الإيكونومست: مدارس سوريا المدمّرة تعيق إعادة إعمار البلاد

الإيكونومست: مدارس سوريا المدمّرة تعيق إعادة إعمار البلاد

رصد (الحل) – نشرت مجلة «الإيكونوميست» تقريراً تناولت فيه حال المدارس والتعليم في سوريا، بعد ثماني سنواتٍ من الحرب في البلاد، مسلطةً الضوء على ما آل إليه حال التعليم من تشتيت بين المناهج التعليمية المختلفة بحسب الجهة المسيطرة على المنطقة. هذا بالإضافة إلى مخاطر إهمال التعليم، والتي من شأنها دفع الجيل الجديد نحو التطرف والعنف.
لم تكتفِ الحرب في سوريا، بما خلّفته من قتلى وحطامٍ ومشردين، بل طالت نظام التعليم حتى أحالته خراباً هو الآخر. فما يقارب الثلاثة ملايين طفل بعمر الدراسة في سوريا، ثلثهم مغيب عن الالتحاق بالمدارس. ويعود السبب في ذلك جزئياً لكون 40% من المدارس خارجة عن نطاق الخدمة. فالبعض منها دمّر نتيجة القتال، والبعض الآخر يتم استخدامه من المجموعات المسلحة؛ أو النازحين. أما المدارس التي ما تزال تعمل فهي تعجّ بالتلاميذ وتفتقر للكادر التدريسي الذي يديرها. حيث فر ما يقارب مئة وخمسون ألف معلّم من البلاد أو قتلوا خلال الحرب.

ومما لا يدعو للدهشة هو تراجع مستوى التلاميذ العلمي، فبحسب منظمة “Save the Children” فإن أطفال سوريا في عمر العشر سنوات يقرؤون مثل الأطفال بعمر الخمس سنوات في البلدان المتقدمة، وأن معدل معرفة القراءة والكتابة قد انخفض إلى حدٍ كبير.
ويبين التقرير أن عواقب هذا التراجع وخيمة! فالسوريون يفتقرون إلى المهارات التي يحتاجونها لإعادة إعمار بلدهم؛ أو للهروب من الفقر المدقع الذي يعيش فيه 80% منهم. والشريحة غير المتعلمة تعتبر فريسة سهلة بالنسبة للحركات الجهادية والميليشيات التي توفر لهم المال والقليل من القوة، أو حتى لنظام بشار الأسد نفسه الذي يمنحهم بكل سرور مكاناً في الجيش. وما تزال المدارس المدمرة تشكل سبباً آخر لمغادرة السوريين الأثرياء للبلاد، وكذلك لبقاء هؤلاء الذين فرّوا في الخارج. ويقول رياض النجم من منظمة «حرّاس الخيرية»، التي تدعم ما يزيد عن ثلاثمائة وخمسين مدرسة في سوريا: «سوف نرى النتائج الكارثية خلال العقد القادم عندما يصبح أطفال اليوم بالغين».

ويشير التقرير إلى أن سبعة مناهج تعليمية على الأقل تتنافس في المدارس السورية. فقد طهّر معارضو الأسد المناهج الدراسية التابعة للدولة لتمجيدها لحزب البعث الحاكم. لكنهم لم يتفقوا على منهجٍ مشترك يحل مكانه. فقد فرض الأكراد الذين يسيطرون على المنطقة الشمالية الشرقية منهاجهم الخاص مستبدلين تمجيد الأسد بتمجيد عبد الله أوجلان، الزعيم الكردي القابع في سجون تركيا. وفي هذه الأثناء، افتتحت تركيا أحد عشر مدرسةً ثانوية دينية في المنطقة السورية التي تسيطر عليها المجموعات المرتبطة بتركيا. وكذلك افتتحت كل من الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية وهيئة تحرير الشام وتنظيم الدولة الإسلامية مدارسهم الخاصة بهم أيضاً.

وهكذا ترنّح الأطفال في سوريا مع تغيّر خطوط المجابهة في الحرب. فالشهادات المكتسبة في مناطق معينة غير معترف بها من السلطات في المناطق الأخرى من البلاد. الأمر الذي يجعل من الصعب على التلاميذ الالتحاق بالجامعات والتي يتواجد معظمها في مناطق سيطرة النظام. والكثير من الطلاب يتسرب من المدارس. ففي بعض الأجزاء من البلاد، يغادر 50% من الطلاب المدارس في سن الثالثة عشر و80% منهم في سن السادسة عشر. وفي بعض الأحيان يسحب الآباء أبنائهم من المدارس بغرض تزويجهم أو لكي يعملوا في الشوارع. يقول هارون أوندر من منظمة البنك الدولي: «سوف يعملون بنفس الأجور بقية حياتهم وسوف يربّون أطفالهم على فعل نفس الشيء».

كما حجب المانحون الغربيون مساعداتهم على المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمردين تجنّباً لوصول المساعدات إلى الجماعات الإرهابية، مثل هيئة تحرير الشام التي تسيطر على محافظة إدلب. وقد أوقف الاتحاد الأوربي، الذي كان قد استثمرّ 2 بليون يورو على التعليم في سوريا منذ العام 2012، كل أشكال الدعم في العام 2017 باستثناء المساعدات الإغاثية في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام. كما تم تأجيل مخطط تدريب معلمين من سوريا في الجامعة الأمريكية في بيروت بعد أن تراجع الاتحاد الأوروبي. يقول أحد المسؤولين في الاتحاد الأوربي: «نحن لا نريد القيام بأي شيء من شأنه إضفاء الشرعية على النظام أو الإرهابيين».

لكن للسيد «نجيم» الذي يخشى سلسلة إغلاق المدارس في سوريا، رأي آخر، فهو يرى في حجب المساعدات دعما للإرهابيين. فالسوريين بذلك يندفعون نحو أسلحة الميليشيات. من جهتها أعربت «ماسة المفتي»، خبيرة تعليم من دمشق والتي قدمت النصح للأمم المتحدة، عن قلقها من أنه سيكون هناك المزيد من إراقة الدماء فيما إذا استمر الوضع التعليمي بالتدهور. فتقول بهذا الخصوص: «نحن نحدث حلقة جديدة من التطرف والعنف».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.