(الحل) – «أشهد أن علياً ولي الله… حي على خير العمل» هكذا يصدح الأذان «الشيعي» من مآذن مدينة ديرالزور وريفها ذات الغالبية «السنية» والنتيجة حوالي العشرين مؤذنا معتقلا لرفضهم رفع الأذان بنسخته الجديدة «الشيعية»، اعتقال رافقه تصعيد أمنيّ بتخويف من تبقى بمجرد التفكير بالرفض؛ أو حتى النقاش فيه، وتشجيع من وافق دون أيّ اعتراض وإغرائه بالعطايا والميزات والمكتسبات.

مشهد تكرر مؤخراً في محافظة دير الزور شرقي #سوريا، الغنية بثرواتها، والتي تعتبرها #إيران جزء من هلالها «الشيعي» المار من #بغداد و#دمشق وصولاً إلى #بيروت، كما تعد صلة الوصل بين مدن العراق وسوريا «السنية» والسيطرة عليها تعني قطع هذه الصلة، وإضعاف التواصل «السني-السني»، وإبعاد أيّ خطر مستقبلي قد يواجه الخط؛ أو الممر الذي فتحته إيران من طهران مروراً بالعراق وسوريا وصولاً إلى حلفائها في#لبنان.

 

التشيع في دير الزور… بداية القصة

في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وبتوصية إيرانية، تم نقل ابن قرية #حطلة غربي ديرالزور المساعد «عمر الحمادي» إلى دير الزور بعد أن كانت خدمته في محافظة #درعا، زود «الحمادي» آنذاك بالمال والامتيازات لتسهيل مهمته في تشكيل نواة التشيع في ديرالزور .

استطاع حمادي في بادئ الأمر تجنيد ابن عمه وصهره ذي المكانة الاجتماعية «ياسين المعيوف» لينفذا معاً ما تطلبه طهران، ثم ما لبث أن التحق بهما المدعو «حسين الرجا» الذي يعد أبرز المشيعين في المنطقة، وخصوصاً بعد استلامه رئاسة فرع جمعية «الإمام المرتضى» في دير الزور، والتي أنشأها «جميل الأسد» (شقيق الرئيس السوري السابق آنذاك#حافظ_الأسد)، وبدعم من إيران، إذ عملت وقتها تحت غطاء مدني لنشر المذهب «الشيعي».

ولكن رغم كل هذا  المساعي لم تنجح مهمة هؤلاء في تشييع المنطقة؛ بل اقتصرت دائرة تأثيرهم على بعض الأشخاص في قرى محدودة مثل (حطلة، مراط، الحصان، والحسينية) دفعهم  الجهل والطمع بمبلغ مادي قيمته 7 آلاف ليرة سورية (مايعادل 150 دولار آنذاك) يحصل عليه المتشيع مقابل اعتناقهم للمذهب «الشيعي».

 

التشيع بعد الثورة السورية

بُعيد الثورة السورية 2011، عادت طهران لحماية مشروعها في عموم سورية، وفي ديرالزور خصوصاً، وأصبحت الميليشيات «الشيعية» بقيادة #الحرس_الثوري_الإيراني، تسيطر على مفاصل القرار الفعلي في مدينة دير الزور، ففي مطلع 2017، ومع استعادة النظام لقرى ديرالزور في الجانب الغربي لنهر الفرات «الشامية» بغطاء طيران روسي ودعم من مليشيات «شيعية» تنطوي تحت راية الحرس الثوري، استطاعت إيران السيطرة على القرار بشكل كامل في بعض المناطق والمدن الرئيسة كمدينة #البوكمال أقصى شرق ديرالزور.

