عن معركة السلطان يعقوب وبوتين والممانعة المزعومة

عن معركة السلطان يعقوب وبوتين والممانعة المزعومة

لبنان (الحل) – في العام 1982 كانت الحرب الأهلية اللبنانية قد اجتازت نصف مسيرتها غير معلومة النهاية آنذاك، وكان لجيش النظام السوري حينها صولات وجولات في الصراع اللبناني، والنفوذ الفلسطيني الذي يفرض نفسه بقوة السلاح كان لا يزال على حاله في لبنان حينها، مستنداً إلى تحالفه مع “القوى الوطنية”.

كان الإسرائيليون يخططون لعمل عسكري في #لبنان يهدف إلى إبعاد الفلسطينيين عن الحدود معهم للحد من العمليات الموجهة ضدهم، ورغم كل الاشتباكات المتبادلة، وعمليات القصف التي كان الإسرائيليون ينفذونها إلا أنهم كانو ينتظرون الفرصة السانحة والسبب المباشر لإطلاق عمليتهم التي خططوا لها لمدة طويلة بقيادة أرييل شارون.

في فترة نهاية نيسان وبداية أيار 1982 تبادل الإسرائيليون والفلسطينيون عمليات القصف، ثم جرت محاولة لاغتيال السفير الإسرائيلي في بريطانيا في الثالث من حزيران، فقصفت إسرائيل بيروت وباشرت في اليوم التالي اجتياحها الثاني للبنان الذي أطلقت عليه اسم “سلامة الجليل”.

بحسب باتريك سيل والذي يعتبر مرجعاً مطلعاً على خلفيات قرارات النظام السوري، ومقرباً منه وبالتالي منحازاً إليه، فقد أوحى حينها الإسرائيليون للنظام بأنهم لن يستهدفوا قواته في لبنان، فهدفهم هو منظمة التحرير الفلسطينية ليس إلا، في الوقت الذي كان في النظام يراقب تقدم القوات الإسرائيلية بقيادة شارون الذي أخفى حتى عن حكومة بلاده رغبته المضمرة بالوصول إلى بيروت. التقدم المضطرد لشارون غذى مخاوف النظام من قطع الإسرائيليين لطريق بيروت – دمشق وبالتالي عزل قواته المرابطة في بيروت وجوارها.

بعد أقل من أسبوع من بداية عملية سلام الجليل اشتبك جيش النظام السوري مع القوات الإسرائيلية المتقدمة والتي دمرت كل بطاريات صواريخ سام السورية، واشتبكت جوياً مع سلاح الجو السوري لتوقع فيه خسارة فاقت العشرين طائرة من طائرات الميغ المقاتلة.

في سياق تقدم القوات الإسرائيلية من الجهة الساحلية لحصار بيروت، وبقاعاً لقطع طريق ضهر البيدر وعزل الفلسطينيين وجيش النظام السوري، احتل الإسرائيليون مرجعيون وحاصبيا لتتقدم قواته نحو عمق سهل البقاع باتجاه جب جنين، حيث بدأ لواءان من الفرقة العاشرة السورية بالتقهقر أمام الاندفاع الإسرائيلي متجنبين خيار الاشتباك.

هنا يبدو أن خطأً إسرائيلياً ما قد حدث، ربما يمكن رده إلى الغرور الإسرائيلي بعد احتلال أكثر من ثلث لبنان خلال أيام دون مقاومة استطاعت تأخير التقدم، الخطأ تمثل في تقدم سريع غير محسوب من قبل الفرقة 90 الإسرائيلية هدفها كسب المزيد من السيطرة على الأرض قبل بدء تنفيذ وقف إطلاق للنار، يتيح حال بدء تطبيقه تسهيل تمركز القوات المدرعة الإسرائيلية وتحسين سيطرتها على الأراضي التي كسبتها، ولكن ما حصل هو محاصرة كتيبتين إسرائيليتين مدرعتين من هذه الفرقة على يد قوات من جيش النظام السوري بقيادة العميد علي حبيب قائد اللواء 58، مدعوماً بمقاتلين فلسطينيين.

