إعلام “محور الممانعة” – الجزء الثالث: جريدة الأخبار والعلاقة الملتبسة مع حزب الله

إعلام “محور الممانعة” – الجزء الثالث: جريدة الأخبار والعلاقة الملتبسة مع حزب الله

لبنان (الحل) – بعد تناول الجزأين الأولين من هذا التقرير لقناة المنار وإذاعة النور وموقع العهد كوسائل إعلامية داخلية مملوكة لحزب الله، وقناة الميادين كوسيلة إعلامية لمحور الممانعة تخاطب من هم داخل لبنان وخارجه، يأتي االيوم دور #جريدة الأخبار الناطقة باسم الحزب على نحوٍ غير رسمي والموجهة للجمهور داخل لبنان بالدرجة الأولى سواء أكان مؤيداً للحزب أم مناهضاً له.

الرجل الذي يبدو أنه يقف خلف #جريدة_الأخبار شخص يتمتع بصيت جيد، هو الصحفي الشيوعي العتيق والمثقف #جوزف_سماحة ، من مواليد 1949 قرب بكفيا، انضم إلى منظمة العمل الشيوعي وكان مقرباً من الفلسطينيين، درس الفلسفة والعلوم السياسية وتنقل مراراً بين مناصب تحريرية رفيعة في كل من جريدتي الحياة والسفير في لبنان وخارجه حتى تأسيسه جريدة الأخبار سنة 2006 قبل أن يتوفى فجأةً سنة 2007 في لندن خلال زيارة له إليها.

زميل سماحة في التأسيس هو على نقيض منه من حيث السمعة والدماثة، وهو القائم حالياً بأمور الجريدة، إبراهيم الأمين الملقب بـ “بوب”، المنحدر من عائلة جنوبية بخلفية شيوعية أيضاً.

أصدر سماحة والأمين الذي كان مختبئاً في ظل سماحة العدد الأول للجريدة في 14 آب 2006 مع نهاية حرب تموز، في “مغامرة محسوبة” على حد تعبير سماحة في افتتاحيته حينها، جريدةً بدت حينها هاربةً من ماضٍ عفى عنه الزمن، إذ تحمل نفساً شيوعياً غير رسمي وعداوةً معلنة للولايات المتحدة الاميركية.

الأخبار التي اعتمدت – على جري العادة في #لبنان – على ترخيص قديم يعود لسنة 1953، استطاعت البروز بسرعة في ظل تراجع جريدة النهار بعد اغتيال جبران تويني وعودة والده العجوز إلى إدارة الجريدة الأعرق في لبنان، وتكرار ذات الخطاب في جريدة السفير المطبوعة بشخص صاحبها طلال سلمان، فاستقطبت الأخبار مجموعة جيدة من الصحفيين القدامى ومن الموهوبين والمندفعين الجدد، فتميزت بتغطياتها الثقافية، وتحقيقاتها وهويتها البصرية، وإفساحها المجال للرأي الآخر على صفحاتها، وحتى مع وفاة سماحة وبروز إبراهيم الأمين بقيت الجريدة منافسة جيدة للصحافة المكتوبة التقليدية، فكانت سباقة على سبيل المثال من حيث تصميمها وموقعها الإلكتروني التفاعلي أيام ما قبل وسائل التواصل الاجتماعي، وأيضاً اعتمادها القطع المتوسط للورق الذي يسهل على القارئ مهمته مقارنة بالقطع التقليدي الكبير لسائر الجرائد الأخرى.

تميزت الجريدة بموقفها المعادي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان المخصصة لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني #رفيق_الحريري منذ تأسيس هذه المحكمة وحتى هذا اليوم، وهو الموقف الذي ينسجم مع نفسها الأممي المعادي للإمبريالية. هذا الموقف جر على الجريدة بشخص إبراهيم الأمين وعلى تلفزيون الجديد التحقيق ثم الغرامة بتهمة تحقير المحكمة وتعريض حياة الشهود للخطر.

كما نشرت الأخبار وحدها باللغة العربية في لبنان، وعلى نحو حصري وثائق ويكيليكس الأولى، الأمر الذي عرضها لهجوم قرصنة حاد على موقعها الإلكتروني، وأكسبها شهرة وأعداءً لم يكونوا ليلتفتوا إليها قبلاً.

