النساء السوريات في بلاد اللجوء… ضحايا من جديد (1)

(الحل) – «في سوريا كنت أخاف الموت… هنا أصبحت أتمناه! أنا نهلة 33 سنة» هذه كانت الكلمات التي بدأت بها «نهلة» حديثها واصفة وضعها ووضع المئات من اللاجئات السوريات في الأردن.

«نهلة» لاجئة سورية في مخيم الزعتري، دفعتها الحرب في سوريا إلى الهرب مع ابنيها من درعا إلى الأردن. تقول إن الأوضاع في المخيم أسوأ مما كانت تتخيل، دفعها حب الحياة وخوفها على طفليها إلى الهرب من بيتها إلى بلد لا تعرف فيه أحداً، ولكنها باتت اليوم تخاف عليهما أكثر بسبب سوء المعاملة والاستغلال الذي تتعرض له كل يوم.

وفقًا لتقرير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يبلغ عدد اللاجئين السوريين في الأردن اليوم، 657628 لاجئاً، حوالي 154000 منهم من النساء والفتيات، إذ يحتل المرتبة الثانية من حيث عدد اللاجئين مقارنة بعدد سكانه في العالم، 89 لاجئ لكل 1000 نسمة. يعيش أكثر من 80%، منهم تحت خط الفقر. تعاني النساء في الأردن من مشاكل عدّة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها واقعية وتحدث كل يوم، كالزواج المبكر، التحرش الجنسي، العنف المنزلي، وعدم توفر الرعاية الصحية.

لأنني سورية يظنون أنني رخيصة

«كنت أنتظر قدوم المساعدات الإنسانية كي أطعم ابني الصغير، لم أكن أعلم أن ثمن الطعام سيكون غالياً ومؤلماً هكذا، يبدو أن المساعدات المجانية هي الأغلى ثمناً –  زين 23 سنة».

فشل مخيم الزعتري في الأردن، والذي يقدر عدد سكانه بحوالي 120000 نسمة في تحقيق المعايير الإنسانية الدولية المطلوبة لأيّ ملجأ إنساني، إذ تواجه النساء والفتيات هناك الاستغلال الجنسي والمضايقات بشكل مستمر.

ذكرت لجنة الإنقاذ الدولية “IRC” أن اللاجئات السوريات يتعرضنّ للتحرش الجنسي من مقدمي المساعدات الإنسانية وبعض المسؤولين في المخيم. وفي تقييم أجراه معهد الملكة «زين الشرف التنموي» على وضع اللاجئات السوريات في الأردن عام 2013، أثار المشاركون قضية التحرش الجنسي بالفتيات في المدارس كسبب لمنعهنّ من الذهاب إلى المدارس، كما تحدثت النساء السوريات عن تعرضهنّ للتمييز، إذ تقول إحدى المشاركات على سبيل المثال: «يميزوننا من لهجتنا، فنصبح عرضة للتحرش والتمييز، لماذا تستطيع المرأة الأردنية الخروج من بيتها وحدها، في حين أننا كسوريات تتم معاملتنا هكذا… هؤلاء الرجال يعتقدون أن المرأة السورية رخيصة».

الوأد المبكر

كل قصة- من القصص المروية- تجربة متكاملة عن قسوة الحياة التي عشنها بكل تفاصيلها، والتي لم تكن حياة بالمعنى الصحيح «عدت في أحد الأيام إلى المنزل لأجد والدي يتجادل مع والدتي، ويقول لها إن الوقت قد حان لكي أتزوج. لقد أراد دائماً أن يزوجني من ابن عمي، ليتأكد أن هناك من يحميني، وفي الوقت ذاته يقوم بتقليل العبء المادي على العائلة. أخبرت والدي أنني لا أريد أن أتزوج، وأنني لا أحب هذا الرجل. حتى والدتي وقفت إلى  جانبي، وقالت أنني صغيرة للغاية. كل محاولاتنا باءت بالفشل، وبعد أقل من أسبوع جاء أبي برفقة ابن عمي وشيخ كبير بالسن. هكذا بدأت مراسم حكاية زواجنا دون أيّة تحضيرات، ورغم أنها كانت صدمة كبيرة لي، لكنني لم أتمكن من فعل أي شيء. كانت لديّ أحلام كبيرة، نعم أردت أن أكون مصممة أزياء، لكنني الآن محاصرة في هذا الزواج الذي يشعرني أنني في سجن. لا يُسمح لي بالذهاب إلى المدرسة، أعيش حياة مكتئبة بشكل متواصل. أحاول أن أتجاهل ما يحدث بداخلي، لكن كل هذه المشاعر تتراكم وتزداد، وأخشى أنني سأنفجر يوماً – سمر 15 سنة».