كما قامت بافتتاح  نقاط طبية لها في مدينة #الميادين لخدمة مليشياتها وخدمة المدنيين أيضاً لكسب ولائهم، وبرزت حينها منظمة #الجهاد_والبناء التي بدأت بتوزيع الخبز وتقديم المساعدات على الأهالي المتواجدين في المنطقة، ولكن هذه سرعان ما بدأت بالسيطرة على عشرات منازل المهجرين في البوكمال والميادين في منتصف العام الفائت، وتحويلها لمقرات عسكرية لها أو سكن لعوائل العناصر الإيرانيين وذويهم، إ تحولت فيما بعد لمكتب لشراء المنازل والعقارات والأراضي لمصلحة إيران، وكل ذلك يروج له تحت عنوان «إعادة إعمار المنطقة».

 

ترهيب وتشبيح

رغم الأوضاع الاقتصادية السيئة رفض العديد من شباب ورجالات دير الزور الانضمام للميليشيات الطائفية، جوبه هذا الرفض باستخدام أساليب الترهيب، إذ أفادت مصادر محلية من داخل مدينة ديرالزور، لموقع «الحل»عن تعرّض شبان من حي الجورة والقصور (الأحياء المأهولة) لحوادث ضرب عدّة، وإهانات لفظية طائفية على يد عناصر «شيعية» بداخل الأحياء.

وتكررت هذه الحوادث بشكل مستمر، وعلى مرأى ومسمع أجهزة أمن النظام، والتي تكتفي بالنظر والسكوت دون تحريك ساكن، وفق المصادر ذاتها.

مكاتب التنسيب

عملت إيران على تسهيل عملية التشييع والتنسيب في المنطقة من خلال افتتاح أكثر من 25 مكتباً امتدت من مركز مدينة دير الزور وصولاً إلى مدينة البوكمال، وفق مصادر محلية لموقع «الحل» في ريف ديرالزور الشرقي، حيث تعمل هذه المكاتب على تنسيب الشباب في إحدى المليشيات الإيرانية، إلى جانب مكاتب أخرى مهمتها تسجيل المتشيعين الجدد وحفظ بياناتهم، وتزويدهم ببطاقات أمنية تسهل حركتهم مع تقديم المساعدات المادية لهم بشكل دوري (يحصل المنتسب على حوالي 200 دولار شهرياً إضافة لمبلغ 10ألاف ليرة عند التحاقه بالدورة الدينية في محافظة #حماة) والتي يشرف عليها رجال دين «شيعة» إيرانيو الجنسية، بحسب مصادر خاصة.

 

«المتشيعون» الجدد

«ياسر» شاب من مدينة البوكمال، اكتفى بذكر اسمه الأول، تحدث لموقع «الحل»، عن أسباب اعتناقه للمذهب «الشيعي»، قائلاً إن: «اعتناقي للمذهب (الشيعي)، كان الضامن الوحيد للموافقة على طلبي الانضمام لصفوف الحرس الثوري الإيراني، صاحب السلطة واليد الطولى في المنطقة مقارنة ببقية الفصائل الأخرى الموالية للنظام، من حيث النفوذ ومناطق السيطرة إلى جانب الدعم المادي الذي يتلقاه عناصره» مشيراً إلى أن «الحرس الثوري وبقية المليشيات الإيرانية الأخرى يسيطرون على مدينة البوكمال بشكل كامل وعلى بعض البلدات المحيطة بها، فهم أصحاب القرار هناك في ظل غياب تام لدور النظام والمليشيات الأخرى الموالية له (الدفاع الوطني) في المنطقة المذكورة».

ونوه «ياسر» أيضاً إلى أن «الانضمام لصفوف الحرس الثوري الإيراني، يحميك من بطش وملاحقة الأفرع الأمنية التابعة للنظام، ويمنعهم من اعتقالك لأيّ سبب كان، أو سحبك للخدمة الإلزامية أو الاحتياطية» حسب وفق قوله.

