ترجمة خاصة- الحل العراق

كشف تقريرٌ حديث، لوكالة فرانس برس، المخاطر التي تحيق بممارسة مهنة الطب في العراق،  ففي أي بلدٍ في العالم, قد ترتفع الأصوات بين أقارب المرضى والأطباء المنهكين، لكن في العراق, قد تتطور الأحداث لتصل إلى درجة تعرّض حياة الأطباء للخطر.

الأمر الذي جعل الأطباء في هذا البلد يفرّون بشكلٍ جماعي, مما يهدد بأزمة حقيقية للعاملين في المجال الصحي.

فشيماء الكاملي, على سبيل المثال, اضطرت إلى الفرار من المستشفى التي تعمل فيه عبر باب الخدمة، هرباً من رجالٍ مسلحين غاضبين جاؤوا للانتقام منها، لأنها منعت والد أحد المرضى من البقاء في المستشفى خارج أوقات الزيارة.

تروي هذه الطبيبة العامة ما حصل معها قائلةً: «تمكنت من أخذ قميصي وخرجت مع أحد الزملاء، لقد خرجنا سوياً وكأنني زوجته وليس طبيبة مثله, ثم استقلينا سيارة أجرة مبتعدين عن المستشفى».

وتضيف: «لم أعد بعدها إلى العمل إلا  بعد ستة أيام من الحادثة».

ويؤكد التقرير أنه من البصرة جنوبي من البلاد, إلى سامراء شمالي بغداد, كل الأطباء والنقابيون والمسؤولون الصحيون يروون القصص ذاتها، فالكثير من الأطباء تعرضوا للضرب والتهديد بالموت أو بالخطف لأنهم يمارسون هذه المهنة.

ويبين التقرير، إن لم يتم استهداف الأطباء بشكلٍ مباشر, فإن مهنة الطب تعاني بشكلٍ عام بسبب العنف الذي يجتاح البلاد بشكلٍ منتظم، فكثيراً ما تشهد المستشفيات نزاعات بين رجالٍ مسلحين في مبانيها، فالمستشفى لم تعد ملاذاً آمناً كما كانت من قبل.

وتؤكد الدكتورة الكمالي «أن بعض الأطباء اضطروا, نزولاً عند الأعراف القبلية وتوجيهات الوجهاء والتي تحل غالباً محل القانون, إلى دفع مبالغ وصلت أحياناً إلى خمسة وأربعون ألف دولار لعوائل بعض المرضى كي لا تأخذ هذه العوائل بالثأر من هؤلاء الأطباء».

وتؤكد سحر مولود, وهي صيدلانية تأتي في المرتبة الثانية في إدارة منطقة الصحة في منطقة صلاح الدين شمالي بغداد, ما أسلفته الدكتورة الكمالي, وتقول: «في بعض الأحيان, عندما يصل المرضى إلى المستشفى يكونون على وشك الموت، وعندما يموتون, تتهم عائلاتهم القائمين على المستشفى بأنه لم يقوموا بعملهم كما يجب».

من جهته, عبّر بيتر مورير, رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر, عن قلقه قائلاً: «الاعتبارات القبلية والطائفية تتعارض مع قَسَم أبقراط».

مؤكداً «أن الصليب الأحمر قد قام بحملة ضد هذه الظاهرة».

ويضيف مورير: «في كل أنحاء العالم, يُقسم الأطباء على معالجة مرضاهم وعلى ألا يأخذوا بعين الاعتبار سوى خطورة حالتهم الصحية وما يستدعي الإسعاف منها دون النظر إلى أصلهم أو معتقدهم أو انتمائهم القبلي أو الطائفي».

وفي مواجهة هذه السيوف المسلّطة على رقابهم باستمرار, فقد اختار الكثير من الأطباء العراقيين الهروب والاغتراب، وهو الخيار الذي تفكر فيه الدكتورة الكمالي باستمرار.

حيث تؤكد هذه الطبيبة /32/ عاماً والتي تدير برامج صحية على التلفزيون بأنه فقط من مجموع 348 طبيب تخرّجوا في دفعة عام 2009, فإن 285 طبيباً قد صاروا خارج العراق اليوم. وأن الاعتداء على هؤلاء الأطباء هو السبب الرئيس لهجرتهم.

ويكشف التقرير، بأنه ووفقاً لمسؤولين في قطاع الصحة, فإن مجموع الأطباء الذين غادروا العراق في الخمسة عشر سنة الأخيرة، قد وصل إلى عشرين ألف طبيب. وهو رقم قياسي مقارنةً ببقية دول المنطقة.

واليوم لم تعد بغداد, مدينة الطب المتألقة والتي أضاءت العالم العربي في سنوات السبعينات والثمانينات, سوى مجموعة من المباني ووحدات الرعاية الصحية التي تفتقر إلى كل شيء وبشكلٍ خاص وكبير إلى الأطباء.

فحال المؤسسات الصحية في العراق اليوم هو ذات حال جميع المؤسسات في البلاد، حيث يقول سيف البدر, المتحدث باسم وزارة الصحة العراقية, «بالإضافة إلى نقص الأدوية, فإن البلاد تفتقر إلى الأطباء كذلك».

فبحسب منظمة الصحة العالمية وفي عام 2017, كان لدى العراق تسعة أطباء لكل عشرة آلاف نسمة، وهو أقل بثلاث أضعاف عما هو عليها لحال في الكويت, الدولة الجارة. وكذلك أقل بضعفين من ليبيا, البلد الغارق في الفوضى.

وبحسب ما أفاد به الدكتور حسين عودة لفرانس برس, فإنه وفي مدينة البصرة, حيث القانون القبلي سائد والمجموعات المسلحة متعددة, بالإمكان إحصاء خمسة عشر حالة اعتداء جسدي أو شفهي بحق الكادر الطبي في الشهر الواحد.

ويضيف هذا الطبيب الأربعيني المختص بأمراض المعدة والأمعاء، بأن «هذا الخوف الذي خلقته ظاهرة الاعتداء على الأطباء قد جعل عدداً كبيراً من هؤلاء الأطباء, خاصةً المتخصصون في اختصاصات نادرة كالجراحة القلبية أو الأعصاب, يرحلون عن هذه البلاد».

ويشير التقرير، بأن البرلمان العراقي قد ذهب في عام 2013 إلى حد التصويت على نصٍّ يُسمح بموجبه للأطباء بحمل السلاح.

لكن وبحسب عبد الأمير الشمري, رئيس نقابة الأطباء العراقيين, فإن «هذا النص بقي حبراً على ورق ولم يتم تطبيقه أبداً».

من جهته, اقترح حسان الكعبي, نائب رئيس البرلمان, حديثاً حلاً أكثر راديكالية، يتمثّل هذا الحل بـ «إدراج الاعتداء على الأطباء ضمن نصوص قانون مكافحة الإرهاب والذي قد تصل بعض عقوباته إلى الإعدام».

لكن وفي انتظار الحل, لا يزال بإمكان العصابات أو أي شخصٍ مسلّح الاعتداء على الأطباء في ممرات المستشفيات وفي صالات الانتظار, تؤكد الدكتورة الكمالي. وتختم هذا الطبيبة حديثها لفرانس برس بالقول: «القانون لا وزن له هنا! إنه قانون الغاب…».


الصورة المُرفقة تعبيريّة من أرشيف غوغل

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.