(الحل) – شكل ملف إعادة الإعمار في سوريا، معضلة لدى النظام وداعميه مع توسيع الدول الأوروبية والولايات المتحدة من نطاق عقوباتهم على شركات وشخصيات مرتبطة بالنظام؛ أو على صلة به، فبرزت في الآونة الأخيرة تقارير إعلامية تتحدث عن الدور الذي يمكن أن تلعبه لبنان، وبالأخص مدينة طرابلس ومينائها البحري في الالتفات على هذه العقوبات، خصوصاً مع ضخامة الأرقام المتعلقة بالاسثتمارات في ملف إعادة الأعمار، والتي قدرتها الأمم المتحدة العام الماضي بما يقارب 400 مليار دولار.

وبدأ الحديث عن ميناء طرابلس في عام 2017، حيث نشرت صحيفة «جورنال دو ديمونش» الفرنسية تقريراً، سلطت فيه الضوء على الاستعدادات اللبنانية لإعادة إعمار سوريا، ودور المستثمرين ورجال الأعمال اللبنانيين المقربين من النظام فيه، وأشارت الصحيفة إلى أن «طرابلس اللبنانية قد وعدت بتوسيع مينائها وإنشاء منطقة اقتصادية خاصة، وبعد انتهاء هذا المشروع، الذي انطلقت أشغاله سنة 2016، تضاعفت طاقة استيعاب هذا الميناء ثلاث مرات، وتم تزويده بمعدات جديدة».

 

لماذا ميناء طرابلس؟

وفقًا لتقرير صحيفة «فاينشال تايمز» الذي نُشر بداية الشهر الجاري، فإن ميناء طرابلس الذي يبعد نحو 30-35 كم عن الحدود السورية، يمكنه أن يلعب دوراً لوجستياً في عملية إعادة الإعمار، وهو محاولة من النظام السوري للالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة عليه، وطالت العديد من رجال الاقتصاد المقربين من الأسد نفسه، بينهم رجل الأعمال رامي مخلوف ابن خال الأسد، وسامر فوز الذي بدأ اسمه يظهر إلى الساحة بشكل كبير خلال الفترة الماضية.

وأضافت الصحيفة أن «عملية إعادة الإعمار في سوريا قد تتطلب عشرات السنوات، في حين تُصر دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على ربط عملية إعادة الإعمار بالوصول لحل سياسي، إلا أن النظام السوري يحاول إيجاد خيارات بديلة، والذي يبدو أن ميناء طرابلس هو الخيار الأنسب، من خلال شركات صينية ولبنانية للبدء بمثل هذه العملية».

من جهته، قال «محمد مهتدي» الذي كان يعمل في ميناء طرطوس البحري لموقع «الحل» إن «النظام لجأ إلى مرافئ لبنان البحرية بسبب ضعف البنية التحتية لمينائي طرطوس واللاذقية، ولا يستطيع استقبال الحمولات القادمة من البحر المخصصة لإعادة الإعمار لسببين، الأول سياسي ويتعلق بالعقوبات المفروضة على دخول مستلزمات إعادة الإعمار من الدول، والسبب الثاني يتعلق بالأمور الفنية، فالقدرة الاستيعابية القصوى لكلا المرفأين لا يتجاوز 18 مليون طن سنوياً، ناهيك عن وجود القواعد العسكرية الروسية بالقرب منها».

 

الصين أول القادمين

وتحت عنوان «ميناء لبناني يتطلع للصين ويسوق نفسه مركزا لسوريا»، تشير صحيفة «فايننشال تايمز» إلى أنه «في مطلع عام 2019 وصلت سفينة شحن صينية إلى ميناء طرابلس كأول سفينة تعبر المسار الجديد، وتعود ملكيتها لشركة (كوسكو) التابعة للحكومة الصينية، وسط ترحيب لبناني الذي تنقصه الأموال ويرغب في الحصول على حصة استثمارات إعادة الإعمار في سوريا، فالصين لديها تجارب في المناطق التي مزقتها الحروب في الشرق الأوسط كالعراق مثلاً، وهذا مايزعج الولايات المتحدة التي ترى في الصين قوة اقتصادية تهددها بشكل مستمر».

