دمشق (الحل) – تعيش الرياضة السورية، والتي تمرّ بظرف متعثر، واحدة من أصعب فتراتها بقيادة اللواء العسكري «موفق جمعة»، والذي يتمسّك بكرسي رئاسة اتحادها العام منذ عام 2010 وحتى اليوم، على الرغم من المطالبات الكبيرة من الرياضيين والمشجعين باستقالته وتسليم رئاسة الاتحاد لرياضيين قدماء.

تجرّع الوسط الرياضي السوري، خيبات كثيرة خلال السنوات الماضية، كان آخرها الفشل بتخطي الدور الأول من كأس أمم آسيا 2019 لكرة القدم بعد أشهر من الإخفاق بالوصول إلى بطولة كأس العالم في #روسيا 2018، بسبب الفساد المستشري داخل المؤسسات الرياضية، وتسلّط شخصيات لا تمت للرياضة بصلة على أهم المراكز القيادية فيها وتشبثهم بها، إضافة للعشوائية الكبيرة التي تطغى على عملها، إذ عجزت عن احتواء أزمات ومشاكل إدارية وفنية داخل المنتخبات.

رياضة مسيّسة تقسم الجماهير

قوات تابعة للنظام السوري في ملعب العباسيين

عادة ما تعمل الأنشطة الرياضية على جمع الشعوب، وتكون متنفساً لها من الضغوط التي تواجهها بسبب الحروب والأزمات الاقتصادية وغيرها من المشاكل اليومية، لكن هذه القاعدة وجدت شذوذها في سوريا، إذ استغل إعلام النظام «الطفرة» التي حصلت في مستوى المنتخب الكروي الأول في تصفيات كأس العالم الأخيرة في تلميع صورته، وجعل كل نجاح رياضي مقروناً بـ«القيادة السياسية وانتصاراتها» على المعارضة، حتى وصل الأمر لترتيب لقاء بين عناصر الفريق الرياضي مع رئيس النظام بشار الأسد، ما تسبب بانقسام الجماهير السورية لقسمين موالٍ ومعارض حسب الموقف السياسي.

وبحسب الإعلامي أحمد زكريا، فإنّ تحويل المنشآت الرياضية لثكنات عسكرية وسجون لقوات النظام، كما حصل في ملعب العباسيين في العاصمة #دمشق، وملاحقة الرياضيين المعارضين وزجهم في السجون وتعذيبهم حتى الموت، ساهم بانقسام الشارع الرياضي السوري أيضاً، بل وجعل معارضي النظام يشجعون الخصوم في المحافل التي يشارك فيها المنتخب الذي يمثل النظام، والذي أطلقوا عليه لقب «منتخب البراميل» نسبةً لجيش النظام الذي قام بقصف كثير من المدن السورية الخارجة عن سيطرته بالبراميل المتفجرة.

رياضيون «شبيحة» ونجوم دون تأثير

لم يستطع بعض الرياضيين الموالين للنظام، كبح جماح موقفهم السياسي وفصل الرياضة عن السياسة (كما يدّعي إعلام النظام)، فقد تم توثيق حالات عدّة لانتهاكات من لاعبين موالين للنظام بحق بعض الجماهير المعارضة، وكان من أبرز هذه الحالات تهجّم حارس منتخب النظام الكروي «إبراهيم عالمة» على بعض الجماهير التي حضرت تدريبات المنتخب في #النمسا رافعةً علم الاستقلال الأخضر.

إيراهيم عالمة

ولأنّ «الشبيحة» لا يميزون بين مناصر ومعارض، فقد قام اللاعب ذاته بالتهجم على جماهير #نادي_الجيش السوري التي قامت بشتمه في إحدى مباريات الدوري السوري لكرة القدم، الأمر الذي لم يسبق حدوثه في أيّة منطقة من العالم على الرغم من وجود تجاوزات وإساءات كبيرة من بعض الجماهير الرياضية على المستوى العالمي تجاه بعض اللاعبين، ومنها على سبيل المثال الهتافات العنصرية التي توجه للاعبين السمر من القارة الأفريقية.

ولعلّ هذه العوامل والظروف ساهمت بفقدان قيمة كثير من النجوم السوريين الذين لمعوا بشكل ملفت على مستوى المنطقة، أبرزهم عمر خريبين لاعب بيراميدز المصري الحائز على جائزة أفضل لاعب في آسيا عام 2017، وعمر السومة لاعب نادي الأهلي السعودي، الذي ما يزال يحطّم الأرقام القياسية مع ناديه، ووعد بتحقيق إنجاز في كأس أمم آسيا 2019، ليجد وعوده قد تلاشت مع الخروج من دور البطولة الأول، بسبب خلافات شخصية بين اللاعبين، فشلت الإدارة الرياضية بحلّها بل وزادتها تعقيداً، بحسب متابعين.

مواهب مدفونة وإهمال مُتعمد

الإعلامي الرياضي «ناصر بكار» قال لـ«الحل» أنّ ما يجري للرياضة السورية «جريمة» يرتكبها المسؤولين عنها، إذ أنّهم أهملوا مواهب كثيرة ولم يحاولوا استغلال موهبتهم وتنميتها، ما دفعهم للخروج من سوريا، والبحث عن فرصة لإثبات أنفسهم، وأكبر مثال على ذلك الطفل أحمد الظاهر (طفل سوري لاجئ في ألمانيا) الذي وجد بيئة مناسبة لتنمية موهبته المميزة.

وتابع «بكار» القول: «المواهب كالجواهر إن لم تجد من يحفظها تُسرق» في إشارةٍ منه لاحتمال تمثيل المواهب السورية الشابة لبلدان عربية أو أوربية أخرى في حال استمرار إهمالهم وعدم استغلال موهبتهم في سوريا، وهذا سيساهم في تراجع الرياضة السورية أكثر من الآن، حسب قوله.

الرياضة في مناطق المعارضة… هل هي أفضل حالاً؟

لا يختلف اثنين على أنّ الأوضاع في مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري، لا يمكن مقارنتها بأي منطقة أخرى، خصوصاً مع تجدد القصف عليها من قوات النظام والطيران الروسي، وعليه فإنّ الرياضة في هذه المنطقة لا تجد سبيلاً للتطور، بسبب الحالة الأمنية وأيضاً بسبب عدم وجود اهتمام من الهيئات والمؤسسات المدنية المعارضة الحكومية والخاصة.

وقد أكد الإعلامي أحمد زكريا لـ«الحل» أنّ الهيئات الرياضية «فشلت باستغلال وجود نجوم رياضيين معارضين بسبب ضعف الإمكانات، إضافةً للانقسامات بين هذه الهيئات التي لم تستطع تلبية احتياجات الشارع الرياضي»، بحسب قوله.

على ما يبدو فإنّ الوقائع الحالية ليست مبشرة بما يخص تطور القطاع الرياضي في سوريا، مع تحكم المسؤولين الفاسدين بمفاصله، وتسييره بحسب أهوائهم، فمن ألغى اتفاقية تطوير مع #قطر بعد أيام من توقيعها بسبب موقفٍ سياسي، لن يتردد في اتخاذ قرارات سيئة أخرى تضر بالرياضة وتساهم في تعثّر حالها.

إعداد: سليمان مطر – تحرير: سارة اسماعيل

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.