وجد الإسرائيليون أنفسهم في موقع لا يحسدون عليه في منطقة السلطان يعقوب وبيادر العدس، على بعد 10 كلم عن الحدود السورية اللبنانية، وأكثر منها بقليل عن طريق بيروت دمشق الحيوي، محصورين في منطقة ضيقة عجت بدباباتهم، الأمر الذي استغله جيش النظام السوري، ليخوض معركة ربما لم يخطط لها أصلاً، ويدمر هدفاً سهلاً بواسطة القذائف الصاروخية والطائرات المروحية المضادة للدروع، بالإضافة إلى روايات حول حدوث التحام مباشر بين القوات السورية والإسرائيلية.

تم تداول أكثر من حصيلة لهذه المعركة التي أجمعت الآراء على تحقق النصر السوري فيها بسبب خطوة إسرائيلية غير محسوبة جيداً، وتبدو أدق حصيلة ممكنة هي تلك التي تفيد بمقتل ما بين 18 و30 جندي إسرئيلي، وتدمير ما بين 8 و12 دبابة إسرائيلية وعدد آخر من المدرعات، واغتنام 4 دبابات على الأقل، أرسلت واحدة منها على وجه السرعة إلى موسكو.

إلى جانب هذه الحصيلة، فقد 3 جنود إسرائيليين هم: زاخريا بوميل، ويهودا كاتز، وزفي فيلدمان. كانوا قد أسروا خلال المعركة، وجرى التجول بهم في دمشق مع دبابتهم التي تم اغتنامها، ليؤكد مراسل صحفي غربي رؤيته لهم على قيد الحياة.

تتوفر رواية محلية أخرى عند دفن الأهالي لجثث 3 جنود إسرائيليين آخرين في جبل عيتا الفخار، ليبقى مكان الدفن الدقيق سراً حاول الإسرائيليون كشفه مراراً عن طريق عملاء محليين.

كعادة إسرائيل لأسباب دينية عقائدية، وسياسية داخلية، بقي الأمر محط متابعة مستمرة من سياسييها وأجهزتها الاستخباراتية كما هو حال متابعة قضية الجاسوس الشهير كوهين التي ما تزال إسرائيل تطالب بجثته، وأثمرت الجهود والعلاقات الإسرائيلية في إعادة جثة الإسرائيلي أميركي المولد زاخريا بوميل قبل أيام في حدث حاز الكثير من الضجة والتغطية الإعلامية.

نسجت أساطير ومرويات كثيرة حول معركة السلطان يعقوب/بيادر العدس التي لا جدل في أنها هزيمة إسرائيلية ونصر لجيش النظام السوري ومن سانده من مقاتلين فلسطينيين، ورغم أنه لا يمكن الجزم إن كانت معركة مخطط لها سورياً أم أنها معركة الصدفة، ورمية من غير رام. ولكن، مهما يكن من أمر المعركة التي صارت رواية مرجعية يكررها كل من يريد الحديث عن “الجيش الباسل” ودور النظام السوري في “مقاومة إسرائيل”، تبقى الحقيقة أن المعركة لم تمنع الإسرائيليين في النهاية من دحر قوات النظام، وحصار بيروت والسيطرة على طريق بيروت دمشق، ومن ثم طرد منظمة التحرير ومقاتليها من لبنان.

أكثر من ذلك، حتى الغنيمة الثمينة التي أرسلت إلى #موسكو قبل 37 عاماً، الدبابة الإسرائيلية السليمة، عاد حليف النظام وحاميه فلاديمير بوتين ليهديها إلى إسرائيل قبل 3 أعوام من الآن، ثم اشترك مع الإسرائيليين في عملية وصفها بالـ “إنسانية”، تعرض خلالها جنود روس للخطر بسبب الاشتباك مع ما سمي بمقاتلي تنظيم متطرف، من أجل الحصول على رفات واحد من المفقودين والتي تبين أنها مدفونة في مخيم اليرموك، مع التأكيد الروسي على أن البحث عن جثتي المفقودين الآخرين ما يزال جارياً، الأمر الذي ما كان ليتم ويستمر دون معرفة وموافقة النظام السوري الممانع!

رجا أمين – تحرير: سارة اسماعيل

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة