(الحل) – اختصاصٌ قلّما تدرسه النساء، إلا أن كثيرات ممّن درسنه أبدعن فيه وتركن بصماتهنّ في المهنة.

وتُعتبر هندسة المعلوماتية من مهن الحاضر والمستقبل، فرواجها يزيد مع مرور الزمن، وهي مهنة تُتيح الكثير من المرونة في مجالات العمل بها، فقد انتشرت التكنولوجيا بشكل كبير في كافة مجالات الحياة كالطب والتعليم والعلوم النفسية وعلم الفضاء.

وتشمل الهندسة المعلوماتية عددًا من الاختصاصات الفرعية أهمها:

ـ هندسة نظم المعلومات.

ـ هندسة البرمجيات.

ـ الذكاء الصناعي.

ـ  هندسة الشبكات الحاسوبية.

ومن الأعمال التي يقوم بها مهندس/ة المعلوماتية:

إدارة نظم المعلومات، وأمن المعلومات والشبكات، وتكنولوجيا المعلومات، وإدارة الشبكات، والبرمجة وتصميم البرمجيات، وبرمجة مواقع الإنترنت، والدعم التقني.

مقتضيات المهنة

يتقاطع اختصاص هندسة المعلوماتية مع علوم الحاسوب، والرياضيات التطبيقية وهندسة النظم والحواسيب، والعلوم العصبية والإدارية، وعلى من يود دراسة فرع هندسة المعلوماتية أن يكون متمكنًا من الرياضيات وفروعها كالجبر والإحصاء والتحليل والاحتمالات، إضافة لدراسة لغات البرمجة والخوارزميات وقواعد البيانات. وإلى جانب الرياضيات يجب أن يتميز العاملون/ات في هذه المهنة بالتفكير المنطقي السليم.

فلماذا تعمل قلة من النساء في اختصاص هندسة المعلوماتية؟ وما هي كواليس هذه المهنة؟ وكيف ينظر مجتمعنا للعاملات في هذا المجال؟ وما هي السبل المتاحة للمرأة من أجل إثبات جدارتها في مهنة لازال يُهيمن عليها الذكور عدديًا بشكل كبير؟

أسئلة وجهناها لمهندسة المعلوماتية لينا بكور الحاصلة على البكالوريوس من الجامعة الافتراضية السورية، ودرجة الماجستير من جامعة أبردين البريطانية، وتمتلك خبرة تمتد على مدار 13 عامًا، بدأتها بتدريس الأطفال مهارات الكمبيوتر، ومن ثم عملت كمهندسة معلوماتية في العديد من الشركات في سوريا منها مخدم الانترنت SCS، وبيتروكندا، وانتقلت بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتعمل في شركة مالية عالمية، وهي تعمل حاليًا في شركة استشارات تُعتبر من شركات الصف الأول في الولايات المتحدة. وقد بدأت عملها في مجال التكنولوجيا كمديرة أنظمة ثم تخصصت أكثر في أمن المعلومات وهي اليوم مهندسة أمن معلومات.

تشاركنا لينا تجربتها المهنية كما تقدم بعض النصائح للمبتدئات في هذا المجال أو الراغبات بالعمل به.

تروي لينا للحل أسباب اختيارها التخصص في مجال هندسة المعلوماتية، إذ إنها ومنذ أيام الدراسة كانت تميل للمواد العلمية بشكل عام وخاصة منها المتعلقة بالرياضيات والفيزياء. وعندما علمت نوعية المواد التي تُدرّس في هذا الفرع وتفاصيلها، وجدت أنها تستطيع النجاح في هذا المجال لأنها تحبه وتحب دراسة مواده ذات الصلة في معظمها بالرياضيات إلى جانب القليل من العلوم الفيزيائية المتعلقة بالكهرباء.

وإضافة لذلك شكّل لها اختيار مجال الشبكات تحديًا لأنه يحتاج إلى تطوير دائم، وقد اختارته بعد أن قرأت الكتب المختصة به وفهمتها بسهولة، كما وجدت فيها متعة تفوق دراسة البرمجة التي تشكل القسم الرئيسي الآخر عند دراسة فرع هندسة المعلوماتية.

