لبنان (الحل) – بعد انتهاء #حرب_تموز 2006 والتي دامت لمدة 33 يوماً بين إسرائيل وحزب الله، كان لبنان قد خسر أكثر من 1200 مدني، وعدد غير معروف من مقاتلي حزب الله قدروا بالمئات، وما بين 5000 و6000 جريح، ولكن على صعيد البنيان والبنى التحتية فقد كانت النتائج أشد قساوة إذ دمرت أعداد كبيرة من الجسور والطرق العامة، ومنشآت إنتاج الكهرباء ومحطات نقلها وتحويلها على كامل الخريطة اللبنانية، والأهم من ذلك كان الدمار شديد الانتشار في أحياء ضاحية بيروت الجنوبية معقل بيئة #حزب_الله الحاضنة في #بيروت الكبرى.

شكّل ضرب الضاحية الجنوبية ضربة قاسية لحزب الله، إذ حرم الكثير من مقاتلي الحزب الطمأنينة على أهلهم، وأثر سلباً على حركة الدعم اللوجستي للمعارك من جهة الحزب، وجدد للبيئية الشيعية المؤيدة للحزب أو الحليفة له رسالة أن دعم الحزب يعني تحمل مسؤولية هذا الدعم ودفع أكلافه موتاً ودماراً.

على هذا الأساس لم يتهاون نصرالله في التعامل مع هذا القصف رغم معرفته بضآلة إمكانياته أمام آلة الحرب الإسرائيلية، فهدد بضرب حيفا وما بعد بعدها، ولكن الصواريخ القليلة بعيدة المدى المتوفرة حينها بيد الحزب قصفت في أرضها خلال عمليات تجهيزها بعد رضدها من طائرات الإستطلاع الإسرائيلية الموجهة.

بعد مسح الأضرار عقب انتهاء الحرب تبين أنه جراء الغارات والقصف الصاروخي الكثيف تضرر 1232 مبنى، أي 30000 وحدة سكنية وتجارية، ومن بينها 951 مبنى متضرراً أي بحاجة لترميم، و281 مبنى مهدم بحاجة لإعادة بناء من الصفر.

حال انتهاء الحرب اتخذ قرار إيراني بالتنسيق مع حزب الله بإعادة إعمار الضاحية “لتعود أحسن مما كانت” بحسب وصف أحد سكانها خلال تلك الفترة، فبرزت هنا جمعية مؤسسة #جهاد_البناء التي سبق وأن أسست من قبل حزب الله سنة 1988 تحت عنوان تطوير المجتمع والتنميته من خلال البرامج والمشاريع المتنوعة، من أجل ترمم أضرار الضربات الإسرائيلية و”رفع الحرمان”، بما في ذلك التدريب المهني وتقديم الدعم الفني للمزارعين وللحياة الريفية. والمؤسسة مصنفة أميركياً كمنظمة إرهابية.

صعود جهاد البناء أتى على خلفية إعادة تعويض السكان المنتمين إلى بيئة حزب الله عن الأضرار التي لحقت بهم بسبب الحرب، وإعادتهم إلى مكان سكنهم الأول، وتطوير بعض البنى التحتية العسكرية واللوجستية بعيداً عن الأعين الفضولية، لتشكل جهاد البناء القناة الأساسية لصرف المال الإيراني المخصص للتعويضات والذي سماه حسن نصرالله حينها في معرض انتقاده لمصادر تمويل الحكومة في دفع التعويضات بالمال النظيف.

على هذا الأساس أطلقت جمعية جهاد البناء “مشروع وعد”، ليقول نصرالله في هذا السياق أن ما تدمر سيعود أجمل مما كان، بما في ذلك “المباني السكنية والمدارس والقاعات الإسلامية ومحطات التلفزيون”، خصوصاً في المناطق التي شهدت ضربات إسرائيلية أكثف وأكبر مثل الضاحية الجنوبية ومدينة صور وضواحيها. وانطلق عمل مشروع وعد مستفيداً بالدرجة الأولى من المال الإيراني وعلى أساس توكيل المتضررين جهاد البناء الاهتمام بأمر تحصيل مستحقاتهم من التعويضات وإعادة إعمار وترميم منالزهم ومتاجرهم ومصالحهم المتضررة. وصرح مدير جهاد البناء لـ BBC وقتها أن إيران تمول بالفعل جهود إعادة الاعمار التي أخذها حزب الله على عاتقه.

