(الحل) – «عندما تنهال القذائف فوق رأسك، تصاب بالشلل، يتوقف الزمن لحظات قبل أن تعي صوت أطفالك يصرخون باكين خائفين. في تلك اللحظات لن تفكر بشيء إلا بطريقة للهرب من هذا الجحيم. بالطبع لم أحضر أوراقي الثبوتية ولم يخطر ببالي حينها أنني سأموت جوعاً لأنني تركت ورائي بعض الأوراق الرسمية» – هالة 43 سنة.

يواجه اللاجئون في لبنان تحديات كبيرة منها محدودية الوصول إلى خدمات التعليم والمساعدات الصحية، صعوبة العثور على سكن، وعدم توفر فرص العمل. النساء والفتيات هنّ الأضعف في هذه المعادلة، خاصة إذا كنّ بمفردهن دون رجل، والذي ينظر له في مجتمعاتنا عامة وفي أماكن تجمع اللاجئين خاصة على أنه «الحامي للمرأة»، وهذا صحيح بعض الشيء إذا ما دققنا في ماهية الخطر الذي قد تتعرض له اللاجئات فهو غالباً سيكون من قبل رجل آخر.

اشتكت اللاجئات السوريات في لبنان من معاناة كبيرة تواجههن بتوفير مقومات المعيشة اليومية البسيطة، خاصة مع نقص المياه وعدم كفاية الغذاء. علاوة على ذلك، لم تقدم المنظمات الدولية حلولاً حقيقية لسد هذه الاحتياجات، حيث يقتصر الوصول للخدمات الصحية المدعومة، على اللاجئين الذين تمكنوا من التسجيل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، رغم أن أغلب النساء اللاجئات لم يجرؤن على التسجيل في المفوضية خشية أن تصل أسماءهن إلى النظام السوري، أو لعدم امتلاكهن أوراقاً ثبوتية.

 

حرمتُ الحرية في سوريا والأمومة في لبنان

تشير الدراسات إلى أن أعداد المواليد السوريين يتجاوز، شهرياً، المائة بقليل، ومع ذلك هناك العديد من الحواجز التي تمنع المرأة من الاهتمام بصحتها خاصة المتعلقة بالإنجاب، فعلى سبيل المثال تخشى اللاجئات سوء المعاملة والتمييز من قبل اللبنانيين في المراكز الصحية التي تفتقر بدورها إلى الطبيبات النساء المختصات، وما يزيد الأمر سوءاً هو الوضع القانوني المعقد للكثير من اللاجئات، وحالتهن المادية الصعبة التي تمنعهن من استشارة الطبيب أو شراء الدواء.

في مقابلة معها قالت أماني – 26 سنة «عندما وصلت إلى لبنان كنت أعاني من ألم حاد في أسفل بطني. بدأ الألم قبل عدة أيام عندما كنت معتقلة في سوريا في فرع فلسطين بعد أن قام السجان بركلي بقوة عدة مرات على منطقة البطن، وعندما حضرت مع زوجي إلى هنا حاولنا أن نرى طبيباً ولكن كنا كل يوم ننتظر عدة ساعات دون أن نتمكن من الحصول على مساعدة. عندما أصبح الألم غير محتمل جاء دوري أخيراً ولكن كان الأوان قد فات. أخبروني أن هناك مشكلة في الرحم وأن علي إجراء عملية فورية لاستئصاله. حُرمت من الحرية والكرامة في سوريا، ومن أمومتي في لبنان».

 

يضربني كي يشعر برجولته

«عندما يضربني، لا أعرف ماذا أفعل. أغطي رأسي وأتظاهر بالنوم. لا يوجد مكان آخر أذهب إليه. أنا لا أريد مشاكل هنا (أنا ما بدي إلا السترة)» – رنا 24 سنة.

