منصات وائتلاف وهيئات للتفاوض… كيف مثلت السوريين وماذا قدّمت لهم؟

منصات وائتلاف وهيئات للتفاوض… كيف مثلت السوريين وماذا قدّمت لهم؟

(الحل) – غابت مظاهر التنوع السياسي والحزبي في سوريا، منذ تولي حافظ الأسد لمقاليد الحكم في البلاد، وبقي “حزب البعث” يتصدر المشهد السياسي السوري بصفته الحاكم للدولة والمجتمع، ليقوم بعدها الأسد الأب بتأسيس مايسمى “الجبهة الوطنية التقدمية” في عام 1972، والتي ضمت 6 أحزاب (حزب البعث، الحزب الشيوعي السوري، الاتحاد العربي الاستراكي، حزب الوحدويين الاشتراكيين، حزب الاشتراكيين العرب،الحزب الوحدوي الاشتراكي الديمقراطي)، واستمر الأمر على حاله لحين انطلاق الاحتجاجات الشعبية في سوريا في 2011، فكانت الحاجة لحزب أو تجمع ينطق بمطالب السوريين ويتحدث باسمهم، فتشكلت على مدار 8 سنوات من الثورة عشرات الهيئات والمجلس والأحزاب والمنصات المعارضة، والتي فشلت معظمها في تحقيق أي مكسب سياسي للسوريين، لأسباب عدة سنحاول عرضها داخل التقرير.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل كانت الانشقاقات والاتهامات المتبادلة واختلاف تبيعات وتوجهات الكيانات السياسية المعارضة، السمة الأبرز منذ بداية تشكلها، في مقابل ذلك، لم يقف النظام موقف المتفرج، بل عمل على “تقسيم المقسوم وتشتيت المشتت”، وذلك بإنشاء أحزاب وكيانات معارضة موازية بمساعدة حلفاؤه في الحرب، لتزيد من تعقيد الحالة السياسية التي تعيشها سوريا، وغياب أي أفق للحل السياسي، ليكون صوت السلاح هو السائد والمفضل عند النظام في سوريا.

البداية بالتنسيقيات والمجالس
مع بداية الحراك الشعبي في آذار 2011، ظهرت “لجان التنسيق المحلية” و”اتحاد تنسيقيات الثورة” كأول تجمع شبه سياسي، يضم ممثلين له عبر مختلف المحافظات والمدن السورية، وكان عملها مقتصراً على تنظيم المظاهرات، واختيار أسماء يوم الجمعة، ونشر الفيديوهات على صفحاتها بمواقع التواصل الاجتماعي، وإرسالها إلى وسائل الإعلام، وتوقفت عن العمل تدريجياً مع عسكرة الثورة.
وبعد نحو 5 أشهر، تم تأسيس “الهيئة العامة للثورة السورية”، والتي لم يختلف عملها كثيراً عما سبقها، ومن ثم أسس “المجلس الاعلى لقيادة الثورة” في أيلول من نفس العام، الذي كان نواة تشكيل “المجلس الوطني السوري” كأول مجلس سياسي يعبر عن المعارضة السورية في داخلياً وخارجياً، ويطالب بإسقاط النظام بكل أركانه، ورفض التدخل الخارجي ووضع خارطة طريق للتغيير في سوريا.

