الحرس الثوري الإيراني وولاية الفقيه… من علاقة ارتباط عضوي إلى منافسة على النفوذ

الحرس الثوري الإيراني وولاية الفقيه… من علاقة ارتباط عضوي إلى منافسة على النفوذ

لبنان (الحل) – صنف الرئيس الأميركي #دونالد_ترامب #الحرس_الثوري_الإيراني كمنظمة إرهابية الأسبوع الماضي، في سابقة تطال لأول مرة جزءاً من القوات المسلحة الرسمية لدولة ما، الأمر الذي ذكّر من جديد بما لم يكن منسياً أصلاً من دور سلبي لهذا الحرس في إيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها، وأظهر الخلط الشائع بين الحرس الثوري والباسيج وفيلق القدس والضباط المسؤولين عنهم، فما هو هذا الحرس الثوري؟ ومتى تأسس ولمَ؟ وما أهي أهم صفاته؟

قوات نخبة عقائدية على نهج الخميني

بعيد نجاح الثورة الإيرانية التي تزعمها الإمام الخميني وأطاحت بحكم الشاه سنة 1979، أمر الخميني في 5 أيار من العام نفسه بتأسيس الحرس الثوري المعروف بالفارسية بالـ باسديران، ليكون في الأساس تشكيلاً عسكرياً نخبوياً، على غرار قوات الحرس الملكي أو الجمهوري في دول أخرى، فيكون الجسم العسكري الفعال والضارب والأقرب إلى مركز السلطة أي إلى الإمام #الخميني نفسه، مشبعاً بأفكاره، أفكار الثورة الإسلامية، ويشكل حرساً عقائدياً أيضاً، يتصدى للإنقلابات، وباعتباره جسماً جديداً خاصاً يخلق ثقلاً مقابلاً للقوات المسلحة التقليدية للجيش الإيراني الذي لم يكن منخرطاً في الثورة الإسلامية، وكانت هناك شكوك في حفاظ الكثير من ضباطه على ولاء مضمر للشاه ورفض لسلطة الخميني الدينية والدنيوية.

عليه، كانت حماية النظام الجديد القائم واحدة من أولى مهام الحرس الثوري، الأمر الذي يبدو جلياً أنه قد نجح فيه حتى الآن، وتركت حينها مهام ضبط الحدود والأمن الداخلي للجيش “العادي”، الأمر الذي تبين أنه غير مجد ولا عملي من وجهة نظر النظام، مما دفعه إلى تعزيز قوة الحرس وتنويعها ودفعه للإنخراط في شؤون داخلية وخارجية أبعد من المهمة المباشرة المتمثلة في حماية نظام الخميني، وبمرور الزمن صار الحرس الثوري مشابهاً في دوره لما يقوم به منذ سنوات الجيش المصري، إذ تحول مركز قوة عسكرية وأمنية واقتصادية لا يستهان بها على الإطلاق، ومن ثم صار فاعلاً جدياً في المجال السياسي.

يقدر عدد الحرس الثوري الإيراني بـ 120 ألف مقاتل بحسب تقديرات أميركية، بينما هناك تقديرات بريطانية ترفع هذا الرقم إلى أكثر من الضعف، هذا بالإضافة إلى الميليشيات الموالية له والمتطوعين الذين تختلف أعدادهم بين أوقات السلم والحرب. مقاتلو الحرس الثوري موزعين على اختصاصات متعددة، من برية وبحرية وجوية، يتولون أيضاً مسؤولية الإشراف على الأسلحة الإيرانية النوعية، ومجهزون بأفضل الأسلحة وأقواها من تلك المتوفرة في إيران، يتلقون تدريبات متقدمة، خاصة أولئك المحسوبين على فيلق القدس، ويحظون بتقديمات مالية جيدة، ويعتقد أن للحرس الثوري خلايا جاهزة في العديد من السفارات الإيرانية حول العالم لتنفيذ المهام التي توكل إليها.

قوات التعبئة الشعبية (الباسيج) وفيلق القدس

تنضوي تحت لواء الحرس الثوري قوتان أساسيتان ومعروفتان: قوات التعبئة الشعبية المعروفة بالـ باسيج، وفيلق القدس الذي يتزعمه قاسم سليماني، والذي يظن خطأً في كثير من الاحيان أن فيلق القدس والباسيج جسمان منفصلان عن الحرس الثوري، وأن قاسم سليماني هو قائد الحرس الثوري، بينما الحقيقة أن القائد الحالي للحرس الثوري منذ سنة 2007 هو اللواء محمد علي جعفري، الذي يتلقى أوامره مباشرة من خليفة الخميني الإمام الخامنئي بصفته الولي الفقيه، والقائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية.

انخرط الحرس الثوري في الحياة الاقتصادية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، فأصبح أشبه بالأخطبوط الذي يملك أذرعاً في كل مكان: النفط، الغاز، البناء، البنى التحتية، المؤسسات الاستثمارية، الإتصالات… في كل قطاع اقتصادي أساسي وخصب للحرس الثوري يد، حتى صار يتحكم بقرابة ثلث الإقتصاد المحلي وفي المرتبة الثالثة بعد مؤسسة النفط والأوقاف في قائمة أفنى المؤسسات في إيران، صحيح أن الدور الاقتصادي للحرس الثوري قد منحه قدرات إضافية داخلية خارجية، إلا أن ذلك جعله هدفاً لنقمة الشعب المتضرر من تراجع الأحوال الإقتصادية.

انعكس التغول الاقتصادي والتحكم بالأمن والعمليات الخارجية على الداخل السياسي، فشهد الحرس الثوري عصراً ذهبياً أيام الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي كان هو نفسه أحد أفراد هذا الحرس، فبوصول نجاد إلى الرئاسة، جلب خمسة أفراد من الحرس الثوري ليعينوا وزراء في حكومته إلى جوار عشرات النواب القادمين من الحرس نفسه. التغلغل السياسي للحرس الثوري لم يقتصر على مجلسي الوزراء والنواب، بل وصل المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يتولى مهامه علي لاريجاني ابن مؤسسة الحرس الثوري وإلى جاهز الشرطة أيضاً.

هل تجاوز نفوذ الحرس الثوري سلطة ولاية الفقيه نفسها؟

الحجم الفعلي الضخم للحرس الثوري على الساحة الداخلية الإيرانية بمختلف أوجهها، وعلى الساحة الخارجية في دول النفوذ الإيراني، بالإضافة إلى دوره شديد الفاعلية في قمع الثورة الخضراء، جعل بعض المحللين يتساءلون حول حقيقة أن الحرس قد تجاوز بقوته وسلطته قوة وسلطة ولاية الفقيه، فولاية الفقيه كانت لتسقط سريعاً وبسهولة بعيد ثورة الخميني، إثر إنقلاب عسكري متوقع من ضباط جيش الشاه، لكن الحرس الثوري الناشىء حال دون ذلك، وبهذا المعنى، فالولي الفقيه مدين للحرس الثوري الذي أسسه بوجوده. واليوم، من حيث موازين القوة، يستطيع الحرس الثوري أن يفعل ما يشاء ما زال موحداً، ولا يمكن للإمام الخامنئي أو غيره من رجال دين منظومة الولي الفقيه أن يمنعه. من جهة أخرى، يدرك قادة الحرس الثوري بغض النظر عن إيمانهم بولاية الفقيه وبالعقيدة الإسلامية الشيعية ودور ذلك في توجيه تصرفاتهم، يدركون أنهم بحاجة الغطاء الديني الذي يوفره الولي الفقيه وإلا تحولوا إلى منظومة حكم عسكرية بالحديد والنار لا تملك شرعية تذكر.

تربط بين الحرس الثوري وولاية الفقيه علاقة عضوية منذ زمن طويل، لا يمكن لأحدهم أن يستمر دون الثاني، وفي ظل فشل الثورة الشعبية أمام القمع الوحشي على يد الحرس الثوري، وغياب دلائل انقسام النظام على نفسه، يبقى هناك أمل ضئيل في أن تسفر جهود من تعتبره إيران الشيطان الأكبر، بما فيها العقوبات، على التعجيل في إحداث تغيير ما، يرخي قبضة النظام الإيراني على الوقائع السياسية والعسكرية في المنطقة الممتدة من الخليج العربي إلى البحر المتوسط، ومن قرب الحدود السورية التركية وحتى السواحل اليمنية.

تقرير: رجا أمين – تحرير: سارة اسماعيل

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.