التخصص في مجال أمن المعلومات

تقول لينا إنها في عام 2011 ومع بداية الحراك الثوري في سوريا لاحظت وجود انتهاكات كبيرة جدًا لأمن معلومات المواطن السوري، ومع نهاية عام 2011 وبداية عام 2012 زاد تركيزها على موضوع أمن المعلومات، خاصة مع ما كان يحدث من تجسس على ناشطي الثورة، وهو غالبًا ما يودي بهم إلى الموت أو الاعتقال بسبب نشاط قاموا به على الإنترنت، أو كلمة تلفظوا بها على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي مرحلة متقدمة من النزاع انصبّ التركيز على الصحفيين الذين كانوا يحاولون نقل ما يجري على الأرض إلى الإعلام العالمي، وقد خسر الكثير منهم حياتهم نتيجة عدم معرفتهم بكيفية حماية أمنهم الرقمي أثناء إرسالهم لتقاريرهم.

وتكمل لينا أنها وفي تلك الفترة بدأت تبحث عن أدوات لحماية الصحفي أثناء قيامه برفع التقارير التي يُعدّها، والصور التي يُحمّلها على شبكة الإنترنت من أجل نقلها عبر وسائل الإعلام التي تعمل خارج سوريا. وكان الوضع آنذاك يزداد سوءًا على الصحفيين، فبعد أن كانوا مهددين من قبل  النظام، أصبحت التهديدات تلاحقهم من قبل جميع أطراف الصراع السوري ومن جهات عدة، وهو ما دفع لينا لاستغلال معرفتها بالشبكات والأنظمة، ولاحقًا في أمن المعلومات لحماية الناشطين والصحفيين السوريين تحديدًا.

صعوبات تفرضها طبيعة المجتمع

وعن الصعوبات التي كانت تواجهها لينا كونها فتاة في هذه المهنة، أشارت إلى أنها وفي بداية حياتها المهنية وتحديدًا في عام 2007 كانت تضطر للعمل لساعات طويلة، وللتأخر خارج المنزل والعودة ليلًا، أو النزول إلى العمل في الليل أو في الصباح الباكر، كون عملها يتطلب منها تقديم الخدمة على مدار 24 ساعة وأن تكون الشبكة والمخدم متوفرين في كل الأوقات، وذلك في ظل الافتقار لشبكة إنترنت قوية في سوريا آنذاك، وهو ما كان يمنعها من العمل من داخل منزلها. ولم يكن ذلك سهلًا على فتاة من بيئة دمشقية تحسب على الفتاة خطواتها وتحركاتها.

أما الصعوبات الأخرى التي واجهتها لينا في عملها فقد كانت بسبب كونها الأنثى الوحيدة في فريق العمل، فقد اخترقت السائد والمألوف بتخصصها بهندسة المعلوماتية التي اعتاد أن يدرسها ويعمل بها الرجال. وقد أثّر ذلك عليها اجتماعيًا، ففي الوقت الذي يكون من الطبيعي أن يُكوّن المرء صداقات في بيئة العمل، لم يكن متقبلًا اجتماعيًا أن تكون صداقات الفتاة كلها من الرجال، فضلًا عن أنه في سوريا لا يوجد قوانين للموارد البشرية تحمي الفتاة في الشركة التي تعمل بها.

وتُبيّن لينا أنها كانت تتعرض للكثير من المواقف والإحراجات كونها الفتاة الوحيدة في بيئة العمل التي كان يهيمن عليها الذكور، ومنها على سبيل المثال اضطرارها في بعض الأحيان لتحمل مزاح زملائها الثقيل داخل المكتب.