ويعتبر “المجلس الوطني” أول جماعة سياسية سورية بالمعنى الرسمي، أعلن عن تشكيله في تشرين الثاني 2011، واتخذت من مدينة اسطنبول التركية مركزاً لها، وتألفت من 310 أعضاء ذات خلفيات سياسية مختلفة، كان أبرزهم (عبد الباسط سيدا وبرهان غليون وجورج صبرا)، حيث لاقى المجلس تأييداً في الداخل السوري، وتجلى ذلك في تسمية جمعة “المجلس الوطني يمثلنا” في عموم التظاهرات السورية بتلك الفترة.
ويرى الباحث “ساشا العلو” في كتابه ” الانبثاقات السياسية في الثورة السورية/ الاتجاهات والأوزان والمآلات” أن “أهم المشكلات التي أعاقت عمل المجلس الوطني نفوذ كتلة الإخوان المسلمين وهيمنتها على المجلس، واختلافهم مع الكتلة الكردية في المجلس، بعد رفض المجلس لأي وثيقة تحذف اسم الجمهورية العربية السورية وقضايا اللامركزية السياسية، إضافة إلى ورفضه التوحد مع قوى سياسية أخرى، معتمدًا على ما ناله من تأييد في الشارع السوري، ومن ثم الأحق بوحدانية التمثيل للحراك الثوري. يضاف إلى ذلك التدخل الخارجي وعدم القدرة على التعاطي معه استنادًا إلى المصلحة الوطنية للسوريين، والتصدعات الداخلية من خلال خروج مجموعة من الشخصيات السياسية السورية، وتشكيل جسم سياسي آخر، والعمل على حل التصدعات والانشقاقات، استنادًا إلى المحاصصة في مؤسساته”.

الائتلاف من الشرعية الدولية للاستقالات الجماعية
أعلن في العاصمة القطرية الدوحة يوم 11 تشرين الثاني 2012 الاتفاق النهائي على توحيد صفوف المعارضة السورية تحت لواء كيان جديد هو “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، بقيادة “المجلس الوطني” أكبر كيانات المعارضة السورية في تلك الفترة، وكانت أهدافه متماشية مع أهداف المجلس في إسقاط النظام وعلى رأسه بشار الأسد وإيجاد دولة مدنية، وكان من أهم مانص عليه بيان الائتلاف أنه “يهدف إلى دعم القيادة المشتركة للمجالس العسكرية الثورية والجيش الحر، وإنشاء صندوق دعم الشعب السوري بتنسيق دولي، وإنشاء اللجنة الوطنية السورية”.
حظي الائتلاف مع بداية تشكلة بتأييد شعبي ودولي كبير نسبياً، وكانت نقطة التحول بالاعتراف بشرعيته عربياً ودولياً، من قبل الجامعة العربية التي سلمت للائتلاف مقعد سوريا بمجلس الجامعة، إضافة لمجموعة أصدقاء سورية حوالى 100 دولة.
ومع مرور الوقت، ظهرت الخلافات الداخلية داخل مكونات الائتلاف، وأصبحت الكتل السياسية بداخله انعكاسًا للتضارب الدولي الذي دعم وجود وكلاء سياسيين له ضمن جسد الائتلاف، التي بدأت بمسلسل الاستقالة التي تم الإعلان عنها قبيل تسليم الائتلاف كرسي سوريا في جامعة الدول العربية، وصولاً إلى الانسلاخ عن القيادات العسكرية في الداخل السوري وانعدام التنسيق معها.
ويرى الدكتور “رضوان زيادة” الباحث السوري وعضو المجلس الوطني السوري سابقاً في مقال له أنه “بعد انطلاقة الثورة ودخول قطاعات هائلة من الشباب والسوريين من مختلف الأعمار في الحقل السياسي غير المنظم أصلا، عانت المعارضة من فشلها في تنظيم أمورها، وبالتالي لم تستطع المؤسسات التي شكلتها المعارضة على عجل احتواء هذا العدد الكبير من الراغبين والمهتمين بالانضواء تحتها، ودائما كانت تحت شعور فقدان المشروعية، كما حصل مع المجلس الوطني ومن ثم الائتلاف الوطني، لأن هذه المؤسسات لم تنشئ الثورة أو تقودها في يوم من الأيام”.