وفي سؤال لـ«موقع الحل» عن إجراءات التشيع والفائدة التي جناها من ذلك، أجاب «ياسر» بأن «وسيط من المدينة يدعى (حاج سليمان)، مكلف من قادة الفصائل الإيرانية، بجذب الشبان والرجال الراغبين بالانضمام لهم مقابل اعتناقهم للمذهب (الشيعي)، ومن يوافق على ذلك يخضع لدورة دينية، تتراوح مدتها من 15 إلى 20 يوماً في إحدى الحسينيات  المقامة في قرية حطلة، والتي يشرف عليها المعمم  (نوري حسن البلعط) من أبناء القرية ذاتها، والذي يعد أول معمم في المنطقة»، وأما عن الفائدة التي جناها، فكان جوابه «المردود المادي والحصانة من التجاوزات التي قد تطاله من أجهزة أمن النظام هي ما استفاد منها إلى الآن» وفق تعبيره.

وعند سؤالنا لـ«ياسر» أنه في حال خرجت إيران من ديرالزور خاصة وسوريا عامة، هل ستبقى على تشييعك، أجاب ضاحكاً، إنه «إلى ذلك الحين يخلق الله ما يشاء».

عد «شيعياً» أو لا تعد!

في ظل سعيها لخلق قرى مؤيدة لها بالكامل في عموم محافظة ديرالزور، تمنع الميليشيات الإيرانية العوائل «السنية» النازحة، من العودة إلى القرى التي تسيطر عليها، إذ أفادت مصادر خاصة لموقع «الحل»، بسماح الميليشيات الإيرانية المسيطرة على قريتيّ (حطلة، ومراط) بعودة العوائل «الشيعية» النازحة في الوقت الذي تمنع فيه عودة العوائل الأخرى شريطة الانتساب لإحدى الميليشيات العسكرية الموالية لها؛ أو اعتناق المذهب «الشيعي» الأمر الذي يسهل عودتهم.

«طارق» رجل أربعيني من قرية حطلة، فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، اعتنق المذهب «الشيعي» هو وزجته، عند عودتهم إلى القرية بعد أكثر من سنة نزوح عنها، وعند السؤال عن سبب قيامهم بذلك، أجاب، «لأنه السبيل الوحيد لتسهيل إجراء عودتنا إلى المنزل، وخلاصنا وأطفالنا من مآسي خيم النزوح، إضافة لعدم التعرض لنا من الميليشيات (الشيعية) المسيطرة على البلدة».

وفي  تكرار للسؤال السابق، في حال خرجت إيران وميليشياتها من عموم سوريا وديرالزور خاصة، هل ستبقى على تشيعك، أجاب «طارق» بأن «تشيعي وزوجتي، هو مجرد غطاء لنؤمن على حالنا وأطفالنا من شر ميليشياتها، فاعتناقنا للمذهب (الشيعي) مسألة وقت تنتهي بانتهاء تواجدهم في المنطقة» وفق قوله.

 

أدلجة الأطفال

عمدت إيران إلى أدلجة الأطفال في مناطق سيطرتها بدير الزور بطرق جديدة وخاصة في مدينتيّ (البوكمال، والميادين)، إذ افتتحت مدرستين للمراحل الابتدائية في كلا المدينتين، ضمت مدرسة البوكمال 100 طالب، بينما ضمت مدرسة الميادين حوالي 50 طالباُ، وتخضع المدرستين للميليشيات الإيرانية بشكل مباشر، وتدرس فيها مناهج خاصة ويركز فيها على الدروس العقائدية والدينية.

تغيير أسماء الجوامع وبناء الحوزات واختراع المزارات

يقول «أحمد العلي» من سكان الأحياء المأهولة، لموقع «الحل» إن: «إيران غيرت اسم الجامع العمري في مركز مدينة ديرالزور إلى اسم جامع الرضوان وحولت مسجد الحسن والحسين في حي الجورة إلى حسينية تعمل على توزيع الإغاثة على المحتاجين بغرض استغلال فقرهم وإقناعهم باعتناق المذهب (الشيعي)،كما يتم الآن بناء حوزة في مدينة الميادين لتكون دار عبادة ومركز ديني (شيعي) بداخل المدينة» وفق قوله.

وأضاف أن «إيران تعمل جاهدة على تثبيت وجودها في المنطقة، وخلق ذريعة لبقائها تحت عنوان حماية المراقد والمزارات «الشيعية» من خلال ترميم وإعادة بناء ما تقول عنه بأنه مراقد «شيعية»، إذ قامت ميلشياتها ببناء القباب في منطقة عين علي في مدينة #القورية شرقي ديرالزور في مطلع العام الفائت، وهي نبع ماء كبريتية تدعي إيران أن ناقة الصحابي «علي بن أبي طالب» قد بركت فيها كما رممت ميليشيات تابعة لحركة #النجباء_العراقية إحدى القباب في قرية #السويعية في ريف البوكمال «قبة علي»  كما أطلقوا عليها.

شيوخ عشائر وشخصيات عامة «تتشيع وتشيع»

لبناء قاعدة شعبية لها في ريف ديرالزور، عملت إيران على كسب شخصيات عشائرية لها ثقلها وتأثيرها  في عموم المنطقة وكان على رأس هؤلاء، المعارض السابق لنظام الأسد «نواف راغب البشير» والذي بات بكل خطبه يفتخر بنسبه للأمام الباقر والإمام الحسين، ولم يكتف بمساندة إيران في تحقيق هدفها بمدّ «التشيع»، بل ساندها عسكرياً عبر دفع كثير من أبناء عشيرته «عشيرة البقارة» إلى التطوع في ميليشيات «الباقر الشيعية»، للقتال عبر إقناعهم أنهم من «آل البيت» ويجب عليهم اعتناق المذهب «الشيعي» والدفاع عن الأماكن المقدسة، وفق زعمه.

كما قامت إيران بإعادة تفعيل دور عملاءها السابقين أمثال (حسين الرجا، وياسين المعيوف) أو من كان يعمل بالسر أمثال «سامر الصوفان» القادم من بلدة الفوعة في #إدلب، والمقيم في ديرالزور منذ أكثر من 15 عام، من خلال إعطائهم جميع المميزات من حرية التنقل والتصرف في عموم المنطقة.

تقول «أم خالد» من سكان مدينة ديرالزور) لموقع «الحل» إن: «غياب العشائرية وتأثيرها  في المدينة، دفع بإيران إتباع أسلوب آخر، عبر تطويع أصحاب مناصب محلية وشخصيات إعلامية لمشروعها، يمكن أن يخدموا أهدافها حالياً ومستقبلاً، حيث أخذت مجموعة منهم إلى طهران وعلى رأسهم مدير أوقاف دير الزور (مختار النقشبندي) في زيارة استمرت لأيام لم يكشف عن مضمونها؛ أو أهدافها، إضافة إلى تشجيع الموالين لها، لتسلم مناصب رسمية على مستوى المحافظة أو ضمن حكومة النظام أيضاً».

زواج المتعة

شهد العام الماضي، أول حالة زواج المتعة بين رجل من دير الزور، وسيدة من حلب في حالة تعتبر الأولى من نوعها، وتم الزواج عند مزار «عين علي» المستحدث حديثاً، ورغم المحاضرات والكتيبات التي نشرها إيران، والتي تحث من خلالها على هذا الزواج وعلى مشروعيته في الإسلام إلا أنه جوبه بموجة من الاستنكار بين الأهالي ورأوا فيه خرقاً للعادات، بحسب شهادات عدّة من أهالي المنطقة.

من ضمن ما تسعى إليه إيران مما قامت به خلال السنوات السبع الماضية، هو خلق بيئة ثقافية ودينية جديدة لصناعة جمهورٍ لها من «متشيعين» سوريين جدد، لتمتين نفوذها في سوريا، وفي ديرالزور خاصة على وجه الخصوص، عبر ما طبّقته من تغير ديمغرافي في مدنها الكبرى، مستفيدة من قربها للحدود العراقية وتداخل عشائرها.

 

إعداد: حمزة فراتي – تحرير: معتصم الطويل

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة