بعد إعلان هزيمته… هل انتهى تنظيم “داعش” في سوريا عسكرياً وفكرياً؟

بعد إعلان هزيمته… هل انتهى تنظيم “داعش” في سوريا عسكرياً وفكرياً؟

(الحل) – من داخل إحدى القواعد العسكرية التابعة للجيش الأمريكي في الولايات المتحدة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أسبوعين عن نهاية تنظيم داعش في سوريا بنسبة 100%، بعد هزيمته في آخر معاقله في “مخيّم الباغوز” بريف دور الزور الشرقي.
لم تختلف طريقة ترامب عن سلفه جورج بوش الابن عندما قال عبارته الشهيرة عام 2007 “اكتملت المهمة”، في إشارة إلى نهاية الحرب في العراق، رغم عدم استقرار الأوضاع إلى يومنا هذا، وهنا يكمن السؤال: هل استعجل ترامب إعلان النصر على داعش في سوريا لتحقيق مكسب سياسي؟ أم لتبرير قرار سحبه لقواته من سوريا الذي أعلن عنه قبل شهرين؟
تساؤلات كثيرة لازالت تطرح حول داعش، سيما أن مصير كبار القياديين فيه لازال مجهولاً إلى يومنا هذا، وسط تقاير تشير إلى انتشار بقايا التنظيم في بادية الشام ذات المساحات الشاسعة والتي يصعب السيطرة عليها، إضافة إلى ظهوره مجدداً في بادية السويداء الشرقية بعد إعلان قوات النظام القضاء عليه منذ بداية العام الجاري.

داعش انتهى عسكرياً ولكن!
منذ أن أعلن تنظيم داعش عن قيام “دولته” في عام 2014، استفاد من تدهور الأوضاع الأمنية في كل من سوريا والعراق، واستطاع السيطرة على مساحات شاسعة وصلت لثلث مساحة البلدين، وهي التي ميزته عن التنظيمات المتشددة الأخرى كالقاعدة وغيرها، إلى أن أطلق التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة حملته العسكرية ضد وجود التنظيم وبدأ بالانهيار منذ 2017، إلى أن مني بالهزيمة الأخيرة في جيبه الأخير بمخيم الباغوز شرقي سوريا قبل أسبوعين، على يد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وبمساندة من التحالف الدولي.
وعن احتمالية عودة تنظيم داعش إلى الواجهة مرة أخرى، يقول الخبير العسكري “مصطفى الحميد” لموقع الحل إنه “لا إشارات على عودة التنظيم مرة أخرى في سوريا ككيان يشبه الدولة ومسيطر على مناطق ومدن بأكملها، بل سيحاول التنظيم إعادة تشكيل نفسه بمن بقي من عناصره كخلايا ومجموعات صغيرة تقوم بتنفيذ هجمات مباغته على طول الحدود السورية العراقية ضد قوات النظام وقسد”.

وأضاف الحميد أن “هذه الاستراتيجية قد عاد التنظيم لاستخدامها قبيل إعلان النصر العسكري عليه، ففي بداية العام الجاري نفذ التنظيم عملية تفجير في أحد المطاعم بمدينة منبج، قتل فيها 4 أمريكيين، كما نفذ التنظيم تفجيرات عدة في شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها “قسد”، وهذا يعني أن التنظيم انتقل إلى مرحلة اخرى من القتال، وهي الأصعب نظراً لعدم تمركزهم في منطقة محددة، وهو تكتيك حرب العصابات التي تحتاج جهداً ووقتاً ومعلومات استخباراتية دقيقة لكشفها والقضاء عليها”.
كلام الخبير “مصطفى الحميد” أكدته مصادر مقربة من قوات سوريا الديمقراطية “قسد” لموقع الحل، حيث تتواجد خلايا نائمة لداعش في مناطق سيطرتها، في كل من الرقة وريف دير الزور، والتي لاتزال تقوم بعمليات هجومية ضد دوريات وحواجز قسد في المنطقة.
في سياق متصل، أصدرت لجنة مراقبة داخلية في وزارة الدفاع الأميركية تقريراً في شهر آذار الماضي، أوضحت فيه أن “داعش لا يزال جماعة مسلحة نشطة وتستعيد قدراتها ووظائفها في العراق على نحو أسرع من سوريا”، مشيراً إلى أن “داعش سيعاود على الأرجح النهوض في سوريا خلال 6 إلى 12 شهراً ويستعيد أراضي محدودة”، وهو ما أكده المتحدث باسم التحالف الدولي لمحاربة داعش الكولونيل “جيمس رولنسون” قبل أيام خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة “الحدث” حينما قال: “التنظيم كان مدركاً للخطر الذي يلاحقه، ما دفعه خلال الأشهر الماضية لنقل موارده وأفراده لمناطق أخرى، فالحرب على داعش لم تنتهي رغم زوال سيطرة التنظيم على المنطقة”.