هيئة التفاوض بديلاً عن الائتلاف
في دراسة لمركز جسور للدراسات تحت عنوان “الهيئة العليا للمفاوضات.. المسار والحصاد السياسي” حول فشل الائتلاف في عملية التفاوض وبروز “هيئة المفاوضات السورية” كبديل مفاوض مع النظام رأت أن “رفض الائتلاف التجاوب مع مسودة الإطار التنفيذي لتطبيق بيان جنيف 1″ التي قدمها المبعوث الأممي ستيفان ديسمتورا في مطالعته أمام مجلس الأمن بتاريخ 29/7/2015، كانت نقطة مفصلية على ما يُعتقد في خسارة الائتلاف لورقة الملف التفاوضي”.
و”هيئة تابعة للمعارضة السورية” انبثقت عن مايسمى “مؤتمر الرياض” الذي انعقد في العاصمة السعودية في كانون الأول 2015، ومهمتها الإشراف المباشر على العملية التفاوضية مع النظام السوري، ضمن مسارات ترعاها الأمم المتحدة، وقد أنشأت نسخة جديدة من الهيئة خلال مؤتمر الرياض 2 في تشرين الثاني 2017، حيث واتفق أن تكون تشكيلتها من 32 عضوا، بينهم 9من الائتلاف الوطني، و10 من فصائل المعارضة المسلحة، و5من هيئة التنسيق الوطني، و8 مستقلون.

شاركت الهيئة في مفاوضات جنيف 3 وجنيف 4 ومفاوضات أستانا، لكنها رفضت في تشرين الثاني 2017 المشاركة في مؤتمر اقترحته روسيا في منتجع “سوتشي” على البحر الأسود، وقالت إنها تعارض مناقشة مستقبل سوريا خارج إطار الأمم المتحدة، ووصفت المؤتمر بأنه يمثل حرفاً لمسار الوساطة التي ترعاها الأمم المتحدة، ومحاولة لإعادة تأهيل نظام الأسد.
وفي العشرين تشرين الثاني 2017 أعلن منسق الهيئة العليا للمفاوضات السورية رياض حجاب وعشرة من أعضاء الهيئة استقالتهم، بينهم الناطق الإعلامي باسم الهيئة رياض نعسان آغا، حيث قال حجاب إنه وجد نفسه اليوم مضطراً لإعلان الاستقالة من مهمته، وذلك بعد سنتين من العمل للمحافظة على ثوابت الثورة السورية، مضيفاً أنه كان ملتزماً بمبادئ الثورة، ويعمل على تأسيس نظام تعددي دون أن يكون للأسد ونظامه مكان فيه.
لم تكن العلاقة بين الهيئة والائتلاف بأحسن حالاتها منذ البداية، رغم وجود عدد كبير من أعضاء الإئتلاف داخل الهيئة،ويعود مصدر التوتر في العلاقة بين الإئتلاف والهيئة إلى أن الائتلاف تعامل مع الهيئة منذ بداية عملها باعتبارها جسماً منافساً، فيما اعتبرت الهيئة نفسها جسماً جديداً ورث كل أجسام المعارضة بكل مهامها، وليس وريثاً لملف المفاوضات فحسب.

منصات موازية
مع تفاقم الأزمة السورية، وانسداد أفق التفاوض مع النظام، ظهرت منصتا “القاهرة” و “موسكو” كتجمعات سورية أعلن عنها في كل من مصر وسوريا عام 2014، إلا أن بعض أطياف المعارضة الأخرى ترى أنهما تحابيان روسيا ونظام بشار الأسد وتملكان توجهات وأولويات تتباين مع أولويات الهيئة العليا للمفاوضات، حيث كانت أول مشاركة للمنصتين على المستوى السياسي في مفاوضات جنيف 4 بواقع مقعداً واحداً لكل منهما ومن ثم إلى 3 مقاعد.
وجمعت منصة “القاهرة” عدد من الشخصيات البارزة، كان أبرزها المتحدث السابق باسم الخارجية السورية “جهاد مقدسي” والممثل “جمال سليمان”، إضافة إلى أنور المشرف الذي سبق له وأن صرح لوكالة “سبوتنيك” الروسية في 2016 بأن “منصة القاهرة تتبنى مبادرة أسستها على زيارة مستشار الأمن القومي السوري علي مملوك إلى القاهرة، وتتمحور حول استبعاد المعارضة التي تؤمن بالحلول المسلحة، وتعزيز وتقوية المعارضة التي تؤمن بالحل السياسي”.
وفيما يخص “منصة موسكو”، فتضم نائب رئيس الوزارء للشؤون الاقتصادية المقال من منصبه “قدري جميل”، ويعرف بأنه من “معارضة الداخل”، إضافة إلى “حمزة منذر” الذي برز بمفاوضات “جنيف4 “، كما تضم “علاء عرفات” الذي يعتبر أن “روسيا حجر الزاوية في الحل السياسي للأزمة السورية”، نافيا أن تكون روسيا عقبة أمام أي حل سوري.

