خاص (الحل) – الحديث عن #السياحة #الجنسية والدعارة في #سوريا لم يعد سراً، ولم يكن كذلك في السابق، لكن ما يجري دائما هو عدم الدخول في التفاصيل، كي يبقى الموضوع في طَي الغموض، بدليل عدم وجود إحصائيات وأرقام دقيقة تشير إلى مدى ارتفاع وانخفاض عدد العاملين في هذه المهنة، وعدد من يقومون بإدارتها والأرباح السنوية الناتجة عنها وإلى أين تذهب؟

أسئلة كثيرة لا إجابات واضحة عنها، لكن لا بد من الاعتراف بأن هذه المهنة موجودة، وهي قديمة؛ وليست وليدة اليوم، فالمجتمعات المعاصرة توارثت هذه المهنة، وهناك من أراد تنظيمها وقوننتها، وبعض الآخر لم يقم بذلك- ولن يقوم- تاركين المسألة على حالها، وهي بالضبط تواطؤ متفق عليه بين الدولة وأجهزتها الأمنية، والمشتغلين بغاية الربح على حساب الضحايا في نهاية المطاف، أيّ نحن أمام مسألة غاية في الحساسية، لكنها بالتأكيد تصنف حسب كل المعايير الاقتصادية بالعمل والعاملين، أي هناك منتج وسلعة يتم تبادلها في السوق، وبالتالي هناك أرباح طائلة تذهب إلى جيوب عدد من الجهات والشخصيات التي تحمي آلاف البيوت والأماكن التي يتم فيها ممارسة الجنس، واكتشف بعضها للعلن وهي عشرات الشبكات المنظمة العاملة في هذا المجال.

 

 الاستغلال الجنسي في أبشع صوره

إن الحديث عن بيوت الدعارة والسياحة الجنسية يطول- ويطول جداً- ويمكن وصف أماكن بعينها انتعشت في العديد من المناطق في سوريا، لا سيما دمشق التي يبدو أنها كانت دائما تحت المجهر، فقبل ٢٠١١ كانت السياحة الجنسية رائجة، وبكل بساطة كان لأي شخص يريد الذهاب إلى احد بيوت الدعارة لن يجد صعوبة في ذلك، حتى كانت بعض الفنادق لديها غرف مخصصة لمثل هؤلاء الزبائن عدا عن البيوت والفنادق الفخمة والفلل أيضاً، لكن مع دخول السوريين في المواجهة المباشرة مع النظام منذ ٢٠١١ أضحت الأمور أكثر رعباً من كل النواحي، فبعد التدهور الاقتصادي والحالة المعيشية، أصبح السوريون عموماً ضحية في بورصة النظام الذي استهدف السوريين في قيمهم وعيشهم وحياتهم وأمنهم، فالنظام لم يترك وسيلة ضغط لم يمارسها لإركاع السوريين وإعادتهم لبيت الطاعة «طاعته» وبعيدا عن عدد العاملين والعاملات في مهنة الدعارة وأرباحهم ومع استمرار النظام والقتال زاد عدد النساء المطلقات والأرامل والنساء الوحيدات، وبدأ ابتزاز الفقراء من هذه الفئات وصيدهم من خلال استغلالهم وإجبارهم على فعل ما لا يريدونه، وهناك عشرات التقارير والأفلام الوثائقية التي تتهم النظام في ضلوع مليشياته في استغلال النساء جنسياً، لا بل وصل الأمر لبعض العاملين مع الجهات الأممية أيضاً في استغلال النساء مقابل السلة الغذائية «الطعام» فالاستغلال الجنسي ظهر في أبشع صوره في سوريا، من خلال شبكات منظمة بعلم النظام، وهو الذي يمسك بزمام أمورها، وسيأتي يوم من يكشف حجم إيرادات هذه المهنة التي تذهب لجيوب تجار النظام وأرباحها قد لا تقل عن أرباح «سرياتيلهم» وهناك مئات الملايين تجنى من هذه التجارة لتصب في جيوب مافيات محمية من الأجهزة الأمنية.