في السياق، أكد الصحفي الاقتصادي «محمد عوض» لموقع «الحل» أن «للمستثمرين اللبنانيين مصلحة في تفعيل ميناء طرابلس كميناء رديف؛ أو بديل للموانئ السورية، إذ حصل المستثمرون في لبنان على الحصة الأكبر من الشركات التي استثمرت في سوريا في 2018، والذين يستخدمون الموانئ اللبنانية لشحن البضائح بحراً ومن ثم إدخالها براً إلى سوريا».

وأضاف عوض أن «شركة العبيدي للمقاولات هي شركة أسست من قبل مستثمرين إيرانيين بواجهة لبنانية، إضافة إلى شركة فتوش التي يملكها عضو في البرلمان اللبناني ومقرب من حزب الله والنظام قد حصلت على عقود استثمارية عدة في سوريا في مجال المقاولات والطاقة وجميعها تستخدم مرفاً طرابلس في استقدام المواد الأولية وشحنها لسوريا»، لافتاً إلى أن «معظم هذه الشركات لديها خبرة في التعاملات المالية وتعرف تماماً كيفية تجنب العقوبات الدولية المفروضة على الاستثمار في سوريا».

 

التهرّب من قبضة العقوبات

وأوضح المصدر أن «الحديث عن ميناء طرابلس ازداد مع تمدد النفوذ الإيراني في كل من لبنان وسوريا، وارتباطه بمستثمرين لبنانيين مقربين من حزب الله صاحب النفوذ الأكبر في لبنان وقدرته على التحكم بميناء طرابلس كمسار جديد لسفن الشحن الهاربة من قبضة العقوبات، في حين لا تمانع باقي القوى السياسية في لبنان بشكل علني هذه الخطوة، كونها تريد التخلص من عبء اللاجئين السوريين على أراضيها، والحصول على عوائد مادية جديدة».

ووفقاً لموقع «الاقتصادي» المقرب من النظام، وافقت حكومة النظام العام الماضي على ترخيص شركة باسم «الشادن» للتعهدات والمقاولات، ويحق من خلال الترخيص للشركة استيراد وتصدير وتجارة مواد البناء بأنواعها، تعود الملكية لمستثمرين سوريين ولبنانيين من بينهم: اللبناني محمد علي خنسا بنسبة 50% واللبناني علي حسين نجم بنسبة 10% من رأسمال الشركة.

كما صادقت في نفس الفترة على تأسيس شركة «غاريوس» للتعهدات البرية والبحرية وتعود النسبة الأكبر من ملكيتها لمستمثر لبناني يعمل في مجالات التعهدات، ليقوم عمل الشركة على تجارة مواد البناء والآليات وفرز الأنقاض.

يتميز المرفأ بقربه من الحدود السورية، وهذا القرب لا يفيد فقط سوريا، وإنما العالم الآخر أيضاً، إذ لا تحتاج الناقلات منه إلا عبور طرق سهلية قبل الإطلال على العالم سواءً الخليج العربي، أو الشرق، والغرب، في حين نجد أن الجبال تعزل بعض المواقع الأخرى، وتجعل حركة النقل عبرها صعبة، خصوصاً أن جبال لبنان الغربية هي الأكثر ارتفاعاً شرقي المتوسط. ولذلك، من السهل على الناقلات الكبيرة أن تعبر من مرفأ طرابلس إلى مدينة حمص وسط سوريا، ومنها إلى مختلف الدول. ومع انطلاق إعادة إعمار سوريا، سيكون المرفأ نقطة استقطاب للشركات، والمستثمرين العالميين الذين يتوقون للعمل في إعادة بناء سوريا.

 

إعداد حسام صالح – تحرير: معتصم الطويل

 

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.