بغداد ـ وسام البازي

لم تنتعش علاقة العراق بمحيطه العربي بصورة جديّة منذ عام 2006، هذه السنة التي تسنّم فيها #نوري_المالكي منصب رئيس الحكومة العراقية، وقتها كانت المعارك الطائفية بين ما يُعرف بجماعة “الجهاد والتوحيد” وهي فصائل سلفية سنية، مع جيش “#المهدي” الذي كان يقودهُ #مقتدى_الصدر، وفي الوقت نفسه يقود هذين التنظيمين حرباً ضروساً ضد القوات الأجنبية “متعددة الجنسيات” التي أطاحت بـ #صدام_حسين.

وقتذاك لم يُكن للمالكي دورٌ قوي داخلياً، فهو صديق الحاكم المدني الأول على #العراق بعد عام 2003، ورفيق #جورج_بوش الإبن الذي نصّبه رئيساً للحكومة بعد انتخابات غير متكافئة، قاطعها المكون العربي السني، وفي تلك الفترة كان المالكي شرساً على الخارج ودول الجوار، مثل سوريا والأردن والسعودية وتركيا، بل حتى #قطر و#مصر و#تونس، حيث كان يتحدّث عن أن هذه الدول تموّل #تنظيم_القاعدة وتدفعهُ للهجوم على العراق، مع العلم أن إيران كانت تموّل #جيش_المهدي، ولكنه غض الطرف عنها، كونها حليفه وسنده في الكِبر.

منذ ذلك التاريخ، عاش العراق مرحلة عزلة شبه تامة، بعيداً عن محيطه العربي، قريباً من إيران، التي كانت تسعى بكل قوتها للنيل من البلاد اقتصادياً وشحنه عسكرياً من خلال تجزئة جيش المهدي، الذي تفجرت عنه، قوات “كتائب سيد الشهداء و#النجباء و#العصائب وقوات العباس القتالية”، وتهيئتها لمعارك على الأرض أو سياسية، ومن سوء حظ العراقيين، أن الأمرين حدثا، وظلَّت إيران بفضلٍ من المالكي في العراق متمكنة، أما العرب ينظرون من البعيد بقلقٍ على العراق، ومخاطر نهايته.

ولأن السياسة فن الممكن، فقد انسلخ مقتدى الصدر من إيران تدريجياً، وبصبيحة يومٍ مشمسٍ، صدم الجميع بزيارة إلى السعودية، حدث ذلك قبل عامين (2017)، وكانت زيارة الصدر للرياض، أكثر من ضربة مميتة لإيران، ومع أنها لم تسفر عن أي قرارات أو بيانات أو مخرجات، إلا أنها رطّبت حدود البلدين، وأرخت تشنج الطرفين تجاه بعضهما وأغضبت طهران، وحدث بالفعل، فقد كشف عن ذلك الصدر بنفسه في حديث متلفز، بيَّن فيه “أن إيران انزعجت من تصرفي الأخير”، ومن ذلك اليوم بدأ العراق يمارس الغزل الشفيف عبر رئيس الحكومة الذي أعقب المالكي، حيدر العبادي، حتى الأربعاء الماضي.

ماذا حدث حتى غضبت إيران؟

أكثر من 100 شخصية سعودية رفيعة المستوى، بينها وزراء ووكلاء وزارات ورجال أعمال، زاروا العراق دفعة واحدة، الأربعاء الماضي، للمشاركة في أعمال الدورة الثانية للمجلس التنسيقي العراقي-السعودي، والتقى الوفد بعد وصوله العديد من المسؤولين العراقيين، في مقدمتهم رئيس الوزراء #عادل_عبد_المهدي، فقط، هذا كل ما حدث، فوجهت الصحافة الإيرانية والجيوش الإلكترونية الموالية لطهران، هجوماً قاسياً على #الحكومة_العراقية، ووصفتها بأنها “عميلة لأميركا”، وأنها لم تأبه لدماء شهداء البلاد في حربهم على تنظيم “داعش”.

على اعتبار أن #السعودية كانت تموّل التنظيم الإرهابي، وفقاً لمئات الصفحات الإلكترونية التي ظهرت خلال اليومين الماضيين بصورة فجائية في فيسبوك، ولم ينته مسلسل الإشارة لبلدان الخليج العربي وعلاقته بالإرهاب، مع صدور بيانات عديدة لقادة وأعضاء أحزاب شيعية، رفضوا الزيارة واعتبروها إهانة لنصر العراق على الإرهاب.

عضو تحالف “الفتح” (الذي يضم فصائل الحشد الشعبي)، عباس رحيم السلطاني، قال لـ(الحل العراق)، إن “الأحزاب الشيعية وحتى بعض الكيانات السنية التي رفضت زيارة الوفد السعودي إلى بغداد، لا علاقة له بأجندة معينة، إنما هو احتراماً للنصر الذي حققته قواتنا على تنظيم #داعش، الذي كان مدعوماً ومُباركاً من بعض الأنظمة الحاكمة في الخليج العربي، ومنها السعودية وقطر”.

 مشيراً إلى أن “ما أثار غضبنا هو الإهانة التي قدمتها السعودية للعراق والعراقيين بمنحها مليار دولار أمريكي، وكأن العراق جائع والسعودية هي من ستُشبعه”.

وما يثير في هذا الصدد، أن #بهاء_الأعرجي المقرب سابقاً من مقتدى الصدر، والمقرب حالياً من نوري المالكي، رحب بفتح القنصلية السعودية الجديدة في بغداد، فيما انتقد المعارضين لزيارة الوفد، مبيناً في بيان صحفي، أن “الرافضين لافتتاح القنصلية السعودية في بغداد والصادرة من بعض السياسيين، فهي إن دلت على شيء فإنّها تدل على أنهم لا يتقنون السياسة والدبلوماسية لكون المملكة العربية السعودية تملك في الأساس تمثيلاً دبلوماسياً وسفارة في بغداد وأن القطيعة لا ينتج عنها إلا المشاكل والأزمات، وهذا ما كان واضحاً خلال تجربة السنوات السابقة”.

ما علاقة أميركا؟

سياسيون قالوا خلال اليومين الماضيين، إن أميركا تريد أن تصفع إيران بطريقةٍ تضعفُها أكثر من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، ومنهم النائب السابق في البرلمان عبد الرحمن اللويزي، الذي صرّح في وقتٍ سابق لـ(الحل العراق)، بأن “انفتاح العراق بصورةٍ عامة على الدول العربية والسعودية بصورة خاصة جاء بتوجيه أميركي، من أجل تحجيم النفوذ الإيراني في البلاد عن طريق استخدام الثقل العربي والإقليمي للسعودية”.

أستاذ السياسة الدولية في جامعة النهرين ببغداد سالم الجنابي، أكد ذلك أيضاً، وقال لـ(الحل العراق)، إن “أميركا وصلت خلال المرحلة الماضية إلى قناعة تامة، بأن إيران تملك العراق من شماله إلى جنوبه، تحديداً بعد الدعم الذي بات مفضوحاً لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وشقَ البيت السني، إلى نصفين، الأول تحالف مع الأحزاب الشيعية، والثاني هم ما يُعرفون بمحور قطر، وقطر بالأساس حليفة إيران ضد السعودية”.

 مشيراً إلى أن “أميركا دفعت السعودية لتثبيت أقدامها في العراق من جديد، لإزاحة إيران التي بدأت تتقهقر تدريجياً مع اشتداد عسر وضعها الاقتصادي”.

ماذا تريد الرياض من بغداد؟

عضو تحالف “#القرار” العراقي، أيهم العبدلي، كشف عن أن “السعودية برغم وعودها بإعمار المناطق المحررة من قبضة تنظيم “داعش”، ستعمل على تحقيق هذا الملف، وغيره من الوعود التي تضمنت بناء ملعب في بغداد، وغيرها من الأمور، كلها ستُحققها، ولكن الهدف الأكثر دقة، هو إبعاد إيران”.

وتابع في اتصالٍ مع (الحل العراق)، أن “توقيت دخول الوفد السعودي إلى العراق صحيحٌ جداً، خصوصاً مع تنامي الغضب الشعبي في المحافظات الجنوبية، من الامتداد الإيراني وتأثيره السلبي من حيث نشر المخدرات، فضلاً عن تطور الوعي السياسي للكثير من الكيانات السياسية الشيعية، وضرورة الابتعاد عن إيران، مثل تيار “#الحكمة” الذي يتزعمه #عمار_الحكيم، وتحالف “#سائرون” الذي يقوده مقتدى الصدر”.


هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.