورًا سلبيًا في المجتمع بالتغاضي عن نقده أو طرح مشاكله، تنصلت أيضًا من دورها تجاه المرأة السورية، فالدراما في سوريا تبتعد عن إثارة المشاكل، وتخشى الغوص في الملفات العميقة وتنأى بنفسها عن كل ذلك، فهي إما جرعة تخديرية، أو قصص رومانسية وحكايا رغم كونها لطيفة وجميلة إلا أنها لا تكفي.

بصمات للمرأة السورية في عالم السينما
ويلفت عروة إلى الدور الكبير الذي لعبته المرأة السورية في السينما، وهو ما لم يتم تسليط الضوء عليه بالشكل الذي يستوفيه حقه حتى الآن. ويستشهد عروة بأسماء مبدعات سوريات كالمخرجة السينمائية علياء خاشوق التي نالت العديد من الجوائز العالمية، ووئام بدرخان التي ساهمت في إنتاج فيلم “ماء الفضة” مع المخرج أسامة محمد، وكانت تصور مشاهده تحت خط النار، وسؤدد كعدان التي نالت مؤخرًا جائزة ساندانس عن أفضل فيلم قصير، وياسمين فضة التي نالت جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان أبوظبي 2014 عن فيلم “ملكات سوريات”.
ويروي عروة قصة فيلم “ملكات سوريات” والذي يتحدث عن نساء أميات في مخيم الزعتري، كنّ يجرين بروفات لعمل مسرحي يدعى “طروادة”، وهو عمل صعب جدًا كان تحت إشراف عمر أبو سعدا وناندا محمد في المخيم، وقد كانت الممثلات يؤدين البروفات تحت المطر، وفي ظل ظروف معيشية سيئة للغاية، وقدمن عرضًا مسرحيًا في النهاية لم يتحدث عنه أحد، كما لم يتحدث أحد عن النساء صانعات الأفلام، بل كان تركيز الضوء دائمًا على نجمات الدراما ماذا ارتدين وماذا فعلن. ويرى عروة أن لدينا صانعات أفلام على مستوى عالمي، وذوات مستوى فكري عالٍ، لا يتم تناول نجاحهنّ مجتمعات كظاهرة، إذ يجب التركيز على أن النساء السوريات قادرات على إنتاج فنّ قيّم رغم جميع الضغوط التي يتعرضن لها، في مجتمع ذكوري سلطوي يختصر دور المرأة بواجبات محددة يرى أن عليها فعلها.

تمهيد الطريق من أجل التغيير
ومن المشاريع التي عملت في السنوات الأخيرة على نشر ثقافة مختلفة عن المرأة من خلال الدراما، مشروع “تمهيد الطريق” الذي تقوم به منظمة “مدني” بالشراكة مع منظمة “البحث عن أرضية مشتركة” وبتمويل من الاتحاد الأوروبي. مديرة ومنسقة مشروع “دعم المرأة من خلال الدراما”، ملاك سويد، تحدثت للحل عن الخطوات والوسائل التي اعتمدها المشروع للسير في طريق التوعية الجندرية من خلال تأثير الدراما.

وأوضحت أن المشروع أنهى ورشتين للتطوير الدرامي اختصتا بالعمل والتشبيك مع صنّاع الدراما السورية، بهدف دعم وتمكين المرأة السورية عبر استخدام الدراما كأداة. وخلال الورشة الأولى تم العمل مع 19 كاتبًا وكاتبة إلى جانب صنّاع أفلام سوريين على تقنيات الكتابة المعاصرة، وآليات الكتابة الدرامية الهادفة للتغير الاجتماعي بإشراف الأكاديمية الهولندية RNTC ، كما انضم إليهم مخرجون ومنتجون سوريون على مدى ثلاثة أيام تم خلالها التحاور بين صناع الدراما من جهة، ومجموعة من ممثلي منظمات المجتمع المدني السوري من جهة أخرى، وتبادل الطرفان وجهات النظر حول مسؤولية الدراما في عكس صورة متوازنة ومنصفة للمرأة السورية، إلى جانب قضايا الجندر والتحديات التي تواجه الطرفين. وقد حضر الورشة أسماء سورية هامة في مجالي كتابة السيناريو والإخراج، من أمثال حاتم علي، وجمال سليمان، والليث حجو، ورشا شربتجي. وخرج الكتّاب المشاركون بالورشة جميعهم بنصوص مبدئية لأفلام قصيرة داعمة للمرأة. كما عملت الورشة الثانية على تدريب 13 كاتبًا وكاتبة، وجمعت أسماء هامة أخرى مثل إياد أبو الشامات، وعدنان عودة، ونور شيشكلي، وماهر صليبي، ورامي حنا.

وأشارت ملاك إلى أنه ستقام في شهر آذار المقبل فعالية ختامية للمشروع، ستترافق مع عروض للأفلام المُنتَجة ضمن تظاهرة سينمائية للأفلام القصيرة. ولفتت إلى أنه تم تلقي 29 نصًا لأفلام قصيرة، انتقت لجنة مؤلفة من الكاتب نجيب نصير والكاتبة ريم حنا ومدرب هولندي، 12 نصًا منها صالحًا للإنتاج كقيمة فنية داعمة للمرأة.

أفلام تنصف المرأة حصدت جوائز
وقد حصلت مجموعة من الأفلام التي أُنتجت ضمن المشروع على جوائز عالمية، مثل فيلم “عزيزة” سيناريو وإخراج سؤدد كعدان والذي نال جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان ساندانس السينمائي العالمي. وفيلم “خيمة 56” سيناريو سندس برهوم وإخراج سيف الشيخ نجيب والذي حصد جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان الاسكندرية. وفيلم “الحبل السري” تأليف رامي كوسا وإخراج الليث حجو والذي حصد جائزة أفضل سيناريو في مهرجان فرنسي محلي.

إعداد: نينار خليقة – تحرير: رجا سليم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.