استغلالٌ جنسي وعاطفي

إن خوف الأهل على فتياتهنّ من الاغتصاب كان سبباً رئيساً لتزويجهنّ قبل بلوغهنّ السن القانونية للزواج، وأكثر ما كان- وما يزال- يخيف أن عدد هذه الزيجات في ازدياد مستمر، فبعد أن كانت نسبة الزواج المبكر في الأردن عام 2014، %15 من الزيجات السورية ارتفعت عام 2018 إلى %36. تعد هذه الظاهرة خطراً كبيراً على الفتيات لأنها تضعهنّ أمام مسؤولية مبكرة، وتحرمهنّ من التمتع بحقهن في الطفولة، كما أنها تجعلهنّ عرضة للاستغلال البدني والجنسي والعاطفي تحت مسمى الزواج، بالإضافة إلى أن معظم هذه الفتيات تعانين من مضاعفات صحية عند الحمل والولادة.

ما تزال «سلمى» في عامها الخامس عشر، وهي اليوم أم لطفل رضيع. عند سؤالها عن إحساسها كأم وهي ما تزال صغيرة لحمل هذا الاسم، قالت، إنها تشتاق معظم الوقت للمدرسة، فبعد زواجها لم تعد ترى أصدقاءها ولم يعد مسموحاً لها أن تلعب معهم لأنها أصبحت «كبيرة» في نظرهم. أما عن زوجها، تؤكد «سلمى» أنها تحب زوجها معظم الأيام، ولكنها تخاف منه أحياناً عندما يعود إلى البيت غاضباً من العمل لأنه يضربها، ولكنه سرعان ما يشتري لها أشياء تحبها فتسامحه.

تكمل «سلمى» سرد قصتها «هكذا كانت حياتي حتى أنجبت ابني (خلدون)، اليوم زوجي لم يعد يعنفني كثيراً، ولكن والدته تجعلني أعمل في المنزل لساعات طويلة، وهي المتحكمة في البيت، وفي أغلب الأوقات أشعر بالتعب الشديد بسبب الإرضاع وتأدية واجبات المنزل، لكنني لا أستطيع أن أرفض؛ أو حتى أناقش في أيّ حق من حقوقي». يعود هذا الضعف إلى الفارق الكبير بين عمر الأزواج عندما يكون الزواج مبكراً هكذا، حيث يصبح الزوج وعائلته في موقع أفضلية بالنسبة إلى الطفلة التي لا تمتلك أيّة خبرة بالحياة.

غيض من فيض

تبدأ معاناة اللاجئات السوريات قبل مغادرتهنّ لسوريا، لكنها لا تنتهي في بلد اللجوء. تغادرن بحثاً عن مكان أكثر أماناً، تبدأن رحلتهن بالأمل في الحياة الجديدة، ولكن كل ما تواجهنه في الواقع هو الخوف والاستغلال والتمييز. ما ذكرته سابقاً هو مجرد عرض بسيط للألم والمعاناة التي تتعرض لها هذه الفئة من النساء والفتيات، فبدل أن تكون الإنسانية إلى جانبهنّ، تجدنّ الجميع ينظر إليهن بعين الفريسة بمن فيه إخوتهن العرب، الذين أصبحوا أول من يسرقون الأمل والحياة المتبقية في أجسادهنّ وأرواحهنّ.

 

إعداد: غالية مردم بك – تحرير: سامي صلاح

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.