وعلاوةً على ذلك كانت تضطر للعمل فوق طاقتها وأكثر من حجم العمل الذي كان يقدمه زملاؤها في المهنة لتثبت أنها جديرة بالمكان الذي توجد فيه، فكانت تعمل ساعات إضافية، وتدرس وتطالع كثيرًا لتثبت أنها ند للرجل.

مواقف في المهنة

وتشاركنا لينا بعض الحوادث الشخصية التي تعرضت لها في حياتها المهنية كونها أنثى، فقد وُجهت لها الاتهامات في أول عمل لها بعد تخرجها من الجامعة بأنه تم قبولها في العمل لكونها “فتاة جميلة”، وليس لامتلاكها الكفاءة والمعرفة حول المهنة، وهو ما عرفته لاحقًا من زملائها الذين اعترفوا لها بأنهم كانوا خاطئين بانطباعهم الأول، الذي سرعان ما تغير عندما راحوا يلحظون مستواها في العمل ومهارتها فيه.

وبعد أن أثبت نفسها في العمل وصار الاعتماد عليها كبيرًا أخذ زملاؤها يُلقبونها بـ “محمد لينا”، فهم لم يتقبلوا كونها فتاة وناجحة في العمل بل ضموها لجماعة الذكور.

فرصٌ تضيع

وفي حادثة أخرى وعندما كانت تعمل في شركة نفطية تمتلك حقولًا في صحراء البادية السورية، عملت لينا على مشروع كبير خصصت له الكثير من الوقت والجهد وسهرت عليه ليال طويلة حتى أصابتها عوارض صحية سيئة نتيجة ما تكبدته من ضغط وجهد كبير، وعند انتهائها من إنجاز المشروع لم يُسمح لها بالإشراف على تنفيذه لأنها أنثى وكون ذلك كان سيتم في الصحراء، وهو الأمر الذي أحزنها كثيرًا كونها كانت تود البقاء في المشروع الذي تعبت عليه كثيرًا حتى نهايته.

نصائح لتجاوز الصعوبات في المهنة

وتوجه لينا بعض النصائح للفتيات الراغبات في خوض غمار العمل بمهنة هندسة المعلوماتية، مؤكدة أنّ عليهنّ أن يحببن عملهنّ الذي اخترنه غير آخذات بعين الاعتبار نظرة المجتمع له، فعندما يحببنه ويجدن بأنفسهنّ القدرة على القيام به وتأديته بسهولة وسلاسة، فسوف ينجحن به ويُثبتن أنفسنّ في المجتمع، حتى ولو كان المتعارف عن هذا العمل أنه مخصص للرجال، أو أنه متعب.

وتؤكد لينا في هذا السياق أن الكثير من المهام التي تُلقى على عاتق المرأة تكون متعبة أكثر بكثير من أكثر الأعمال إجهادًا.

وتضرب لينا مثالًا على ذلك بأن تربية الأولاد أمر أصعب بكثير من عمل المرأة في  البناء على سبيل المثال، فلا يجب أن تقف العقبات التي ستعترض الفتاة في بداية مشوارها المهني بوجه إكمال طريقها نحو الاحتراف وإثبات الذات.

كما تنصح لينا الفتيات باتخاذ زملائهنّ بالمهنة من الرجال كأصدقاء والاستفادة من خبرتهم في العمل وإفادتهم في نفس الوقت، فالرجل ليس عدوًا والنجاح وإثبات الذات لا يعني معاداته، بل يجب العمل على تبادل المعلومات والخبرات معهم.

كما تتوجه لينا في حديثها للنساء المحترفات والخبيرات في المهنة طالبة منهنّ أن يقدموا الدعم للفتيات المبتدئات واللاتي عادة ما يكون لديهنّ خجل وشك بإمكانياتهنّ ومهارتهنّ في بداية مشوارهنّ، فهنّ بحاجة إلى الكثير من التشجيع والدعم والمؤازرة حتى يتخطين مخاوفهنّ، ويثبتن قدراتهنّ بجدارة في طريق تحقيق النجاح والتميّز في المهنة.

إعداد نينار خليفة – تحرير سامي صلاح

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.