مع انطلاقة الثورة السورية سنة 2011 أصيبت الجريدة- كما أصيبت جهات وأجسام عديدة- بلحظة من الضياع قبل أن تتدارك التطورات وتحسم أمرها فتختار جبهتها ومعركتها، فبعد أن نشرت مواد صحفية تشتم فيها رائحة المعارضة، أو الرأي الحيادي تجاه ما يجري في البلد اللدود المجاور، وانسحب رويداً رويداً الصحفيون الذين اختاروا صف معارضي النظام السوري أمثال خالد صاغية وفداء عيتاني الذي اضطرته لاحقاً ظروف لبنان إلى مغادرته نحو المنفى هرباً من الملاحقات الأمنية. وهكذا صارت الجريدة للمرة الأولى منذ انطلاقتها في 2006 منبراً للرأي الواحد عدا بعض الأصوات النادرة المحسوبة نظرياً على الرأي الآخر، كالمعارضة الوطنية المرضي عنها من قبل النظام مثلاً.

في فترة تعثر جريدة السفير المحسوبة على المحور ذاته، وخلال أشهرها الأخيرة قبل الإقفال تداول صحفيون مطلعون كلاماً عن أن محور الممانعة ممثلاً بحزب الله اختار الإبقاء على جريدة الأخبار وترك السفير لتموت وحيدة بعد مسيرة طويلة رغم مناشدة صاحبها المساعدة، مفضلاً – أي الحزب – وسيلة إعلامية أكثر حيوية وانضباطاً على غرار الأخبار، وهكذا انتصر إبراهيم الأمين على طلال سلمان الذي اضطر إلى إغلاق سفيره.

جريدة الأخبار في الوقت الحاضر بحسب تقرير صدر مؤخراً عن وسائل الإعلام في لبنان وعن مراسلون بلا حدود ومؤسسة سمير قصير مملوكة من شركة أخبار بيروت ش. م. ل. المملوكة بدورها من إبراهيم الأمين نفسه بنسبة 43.8% وهي النسبة الأكبر، و34.8% ليوسف وهبي، و18.8% لعائلة النائب مصطفى الحسيني.

جريدة الأخبار المتميزة والإشكالية منذ نشأتها الثانية لا يمكن الجزم بعودة ملكيتها إلى حزب الله؛ أو محور الممانعة بشكل مباشر أو غير مباشر، وإن كان هذا لا ينفي تلقيها دعماً مالياً منه، وأن تحسب من قبل الصحافة الأجنبية ناطقةً غير رسمية باسم الحزب. ورغم ذلك، فالأخبار تنشر عن صدق أو من باب التعمية والتمويه مقالات تنتقد أداء حزب الله ولكن في غير موضوع المقاومة، وتتناول بتحقيقاتها قضايا وأمور هي أبعد ما يكون عن نفس حزب الله وخطابه كحقوق المثليين وسوء أداء المحاكم الشرعية للأحوال الشخصية وفساد بعض المحسوبين على حزب الله أو غيره… وهو الأمر غير المألوف من الأغلبية الساحقة من وسائل إعلام الممانعة شديدة الانضباط.

لكن ومن ناحية أخرى، يبدو إبراهيم الأمين من خلال الأخبار ناقلاً للرسائل التي لا يريد حزب الله البوح بها مباشرة، فهو لا ينفك عن توجيه التهديدات الصريحة والمباشرة لأخصام الحزب بعبارات من نوع “تحسسوا رقابكم”، مطلقاً وصحفيين آخرين في جريدته تهم العمالة والتطبيع على كل من لا يتفق معهم في آرائهم، وهي تهم تكاد تساوي هدر الدم ولو المؤجل في الواقع اللبناني، ومجربين إطلاق تصاريح بالنيابة عن حزب الله لجس نبض الخصوم السياسيين وقياس ردات أفعالهم.

تقرير: رجا أمين – تحرير: سارة اسماعيل

إعلام “محور الممانعة” – الجزء الأول: وسائل إعلام حزب الله الرسمية
إعلام «محور الممانعة» – الجزء الثاني: الميادين… الذراع الإعلامية الخارجية

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.