المرأة المحامية في سوريا… نورا غازي تتحدث عن تجربتها المهنية خلال 15 عاماً

المرأة المحامية في سوريا… نورا غازي تتحدث عن تجربتها المهنية خلال 15 عاماً

#النساء_في_المهن (3)

نورا غازي للحل: تتأخر المحاميات في الزواج… والكثير من الرجال لا يفضلون الزواج من محامية

لطالما عُرفت مهنة المحاماة بأنها مهنة شاقة، وقد كانت حكراً على الرجال حتى فترة ليست ببعيدة، فحتى القرن الماضي، لم يكن يُسمح للنساء قانونياً بولوج مهنة المحاماة، ولم يكن متاحاً للمرأة الفرنسية، على سبيل المثال، أن تدافع حتى عن نفسها إلا بحضور زوجها، وفي عام 1900 صوتت فرنسا على قانون يسمح للمرأة بمزاولة مهنة المحاماة، وكانت “أولغا بوتي” أول امرأة عملت في هذا المجال.

وفي السعودية انتظرت المرأة حتى عام 2004 حتى سمح لها بمزاولة المهنة، واشترط على المحاميات آنذاك، العمل كمستشارات قانونيات في قضايا النساء حصراً، دون إمكانية الترافع أمام القضاة، وفي عام 2013 سُجلت “أروى العجيلي” كأول محامية متدربة في السعودية.

وعلى الرغم من حداثة عهدها بالمهنة نوعاُ ما، أثبتت المرأة نجاحها في هذا المجال وسط كل ما يواجهها من مشاكل وتحديات.

مهنة “مقدسة”

وتُعتبر مهنة المحاماة منذ نشأتها مهنة “مقدسة”، ففي اليونان حيث بدأت هذه المهنة، كان المكان الذي يجتمع فيه المحامون يُرش بالماء المطهر وقت النظر بالقضايا إشارة إلى أنه يجب ألا يجري فيه من الأعمال ولا يُتكلم فيه من الأقوال إلا ما كان طاهراً ونقياً، وفي عهد الرومان كان المحامون من أعلى القوم جاهاً وأرفعهم شأناً،  وأصدر الملك “أفطيموس” شرعة ساوى فيها بين المحامين ورجال الجيش مساوياً بين الفئتين في أهمية ما يقومون به، وقال في ذلك: “لا فرق بين الذين يحمون زمار الدولة بحد المراهنات وبين الذين يذودون عن حقوقها وحقوق أفرادها بألسنتهم وأقلامهم”.

صفات يجب أن يتحلى بها المحامي/ية

ومن المواصفات التي يجب أن يتحلى بها العاملون والعاملات في مهنة المحاماة،المظهر الخارجي اللائق، والدقة في اختيار الألفاظ، والقدرة على تحمل ضغط العمل والاطلاع الدائم ومواكبة ما يطرأ على القوانين من تعديلات، إلى جانب الشخصية القوية والحازمة، وحسن الاستماع للموكلين وتفهم طلباتهم والسعي للصلح إن أمكن. وذلك إلى جانب الجرأة والذكاء والفطنة وسرعة البديهة والقدرة على الجدال والإقناع.

مقتضيات المهنة

وتتطلب مهنة المحاماة الكثير من الوقت والجهد، فيقتضي العمل بهذه المهنة الاستيقاظ باكراً للمرافعة في الدعاوى بأروقة المحاكم والتي يتطلب سير إكمالها المتابعة في العديد من الدوائر والمراكز، وفي المساء يعمل المحامي على تحضير وإعداد ما يريد أن يُقدم من مذكرات لليوم التالي واستقبال مكالمات الموكلين الذين يسألون عن مصير دعاويهم. وكون المهنة تتطلب الكثير من الوقت، يرى البعض أنها لا تناسب المرأة لصعوبة التوفيق بينها وبين مسؤولياتها الأسرية الملقاة على عاتقها.

فما هي كواليس حياة المحاميات، وكيف يتمكنّ من تحمّل الصعوبات والضغوط الملقاة على عاتقهنّ في المهنة؟ وكيف تؤثر مهنة المحاماة على حياتهنّ الشخصية بكل تفاصيلها؟

أسئلة وجهناها لنورا غازي، وهي محامية تمتلك خبرة تتجاوز الـ ١٥ عاماً في المهنة، تخصصت في مجال حقوق الإنسان، وتحديداً في الدفاع عن معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين أمام محكمة أمن الدولة ومحكمة الإرهاب ومحاكم أخرى، وتجلى عملها بشكل أساسي بأخذ الشهادات من السجناء الرجال تحديداً والتوثيق، كما شاركت نورا مع العديد من المنظمات الدولية مثل “الأمم المتحدة” و”هيومن رايتس ووتش” و”امنيستي” في تقارير أُصدرت عن أوضاع السجون، والتي تحدثت عن التعذيب والمحاكم الاستثنائية، ومؤخرًا أسست نورا منظمة تحت اسم “نوفوتوزون” مختصة بتقديم الدعم والتمكين القانوني، والمناصرة لعائلات المعتقلين والمختفين قسريًا في لبنان، كما أنها عضو مؤسس في حركة “عائلات من أجل الحرية”.

صعوبات يفرضها الفساد المتفشي

تعتبر نورا أن الصعوبات الأهم التي تواجه المحامين والمحاميات في سوريا، مردها بالأساس غياب دولة القانون، إذ وبغض النظر عن وجود مشاكل في نص القانون، إلا أنه على أرض الواقع ينتشر الفساد بشكل كبير في المحاكم، ويمكن إتمام أيّة معاملة من خلال الرشاوى والواسطات والمحسوبيات.

ويضاف إلى ذلك أن بعض المحامين يتقاضون أتعاباً مرتفعة جداً لا تتناسب مع الوضع المعيشي الحالي للسوريين، وهم بذلك يؤثرون سلباً على أقرانهم في المهنة، إذ عادة ما يمتنع السوريون عن اللجوء لمحامين، فهم يرون أن أيّ محام سيأخذ منهم أتعاباً كبيرة ولذلك لا يلجأون لأي أحد، وهو ما يسبب لهم مشاكل كثيرة ترجع لعدم معرفتهم بالكيفية التي يجب أن يتصرفوا فيها.

نظرة المجتمع متناقضة تجاه المرأة في المهنة

وعن الصعوبات التي تواجه المحامية كامرأة في المهنة، تعتبر «نورا» أنه في مجتمعنا السوري تواجه أيّة امرأة عاملة صعوبات بسبب خصوصيتها كامرأة بشكل مؤكد، وما تزال إلى الآن نظرة المجتمع إلى المرأة في مهنة المحاماة مختلفة في شقين متناقضين:

ففي الشق الأول يعمد بعض الناس إلى عدم اللجوء إلى محامية لأنهم يرونها أضعف من الرجل وليست بكفاءته في المهنة، وبالتالي فهي لن تحصد نتائج مرضية كالتي يستطيع الرجل تحصيلها، وبرأيهم فإن هذه المهنة هي بحاجة إلى الرجال حصراً.

وفي الشق النقيض قد يلجأ البعض الآخر إلى محامية لأنها من وجهة نظرهم “تستخدم نفسها كأنثى لتستطيع تمرير شؤون عملها” ولذلك يفضلون توكيل محامية.

تأثير المحاماة على الحياة الشخصية

تؤثر ممارسة هذه المهنة على الحياة الشخصية للمرأة المزاولة لها بشكل كبير، وترى «نورا» في هذا الخصوص أنه يوجد تأخر في سن الزواج عند المحاميات، كما أن الكثير من الرجال لا يفضلون الزواج بمحامية لما يرونه من متاهات وطرق ملتوية لدى البعض، إضافة لذلك يؤثر الوسط الذي تعمل فيه المحامية على نوع علاقاتها، إذ إن الفئات التي تتعاطى معهم هم القضاة والموظفون والمحامون والموكلون.

ومن جانب آخر، فإن العمل بمهنة المحاماة أمر مرهق ويكتنفه الكثير من التوتر، وتستعرض «نورا» مثالًا على ذلك قائلة إنها عندما كانت تعود من القصر العدلي كانت لا تستطيع التكلم؛ أو حتى سماع أصوات، لأنها تكون قد تحدثت كثيراً وسمعت ضجيجاً لساعات.
وبالإضافة لذلك تحكي «نورا» ومن خلال تجربتها الشخصية عن إحدى الصعوبات التي واجهتها كامرأة في المهنة، كون معظم عملها كان يدخل ضمن نطاق الجزائي ومع رجال موقوفين، وخاصة بعد “الثورة”، إذ تفرغت حينها للدفاع عن المعتقلين على خلفية الأحداث في سوريا، وتشير نورا في هذا الصدد إلى أنها كانت الشخص الوحيد الذي يراه الموقوف وهو ما يخلق نوعاً من المشاعر الثانية لديه كونه لا يستطيع رؤية غيرها، وأوجب ذلك أن يكون تعاملها معهم حساساً ومدروساً، وتلفت «نورا» إلى أنه من الطبيعي أن يكون الموقوفون بحاجة إلى الشعور بعاطفة- وتعاطف- وهنا كان عليها في الوقت نفسه وضع حد لهذه المشاعر، وجعلهم لا يفكرون بأبعد منها.

نصائح للمحاميات المبتدئات في المهنة

وتوجه «نورا» بعض النصائح للمبتدئات في المهنة إذ يجب عليهنّ أن يكنّ على دراية بالجو المحيط بالمهنة، والذي تحدثنا عنه سابقاً، كما أنها تنصحهنّ بأن لا يتوقعنّ أن يكون القضاء دائما نموذجياً مثلما يتخيله البعض، فهو مجال يسوده الفساد. وتدعو المحامية النساء إلى اختيار نوع الدعاوى بشكل جيد، وكذلك نوع الموكلين، وأن ترسمن طريقتهن الخاصة في التعامل التي توصلها إلى النجاح، دون أن “تستخدم نفسها كامرأة”. وتؤكد «نورا» أخيراً أن على المحامين والمحاميات أن يتعاطوا بالقانون وفقط القانون، وهي من خلال عملها عندما كانت تواجهها بعض الأمور التي لا تُحل عن طريق القانون، لم تكن تقبل استلامها لأنها لم تكن تود الدخول في أمور أخرى، بحسب تعبيرها.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.