لبنان (الحل) – تشكلت حكومة سعد الحريري بعد شد وجذب استمر شهوراً طويلة تخللتها عقبات ومطالب كثيرة، وشهدت على وجه التحديد محاولاتٍ للمس بالتمثيل السني للحريري من خلال محاولات توزير أحد “السنة المستقلين” الموالين لحزب الله والنظام السوري، الأمر الذي واجهه #الحريري بحزم رافضاً توزير أحد منهم مباشرة والتنازل عن وزير من حصته.

هذه المعركة على التمثيل السني التي قادها #حزب_الله في وجه الحريري أدت إلى تعاطف سني من قبل القيادات غير الحريرية مع الحريري، من دار الفتوى إلى نجيب ميقاتي وفؤاد #السنيورة الذي قيل أنه ابتعد عن توجهات الحريري الابن. هذا التعاطف أتى على خلفية رفض المس بصلاحيات المنصب السني الأهم على الساحة السياسية بغض النظر عمن يشغله اليوم.

بعد أن اطمئن الحريري إلى تشكيل الحكومة من دون توزير واحد من النواب السنة المستقلين، ودون التنازل عن حصته الوزارية السنية المهتزة بعد الانتخابات، توالت أحداث ما بعد التشكيل لتشكل له ضربة تلو الأخرى.

رغم نص البيان الوزاري على “النأي بالنفس” سارع وزير الدولة لشؤون النازحين السوريين صالح الغريب إلى زيارة #دمشق قبيل الاجتماع الأول للحكومة حتى، متجاهلاً ضرورة تكليفه بالزيارة من قبل الحكومة  ومتحصناً بالدعم السياسي من قبل تيار الممانعة الذي سيغطي فعلته، وهو المحسوب على الزعيم الدرزي المقرب من دمشق طلال أرسلان والمنتمي إلى كتلة رئيس الجمهوية ميشال عون.

أرسلان رأى في الزيارة “مقاربة جدية وعملية لملف النزوح بعيداً عن الغوغائية والارتجال”، منوهاً بدعم رئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس اللبناني ميشال عون لهذا الملف. أما الغريب فقال أن الجانب السوري أبدى الكثير من الإيجابية في ملف إعادة “النازحين” إلى #سوريا، وأنه مستعد لتقديم مساعدات كبيرة في هذا المجال.

رد #تيار_المستقبل كان عن طريق عضو المكتب السياسي مصطفى علوش الذي قال أن التعامل مع نظام الأسد مرفوض وأنه لا يحق لأحد في الحكومة أن يتفرد بالقرارات.

الضربة الثانية أتت أيضاً قبل الاجتماع الأول للحكومة، إذ بت المجلس الدستوري بعد انتظار طويل الطعون المقدمة في الانتخابات النيابية قبل 9 أشهر، فأبطل نيابة عضو كتلة تيار المستقبل النائب ديما الجمالي وأعلن المقعد السني الخامس في #طرابلس شاغراً مما يوجب إعادة الانتخابات خلال مهلة شهرين وفق القانون الأكثري.

في المقابل رد المجلس الدستوري المنقسم على ذاته بشأن هذه القرارات والتدخلات السياسية فيه كل الطعون الأخرى المقدمة من نواب آخرين، ورأت الجمالي أن هناك تدخلاً سياسياً في هذا الملف، وأن القرار الذي اتخذ بحقها مجحف وغير عادل، وصرحت النائبة بهية الحريري عمة سعد الحريري بأن هناك تدخلاً سياسياً في عمل المجلس الدستوري.

أتت هذه الضربة الثانية لتؤثر على نوعية مشاركة رئيس الحكومة سعد الحريري في الاجتماع الأول لحكومته برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، حيث بقي الحريري صامتاً إثر انزعاجه من إبطال نيابة الجمالي، ولم يتدخل في مجريات الجلسة التي فرض فيها ميشال عون رأيه مانعاً بعض الوزراء من الكلام والاعتراض على زيارة الوزير صالح الغريب إلى سوريا، قائلاً أن “سوريا تريد عودة النازحين وقد تمت حتى الآن عودة 156000 نازح”، وهو رقم مجهول المصدر.