 

الترويج للدعارة وتوطينها

يقول الدكتور مسلم تالاس الأستاذ في جامعة ماردين بتركيا، ليس لدي معلومات مباشرة عن الموضوع لكن «المسألة الأساسية هنا هي انه بالمنظور الأخلاقي  لا شك أن ظروف الحرب والهجرة وتغيير مكان الإقامة يتسبب في تفكك القيم والأخلاقيات المجتمعية، ومن ثم يسبب استعدادا واضحا لدى العديد لممارسة وتقبل انحرافات أخلاقية لم تكن مقبولة سابقا, ربما. لكن المسألة لا تتوقف عند حدود المكاني، مع الحرب انتشرت أشكال من الممارسات الدينية الجنسية مثل جهاد النكاح وزواج المسيار والمتعة، وهي أيضا ساهمت في الترويج للدعارة وتوطينها. ويبقى هناك العامل الاقتصادي الذي يلعب دور هاما في دفع بعض المحتاجين لممارسة الدعارة. إذا علمنا أن نسبة الفقر في المجتمع السوري قد تتجاوز 70% وأن هناك  أكثر من 500 قتيل ومفقود وعدد كبير من هؤلاء يمثلون أرباب عائلات ومتزوجين، فإن هذا يفتح باب الترمل والفقر سوية وهناك قد يصبح الدافع مزدوجاً».

 

صناعة الجنس

لا يكترث النظام للتعاريف والمفاهيم الدولية، فمفهوم الدعارة عالميا ينقسم إلى شقين الأول هو البغاء وتوفير وبيع الجنس، والثاني صناعة الجنس وهو يشمل جميع أنواع صناعة الجنس من رقص التعري وتوفير الجنس عبر الانترنت أو خدمات الجنس، وقد تم التفريق بين هذين المفهومين لان النظام القضائي يفرق بين البغاء وصناعة الجنس من حيث الترخيص والممنوعات والمسموح به والعقوبة لكل منهما.

وعلى الرغم من تواجد الدعارة والسياحة الجنسية إلا أنها تعتبر غير قانونية إجمالاً ليس في سوريا، وحدها بل في أغلب الدول العربية، التي تعتبر الدعارة «شيء غير أخلاقي وبعض الدول يتم محاسبة ممارسيها. إلا أنه في غالب الأحيان يتم غض الطرف عنها، وتتم ممارسة الدعارة خارج رقابة القانون. ولكن توجد في دول عربية كما في دول أخرى أحياء كاملة مخصصة لممارسة الدعارة، إذ نشرت تقارير سابقة أن في مدينة وحدها كان هناك ما يقارب 40 ألف شقة للممارسة الدعارة، مما يعني أن مردودها لوحده اقتصاد متكامل، وبأرقام كبيرة، وتتجاهل السلطات الحكومية هذه البؤر وتغض الطرف عما يدور فيها إلا في مناسبات محدودة ولأغراض سياسية أو أمنية.

 

التخريب القيمي

وحسب تقديرات منظمات الدفاع عن حقوق المرأة فإن ملايين النساء سنوياً يتم استدراجهن طوعاً وقسراً لبيع أجسادهن.

يقول الدكتور عبدالقادر نعناع الأستاذ في العلوم السياسية، إن «الدعارة منهج النظام ولا يمكن اعتبار الانهيار الأخلاقي الذي يستشري في المناطق الخاضعة لهيمنة النظام وحلفائه، حالة مستحدثة في التاريخ السوري المعاصر. فالأسد الأب، ومنذ لحظات انقلابه الأولى، كان منهجه واضحاً في عملية التخريب القيمي والأخلاقي، ضمن منهج التخريب العام».

ويتابع الدكتور «نعناع» حديثه: «كان واضحاً ذاك التوجه الحاد نحو إعادة إنتاج قيم المجتمع السوري، على قاعدتين أساسيتين، الفساد المالي والوظيفي وما يرتبط به، و#الفساد #الأخلاقي، وتحديداً عبر تخريب قيم الحاضنة الدمشقية بالأخص، بطرق يعلمها الجميع، وبأدوات طائفية مستقدمة قهراً إلى دمشق».

وأضاف الدكتور أن هذا التخريب، الذي وإن لم تتم دراسته بشكل مكثف، إلا أن المفكر السوري طيب تيزيني، سبق وأن خصّص له أحد مؤلفاته «من ثلاثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني»، ووضّح كيف أن النظام قائم على قاعدة «إفساد الكل».

لا يمكن الخوض طويلاً في المرحلة السابقة، لكن هذا النهج تصاعد في أروقة النظام، بشكل مستمر، ولعل الثورة وما تداخل معها من أشكال يمكن وصف بعضها بالحرب الأهلية، والانهيارات التي وقعت في بنية النظام وحواضنه والفئات المُهَيمَن عليها، دفعت النظام إلى إعادة ضبط سلوك هذه الفئات عبر مزيد من إشغالها بحالات متطرفة من الفساد والإفساد.

 

تجارة الدعارة

بالتأكيد مختلف النماذج التي شهدت حروباً أهلية، أو خضعت لاحتلال غاشم، أو كانت تحت سلطة شديدة القمعية، شهدت الكارثة ذاتها. وهنا فإن الوضع السوري جمع بين الأشكال الثلاثة هذه، لذا يبدو أكثر تعقيداً من كثير من النماذج السابقة.

لكن هدف النظام يبقى مركباً، وأكثر تهديماً، حيث يقوم على:

– إبعاد الفئات الخاضعة لهيمنة النظام كلياً عن الشأن السياسي والعام، عبر إغراقها في هذا المستنقع.

– تحطيم أيّة منظومة قيم متبقية يمكن أن تشكل عامل وعي مستقبلي.

ويرى الدكتور عبدالقادر أيضاً، كيف أن النظام كان يركز على دمشق تحديدا  فيقول: «سعى النظام إلى المزيد من إذلال الحاضنة «السنية» الدمشقية، عبر نشر الرذيلة فيها بشكل واسع، بل وبما يمكن أن نشبهه في بعض المواقف، بحالات اغتصاب مدعومة من السلطة. وبالتالي إيجاد مصادر دخل إضافية لبعض كبار ضباطه، والشبكات المتفرعة عنها، وخصوصاً أن شبكات الدعارة في هذا الظرف، لا يمكن أن تنشأ بعيداً عن السلطة بالمطلق. بل إن بعضاً من أشكال الاعتداء الجنسي أو تجارة الدعارة، يتم تحت مبررات دينية أيضاً، وفق مناهج غريبة عن الثقافة السورية، في تكرار لما يحدث تماماً في إيران والعراق وفي أوساط الميليشيات التابعة لهم».

 

الاغتصاب السلطويّ

وأردف أستاذ العلوم السياسية، أن «المشكلة أكبر من أن تكون مشكلة دعارة منظمة، وهي فعل موجود في غالبية دول العالم- أو كلها تقريباً- لكن الكارثة التي تحدث سواء عبر تلك الشبكات التي تمتهن الدعارة، أو عبر عمليات الجنس القهري المدعوم من السلطة (الاغتصاب السلطوي)، هي عمليات تهدف في المحصلة إلى مزيد من تحطيم المجتمع السوري، وإغراقه في منظومة القيم المنحطة، بحيث يصبح الجميع مداناً ومنخرطاً فيها».

الدعارة والسياحة الجنسية انتعشت، وأصبحت أكثر علنية، وجرى ذلك كله برعاية النظام لإغراق الكل في مركب فساده الذي طال البشر والحجر، فالفوضى العارمة في كل مناحي الحياة أفسدت كل شيء، وفي المركب الغارق الناس يتمسكون بقشة أملاً بالوصول إلى برّ الأمان أكثر يشغل الناس خبزهم اليومي، وان يستطيع العودة إلى منزله حين يخرج، لا أن يصبح رقما في عداد الأموات.

 

إعداد وتحقيق: إبراهيم نمر

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.