عين داعش على السويداء
توكد مصادر محلية في محافظة السويداء أن هناك تخوف من سكان المنطقة من عودة التنظيم إلى ريف السويداء وشن هجمات جديدة على المنطقة، بعد ورود معلومات عن تجمع جديد لعناصر من تنظيم داعش في البادية السورية، ومنطقة “بير القصب” المحاذية لريف السويداء الشمالي الشرقي، والتي كانت تخضع سابقاً للتنظيم، إلا أن قوات النظام استعادتها بدعم إيراني روسي، حيث شهدت خلال الشهر الماضي هجوماً على مفرزة أمنية تابعة للنظام خلفت عدد من القتلى والجرحى.
المصادر لفتت إلى أن “نشاط التنظيم يتركز حالياً في مناطق (الكراع- الدياثة ومغارة سطح نملة- الجرف الصخري من تلول الصفا)، حيث يستفيد داعش من عدم وجود قوات النظام فيها، حيث يوجد حوالي 200 عنصر من داعش غالبيتهم ممن نقلوا من مخيم اليرموك، بعد اتفاق التسوية مع قوات النظام”.
وعن طرق تحرك التنظيم في المنطقة، قال مصدر إعلامي في السويداء (فضل عدم ذكر اسمه) إن “هناك حركة لعناصر تنظيم داعش في ريف السويداء، حيث وصلوا إلى المنطقة مؤخراً عبر بادية حمص بعد هزيمتهم في دير الزور، حيث يتعاملون مع عدد من المهربين الذين يأمنون لهم الغذاء والذخيرة في بعض الأحيان”.

وأضاف أن “المناطق التي يتواجد فيها عناصر التنظيم هي خالية من السكان، مايسهل حركة التنظيم، مستغلين وعورة التضاريس في المنطقة، ومنقسمين إلى مجموعات ضعيرة تظهر ليلاً فقط، ويقتصر نشاطهم على زرع العبوات الناسفة على الطرقات التي يتنشر فيها النظام وقواته، ويمكلون رشاشات وأسحلة خفيفة ومتوسطة”.
بدورها، نشرت صحيفة “فورين بولسي” الأمريكية تقريراً الشهر الجاري قالت فيه إن ” مقاتلي تنظيم داعش تم تهريبهم من الباغوز عبر الصحراء السورية إلى شرق السويداء، وذلك نقلاً عن مصادر محلية، حيث تسيطر المليشيات الإيرانية بشكل كامل على الطرق في الصحراء، ما مكنها من تهريبهم مقابل مبالغ مالية”، مشيرة إلى أن “عدد المسلحين الذين تم تهريبهم يصل إلى حوالي 1,500 مسلح، مما يشكل تهديداً ليس فقط على أهالي السويداء، بل على تمركز الجيش الأمريكي في قاعدة التنف الذي تحول لهدف محتمل بعد هزيمة التنظيم في الباغوز”.

إيديولوجية “باقية”
ورغم هزيمة داعش عسكرياً واستسلام المئات من عناصره، إلا أن فكر التنظيم لايزال مترسخاً بجزء كبير منهم، وتجلى ذلك بوصف امرأة شيشانية خرجت من الباغوز الحياة في ظل خلافة “داعش” بقولها “كان كل شيء على ما يرام، كان هناك إخوة يؤمنون بتطبيق الشريعة، وبقيام الخلافة الإسلامية، وأضافت “نحن وإخواننا في كل مكان نؤمن أن الدولة الإسلامية ستعود”، على حد تعبيرها.

الدكتور خليل العناني، وهو أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية، كتب مقالاً تحت عنوان “هل انتهى داعش حقاً؟”، واشار فيه إلى أنه “ربما جرت هزيمة “داعش” عسكرياً، وذلك بعد أن خسر التنظيم كل معاقله في منطقة شرق الفرات، ومن قبلها في الموصل في العراق، وفي بقية أرجاء أرض خلافته المزعومة في سوريا. لكن التنظيم، أفكاراً وإيديولوجيا، لم ينته بعد، بل على العكس، قد تساعد هزيمته في تحويله إلى (شهيد)، وتكسبه تعاطفاً من كثيرين من الشباب العربي والمسلم، خصوصاً في ظل ما يُقال عن عمليات قتل عشوائي لمدنيين، بينهم أطفال في الباغوز أثناء مطاردة فلول التنظيم “.
وعلى الصعيد الرسمي أيضاً، يرى المبعوث الرئاسي الأمريكي السابق للتحالف العالمي لمواجهة داعش “بريت ماكجورك”، الذي استقال من منصبه في أعقاب إعلان انسحاب القوات الأمريكية من سوريا أن “هزيمة الخلافة عسكريًا لا تعني نهاية المشاكل”.

وأضاف “ماكجورك” في حديثه لمجلة “واشنطن مانثلي” أن “هناك إهمالا للعديد من العوامل المحورية التي قد تكون فاصلة في ملف داعش، ولا يمكن القضاء على داعش بالوسائل العسكرية وحدها”.

وختمت المجلة الأمريكية بأن هناك تياراً داخل الإدارة الأمريكية يؤكد أن ترامب قد تسرع في الإعلان عن ذلك، كما أن بعض المسؤولين السابقين عن ملف داعش في الولايات المتحدة، أكدوا صعوبة التعامل مع معطيات منقوصة بشأن داعش.

إعداد: حسام الصالح – تحرير: رجا سليم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.