غالباً ما يزداد العنف المنزلي داخل مجتمعات اللاجئين، والسوريون ليسوا استثناءً لهذه القاعدة. يلعب الرجل دوراً مهماً في المجتمع السوري كمعيل أساسي لأسرته، ولكن هذا الحال يتغير غالباً بعد أن تصبح الأسرة لاجئة في بلد غريب. غالباً ما يزداد عبء العمل على المرأة، وفي الوقت ذاته يزداد إحساس الرجل بالعجز بسبب عدم تمكنه من العثور على عمل وتأمين الدخل اللازم لعائلته، مما يزيد إحساسه بالنقص ويتسبب في ممارسات العنف الأسري، ولا سيما تجاه زوجته، كي يستعيد دوره الرئيسي في بيته كـ «رجل مسيطر ذو مكانة متفوقة» كما علمه المجتمع. ما يقوم به الرجال هو ببساطة تفريغ لكل الكبت والطاقة الموجودة داخلهم، يمارسون العنف ضد أقرب الأشخاص إليهم والذين لا يبادلون العنف بالعنف وهن طبعاً النساء، يهددونهن بإعادتهن إلى سوريا دون أولادهن إن تفوهن بكلمة أو حاولن الاعتراض.

تقول لمياء إنها قررت أن تصبر على زوجها لأنه «مخنوق» بلا عمل ولأنه أخبرها أنه سيعيدها إلى سوريا، وهي تخاف العودة بعد أن فقدت بيتها وكل أهلها هناك. أما سعاد فقد اعترفت أنها بعد كل ضربة من زوجها تذهب إلى غرفة طفلتيها وتوسعهما ضرباً حتى تهدأ «أعتقد أنني بدأت أصاب بالجنون، لقد ضربت طفلتيّ بشدة، ثم بدأت بالبكاء بعدها».

 

لا أحد في الحي يعرف أنني أرملة

بالإضافة إلى العنف المنزلي، تعاني النساء من المضايقة الجنسية وسوء المعاملة اللفظية، ومن الخوف من الاختطاف والاغتصاب. ينطبق هذا غالباً على النساء العازبات، المطلقات والأرامل. أكثر ما يؤسف أن هؤلاء النساء وفي محاولة منهن لحماية انفسهن، يقُمن بالتظاهر بأنهن متزوجات كأن يتحدثن على الهاتف مع أحد الذكور كي يقتنع من حولها بأنها متزوجة. عندما تُجبر النساء على مراقبة سلوكهن بهذه الطريقة لتلبية توقعات المجتمع، فإن هذا في حد ذاته يعتبر «عنفاً مبطناً ضد المرأة».

يلوم المجتمع في لبنان، كما في الكثير من البلدان العربية، المرأة على كونها ضحية تحرش ما، وينكر حقيقة أن المعتدي عادة يختار ضحيته بسبب ظروفها الصعبة التي تساعده على التحرش أو الاغتصاب وليس بسبب مظهرها أو ملابسها. تتعرض اللاجئات للاعتداءات والتحرش الجنسي أو محاولة الاستغلال جنسياً، وأحياناً بشكل متكرر، من قِبل أصحاب العمل وملاك المساكن وموزعي المساعدات الإنسانية. تقول ميسون البالغة من العمر51 عاماً أن السلطات السورية قتلت زوجها، وهي اليوم تنظف المنازل في لبنان لتعول نفسها وأبناءها.

«تعرضتُ لتحرش جنسي ومحاولة استغلال جنسي في البيوت التي عملت بها. قام أصحاب العمل بملامسة صدري وإكراهي على ممارسة الجنس، يقولون لي سنعطيك نقوداً أكثر إذا قدمت لنا خدمات جنسية أو أعطيتنا ابنتك. لقد أبلغت مسؤولة في مفوضية الأمم المتحدة للاجئين بإحدى الوقائع، وقد أبدت تعاطفاً معي لكنها قالت إن ليس بوسعها شيء تفعله. لم أستطع إبلاغ السلطات المحلية لأن تصريح إقامتي منتهي وليس معي نقود لأجدده».

 

التعليم حق لكل طفل وطفلة (إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان)

مع أن التعليم من الحقوق الواضحة التي نص عليها إعلان الأمم المتحدة، إلا فإن نسبة الأطفال اللاجئين الذين يذهبون إلى المدارس في لبنان لا تزيد عن %12. يعاني هؤلاء الأطفال عموماً من التحديات اللغوية المتمثلة باستخدام الفرنسية كلغة رئيسية، ومن اختلاف المناهج في المدارس اللبنانية، إلا أن هناك عقبة أخرى تواجه الطالبات بشكل خاص ألا وهي الطبيعة المحافظة لمعظم الأسر السورية، وخاصة الآباء الذين يرفضون إرسال بناتهم إلى المدارس المختلطة فيحرمونهن من التعليم كي لا يتحدثن مع زملائهم الذكور.

يتناسى الأهل مخاطر الجهل على الفتيات أنفسهن وعلى المجتمع ككل، فغالباً ما تتزوج الفتيات اللواتي تركن المدرسة في سن مبكرة، وأغلبهن لا ترسلن بناتهن إلى المدرسة، مما يخلق أجيال من الإناث غير المتعلمات. علاوة على ذلك، لن تكون هذه المرأة قادرة على تحقيق استقلالها المالي مما يعرضها أكثر لخطر الاستغلال، كما أن قدرتها على اتخاذ قرارات سليمة تخص حياتها ستتأثر لا محالة، واهتمامها بتنشأة أطفال وتعليمهم لن تكون سيتأثر بجهلها حكماً.

 

الجنس مقابل الحياة

تلجأ الكثيرات من اللاجئات السوريات في لبنان لممارسة الدعارة بسبب الحاجة للمال، ولا ينطبق هذا على النساء البالغات  فقط بل أيضاً على الصغيرات القاصرات اللواتي لا تتجاوز أعمارهن 15 سنة. ممارسة الجنس من أجل تأمين الطعام أو المسكن ليس خياراً أمام هؤلاء الضحايا بل هو نتيجة للحالة المأساوية التي يعشنها. هذا وقد وثقت منظمة «هيومن رايتس واتش» عدة حالات للدعارة القسرية في لبنان، حيث تعرضت الفتيات الشابات لعمليات تعذيب، تشويه، اغتصاب، إجهاض، وتهديد بـ «الفضيحة» ونشر صورهن عاريات، وغير ذلك من الممارسات السادية.

وذكر أحد التقارير أن هناك ما لايقل عن 45 امرأة سورية تعرضت لعنف جنسي مستمر، من بينهن 8 فتيات دون سن الثامنة عشرة، بعد أن تم استهدافهن من قبل عصابة من الشبان اللبنانيين والسوريين، بشكل مدروس ومنظم، مستغلين ظروف اللجوء الصعبة، وتراجع مستوى الدعم المقدم من الأمم المتحدة. حيث قامت العصابة بانتقاء ضحاياها معتمدة على الحالات الأشد فقراً، وعلى من فقدت زوجها أو كانت بحاجة لسكن أو عمل. قامت العصابة بحجز الفتيات وتهديدهن وتعذيبهن وإرهابهن، كما أجبرتهن على ممارسة الجنس بكافة أشكاله مع الزبائن، وبالتالي تعرضت الفتيات لعمليات اغتصاب متكررة، في حين تم تحويل بعض الفتيات من مغتصَبات إلى حارسات، وذلك مقابل إيقاف اغتصابهن من قبل الزبائن وبعض الحوافز المادية.

وقد سجل التقرير وجود 12 حارسة تحمل الجنسية السورية كنّ يقمن بتعذيب وإهانة الفتيات السوريات المحتجزات. هؤلاء الضحايا غير قادرات الآن على العودة إلى سوريا، ولا هنّ قادرات على البقاء في لبنان خوفاً من الخطف أو التصفية بعد ما شهدنه من جرائم، ولا توجد أية خدمات صحية نفسية أو جسدية كافية لمساعدتهن على تجاوز ما مررن به من أهوال.

 

الأسد زرع واللاجئون يحصدون

إن وضع السوريين في لبنان مؤلم جداً خاصة بعد أن صعّد سياسيون بارزون الدعوات إلى عودة اللاجئين إلى سوريا، مدعين أن السوريين يضرون بالاقتصاد اللبناني، مستشهدين بالأعباء التي حملها العدد الكبير للسوريين في لبنان لقطاعات الخدمات عموماً، متناسين أن اللاجئين السوريين يسهمون في اقتصاد لبنان عندما يدفعون الإيجارات المرتفعة، ويتسوقون في المتاجر اللبنانية، هذا إلى جانب مليارات الدولارات من المساعدات الإنسانية المقدمة إلى لبنان. ولكن يبدو أن ما زرعه الوجود العسكري السوري خلال عدة عقود ماضية في لبنان من بطش واذلال وعنصرية يحصده الشعب السوري اليوم على هيئة كره وانتقام وبغض وتمييز واحتقار.

 

إعداد: غالية مردم بك – تحرير: سامي صلاح

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.