عون قال أيضاً أنه يعرف مصلحة لبنان العليا وأنه في مركز المسؤولية وهذه صلاحياته وهذا هو مفهومه للمصلحة الوطنية العليا وهو من يقرر هذه المصلحة، الأمر الذي يعد تعدياً على الدستور وانتهاكاً لصلاحيات رئيس الحكومة الذي بقي صامتاً أمام محاولات #عون فرض العودة إلى ممارسات الرئاسة المارونية ما قبل اتفاق الطائف.

انتهت جلسة مجلس الوزراء برئاسة عون لتأتي الضربة الرابعة للحريري متمثلة في محاولات حزب الله “محاربة الفساد” عن طريق الظهور الإعلامي للنائب حسن فضل الله الذي أعاد نبش ملف صرف حكومة السنيورة 11 مليار دولار مدعياً أنها اختفت وأخذت طريقها إلى جيوب عديدة من بينها جيب السنيورة.

السنيورة رد على الحملة مفنداً إياها بالتفصيل على خلفية ضرورات الإنفاق الحكومة من دون موازنة في ظل الإقفال غير الدستوري لمجلس النواب حينها، ما اضطر الحكومة إلى الإنفاق الموثق على أساس القاعدة المسماة الإثني عشرية المعروفة في لبنان.

السنيورة ذو الشعبية في أوساط تيار المستقبل يبقى رغم ابتعاده محسوباً على الحريرية منذ سنواتها الأولى، واستهدافه يصيب سعد الحريري دون أدنى شك، خاصة وأن سمعة السنيورة لجهة الفساد ليست بالجيدة شعبياً.

يعلم المعسكر المناوئ للحريري أن زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين الذي لا يعرفه أحد لن تغير شيئاً في ملف عودتهم، خاصة وأن التنسيق جار في هذا الملف عبر مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ولكن الزيارة هي خطوة نحو إخضاع الحريري ووضعه أمام الأمر الواقع بما يخص عودة العلاقات التي يرفضها مع النظام السوري.

أما إبطال نيابة الجمالي فهي ضربة لتمثيل الحريري في معقل السنة في طرابلس، وهي ولو عادت للفوز بالمقعد -وهو أمر مرجح- إلا أن الرسالة قد وصلت ومفادها أن “تمثيلك مهزوز أمام جمهورك” وأن “المجلس الدستوري في أيدينا”.

ويأتي أداء ميشال عون في مجلس الوزراء في جلسته الأولى ليخاطب المسيحيين بخطاب استعادة حقوقهم وحقوق رئاسة الجمهورية، وتحجيم الحريري وحشره من خلال إعلاء الصوت وتكريس أعراف غير دستورية تدعم رئيس الجمهورية على حساب رئيس الحكومة.

وأخيراً استهداف السنيورة لوضع الحريري في حالة دفاع عن النفس وتظهير حزب الله الداخل إلى نوع جديد من العمل الحكومة وكأنه المقاوم ليس فقط في الخارج بل حتى في الداخل في سبيل محاربة الفساد.

على ضوء كل هذا، يرى مراقبون أن هذه هي ضريبة ما سماه اللبنانيون “الديموقراطية التوافقية” التي تجمع كل المكونات السياسية في مجلس وزراء متنافر لا رؤية سياسية توحده، فتنتقل بذلك الخلافات السياسية التي يجب أن يكون مجلس النواب مسرحها بين معارضة وموالاة، إلى مجلس الوزراء الذي بات أقل خلاف يمس بالتوافقية في صفوفه ويشل أداءه.

تقرير: رجا أمين – تحرير: سارة اسماعيل

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.