الأحزاب القومية
يوجد في سوريا أكثر من 30حزباً كردياً بين يساري ويميني وعلماني وإسلامي، إلا أن خمسة أحزاب رئيسة فرضت نفسها على الساحة وانقسمت في توجهاتها بين الانضمام للائتلاف السوري المعارض باسم “المجلس الوطني الكردي”، وبين الانضمام في هيئة التنسيق الوطنية (معارضة الداخل) والتي انسحبت منها نتيجة مشاركة هيئة التنسيق في مؤتمر الرياض، وتوقيعها على بيان يعتبر وحدات حماية الشعب الكردي حركة إرهابية عاملة ضد الثورة السورية.
فيما، أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي تأليف مجلس (شعب غرب كردستان)، ليكون جسدًا سياسيًا موازيًا للمجلس الوطني الكردي، وفي 18 تموز 2013 أُعلنت مسودة دستور الحكومة المؤقتة لغربي كردستان، واعتمدت نظرية “عبد الله أوجلان” في بناء الأمة الديمقراطية عبر الإدارة الذاتية الديمقراطية في سوريا وغرب كردستان، أما علاقاته مع مكونات المعارضة السياسية، فقد اتسمت بالتوتر والمنافسة مع المجلس الوطني الكردي، وعدّ الائتلاف الوطني جهة معادية، وفي المقابل عدّ الائتلاف الوطني حزب PYD تنظيمًا ارهابيًا ينسق مع نظام الأسد سياسيًا وعسكريًا، والتفاهمات الأمنية واضحة مع النظام السوري.
أما عن المكون التركماني في سوريا، فكان هناك توجهين؛ الأول: لدى الفصائل التركمانية المقاتلة ذات الخط الوطني، أما الثاني فيمثله المجلس التركماني الذي تحدث عن حقوق تركمانية مثبتة دستوريًا، وطالب بحذف كلمة “العربية” من اسم الدولة السورية، وأبرز الأحزاب “الكتلة الوطنية التركمانية” وتملك نشاطات إغانية وعسكرية مرتبطة بتركيا، و “حزب النهضة”، و”المجلس التركماني السوري” الذي يضم عدد من الجمعيات والحركات التركمانية برعاية تركية، حيث رفض المجلس إعلان الفدرالية من قبل الإدارة الذاتية مع التشديد على وحدة سوريا.
ولم تكن الهيئات والأحزاب مقتصرة على الخارج السوري، بل أعلن عن تشكيل عدد من الاحزاب والكتل السياسية من داخل العاصمة دمشق كان أبرزها “الكتلة الوطنية الديموقراطية” و”هيئة التنسيق الوطنية”، و”تيار بناء الدولة” وأطلق عليها اسم “معارضة الداخل”، وتتهم بعمالتها للنظام وتبعيتها له.

ويرى المهتمون بالشأن السوري أن المعارضة السياسية فشلت لحد الآن في تحقيق أي من أهدافها، لفشلها في توحيد صفوفها، إضافة إلى الفجوة الهائلة التي تفصل بين الجناحين السياسي والعسكري للثورة، ناهيك عن ضعف الخبرة السياسية لكم كبير من الشخصيات المحسوبة على المعارضة، وتبيعة الأحزاب والكتل لأجندة إقليمية ودولية فلم تعد تملك قرارها بيدها، إضافة إلى فقدان الناس لثقتهم في القيادات والأحزاب المعارضة التي من المفترض أن “تنطق باسمهم”، فلم يستطع أي حزب أو منصة أو كتلة سياسية تحقيق أي تقدم في مصلحة المعارضة فيما يخص “إسقاط النظام”، أو على الأقل في الملفات الأخرى “كعمليات التهجير المنظم وملف المعتقلين ووقف استهداف المدنيين”.

إعداد: حسام صالح – تحرير: رجا سليم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.