في شأن التمويل صرح حسن نصرالله لاحقاً بالقول أن “الإمام السيد علي الخامنئي إستجاب لإعادة الإعمار وكانت هناك إستجابة من الرئيس أحمدي نجاد وفي تلك الأيام التي كانت تصل منها بعض الاسلحة وصلت أيضاً ووصلت الاموال… لم ننتظر الدولة لأن الدولة بغض النظر عن إمكاناتها هي بطيئة وستحتاج الى الوقت”.

في الوقت عينه دار صراع يمثل استمراراً للصراع السياسي اللبناني بين حزب الله ومكونات 14 آذار التي كانت أكثر تحكماً بالسلطة الحكومية في حينه، خصوصاً مع توارد شكوك واتهامات علنية من الحزب لحكومة السنيورة بشأن تورطها أو رضاها عن استمرار الحرب رغبة في تحجيم حزب الله والحد من قدراته العسكرية وخروجه مهزوماً في المعركة وبالتالي إضعافه سياسياً، ولو كان ذلك على يد إسرائيل، فالحرب أتت بعد عام ويضعة أشهر على اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري والذي وجهت أصابع الإتهام فيه إلى حزب الله والنظام السوري وما سمي في حينه النظام الأمني السوري اللبناني المشترك.

من ناحية أخرى، ومن مبدأ منطق الدولة، كان من المفهوم سعي رئيس الحكومة فؤاد السنيورة رفيق درب الحريري الأب إلى حصر مساعدات وتعويضات إعادة الإعمار بيد الدولة اللبنانية لا بيد حزب الله الذي يبقى حزباً وميليشا عسكرية خارجة عن سلطة الدولة، دون نفي السعي السياسي بالمعنى الداخلي لتقويض قدرة حزب الله على إعادة تعويض أفراد بيئته ومناصريه ومكافأتهم وشد التفافهم من حوله.

خمس دول تصدرت مانحي عملية إعادة الإعمار، منها قطر والإمارات وإيران التي فضلت الإشراف المباشر على مشاريعها، إما لتجنب البيروقراطية والفساد اللبنانيين كقطر والإمارات، أو لأهداف طائفية وسياسية كإيران. أما السعودية والكويت فقد دفعت الأموال المتعهد بها عبر الهيئة العليا للإغاثة في لبنان.

قالت وسائل إعلام الحزب أن عمليات إعادة الإعمار التي تولاها جهاد البناء عبر مشروع وعد قد حسنت من شروط وظروف المباني الجديدة التي يدعي أنها مقاومة للزلازل، وراعت في تصميمها رغبات السكان، ووجود مواقف أكثر للسيارات، واحترمت المساحات الخضراء، وتأمين الملاجئ والمياه والكهرباء الاحتياطية.

في نهاية الأمر استفاد جمهور الحزب من المنح الخليجية في ترميم مئات المدارس والمباني ودور العبادة والطرق والجسور وغيرها، ليعود الحزب بعد أشهر قليلة إلى شتم هذه الدول وتحريض جمهوره عليها، كما استفاد من الدعم الإيراني الكبير ليعيد مناطق وقرى وأحياء بيئته الحاضنة إلى أحسن مما كانت عليه قبل الحرب، مكتسبة تنظيماً كان يستحيل إدخاله دون ما حصل، فاكتسبت الضاحية شكلاً مدنياً جديداً منظماً لم يكن يشه الطابع العشوائي السائد قبلاً.

بالإضافة إلى ذلك، سمح كم التمويل المهول، والتنفيذ قياسي السرعة بالمقاييس المحلية وحتى الإقليمية، بتعزيز وتوثيق شبكات الفساد والتنفيعات الخاصة بالحزب وبيئته أولاً، والحزب وحلفائه ثانياً، ما قدم الحزب ومؤسساته الخدمية، جهاد البناء هنا مثالاً، بديلاً عن الدولة، أقوى، وأسرع، وأكثر جدوى، بـ “مالِ إيرانيٍ نظيف”!

إعداد: رجا أمين – تحرير: سارة اسماعيل

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.