سكان داريا… بين منع عودتهم لمنازلهم وقسوة ظروف النزوح الداخلي

سكان داريا… بين منع عودتهم لمنازلهم وقسوة ظروف النزوح الداخلي

تقارير (الحل) – على الرغم من مرور أكثر من عامين ونصف على سيطرة قوات النظام السوري على مدينة #داريا في ريف دمشق الغربي، إلّا أنّها حتّى اليوم تضع شروطاً غير قابلة للتطبيق مقابل عودة أهالي المدينة البالغ عددهم ٢٥٠ ألفاً قبل الثورة لمنازلهم.

سيطر جيش النظام السوري على مدينة داريا في أواخر آب من عام ٢٠١٦، وذلك بعد أن حاصر المدنيين والمقاتلين داخلها لسنوات، ما أسفر في نهاية المطاف عن اضطرار المعارضة لتوقيع اتفاق مع النظام السوري يقضي بخروجهم من مدينتهم نحو الشمال السوري، لينتهي ملف “مدينة البراميل المتفجّرة” أو “مدينة العنب والدم”، التي شهدت أقسى المجازر في تاريخ الثورة السورية.

في تناقضٍ واضح، يفرض النظام على المدنيين شروطاً تعجيزية للعودة إلى منازلهم في الوقت الذي لا يكف فيه عن الترويج لما يسميها جهود عودة النازحين واللاجئين إلى منازلهم.

تقديم طلبات وانتظار

بعد سيطرته عليها في آب ٢٠١٧ بعامٍ كامل، أعلن النظام السوري فوراً عن السماح للمدنيين من سكّان داريا بالعودة لمنازلهم، ولكن على الرغم من مرور أكثر من سنتين ونصف على السيطرة وسنة ونصف على الإعلان، لازال معظم سكّان داريا ينتظرون العودة

تقوم عملية العودة إلى داريا، عن طريق قيام المدني بتقديم طلب إلى بلدية داريا التابعة للنظام السوري، يطلب فيه المدني العودة، بعد تقديم بياناته بما في ذلك عدد أفراد العائلة وموقع السكن الحالي وموقع المنزل داخل داريا وتقديم الوثائق اللازمة.

بعد ذلك على المدني أن ينتظر صدور قوائم تشمل “المدنيين من سكّان داريا المسموح لهم بالعودة إلى منازلهم في المدينة”، وقد يأتي طلب بعض المدنيين بالرفض والبعض الآخر بالقبول.

وبحسب تقديرات النظام السوري، فإن عدد العائلات التي سُمح لها بالدخول بلغت سبع آلاف عائلة، من أصل ٢٦ ألف عائلة، حيث تنتظر نحو ١٩ ألف عائلة صدور أسمائها للدخول إلى داريا، غير أن الموافقات بالدخول لم تتم بعد.

تتم عملية الدخول عن طريق منح بطاقة دخول لكل عائلة ممن وصلت أسماؤها للمجلس بغية تسهيل عملية الدخول والخروج للأهالي والقيام بأعمال الترميم وإدخال مواد البناء.

معاناة مع النزوح الداخلي

ينقسم سكّان داريا إلى قسمين، الأول ممّن قرّروا التوجّه إلى الشمال السوري عن طريق التهجير مع المقاتلين، واستقرّوا هناك منذ ذلك الوقت حيث بدأوا أعمالهم وحياتهم الجديدة في ريفي حلب وإدلب.

أمّا القسم الثاني الذي ينتظر العودة، فيتكوّن من سكّان داريا الذين خرجوا من المدينة قبل عملية الحصار، وانتقلوا إلى مناطق أخرى أكثر أماناً تقع تحت سيطرة النظام السوري وانتشروا في مخيّمات داخلية وفي مراكز الإيواء.

ويعاني هؤلاء من ظروفٍ قاسية مع عملية النزوح الداخلي، وازدادت وطأة المعيشة عليهم مع قيام النظام السوري بإغلاق معظم مراكز الإيواء التي كانت تأويهم في العاصمة دمشق ومحيطها، ما جعل معظمهم دون مأوى بالتزامن مع الارتفاع الحاد لأسعار الآجارات في دمشق وريفها الآمن.

منذ خروجه من داريا في عام ٢٠١٥ وحتّى الآن، يعيش راجي مع أسرته البالغ عددهم ستة أشخاص في منزل مشترك مع ثلاث عائلات نازحة، اثنين منهما من داريا والثالثة في القابون.

المنزل الواقع في منطقة عشوائية في حي ركن الدين يتكوّن من ثلاث غرف تتقاسمه العائلات الثلاث، لا يحتوي على أدنى قدر من الخصوصية المعيشية، كما أنّه يفتقر لأساسيات العيش الآدمي.

يقول راجي لـ “موقع الحل”: “منذ أربعة سنوات ونحن على هذا الحال، بدّلت سكني عدّة مرات ولكن بسبب ارتفاع الآجارات فشلت في الحصول على منزل يؤوي أسرتي”.

ويضيف راجي أن كل ما يطلبه هو العودة إلى منزله في داريا والعيش فيه كما كان سابقاً، معبّراً عن غضبه الشديد من فكرة أنّه يبعد عن منزله لبضع كيلومترات ولكنّه يحتاج لما يشبه تأشيرة الدخول للعودة إلى منزله داخل وطنه.

بنى تحتية مدمّرة

كان راجي يدرك جيّداً أن منزله لم يتعرّض سوى لعمليات التعفيش (نهب الأثاث) وبعض الأضرار المادية البسيطة في الزجاج والأخشاب، ومن الممكن إصلاحه والسكن فيه مجدّداً.

غير أن حال راجي المنتظر لمنزله، لا ينسحب على حالات الكثير من المدنيين في داريا، سواء من سُمح لهم بالدخول إلى المدينة أم ممّن لم يُسمح لهم، وذلك بسبب الأضرار الجسيمة التي جعلت منازلهم أثراً بعد عين.

وسًمّيت داريا بـ “مدينة البراميل المتفجّرة” وذلك لكثرة البراميل المتفجّرة التي أسقطها النظام فوقها خلال حملته العسكرية الشرسة عليها، الأمر الذي دفع الأمم المتحدة للقول: “إن داريا هي عاصمة البراميل المتفجّرة”، حيث تشير إحصاءات صادرة عن منظمات وشبكات حقوقية إلى أن المدينة الصغيرة تلقّت نحو أربع آلاف برميلاً متفجّراً.

هذه البراميل وغيرها من أنواع الغارات الجوية والمدفعية المختلفة، خلّفت أضراراً مادية ضخمة في منازل وممتلكات الأهالي، ما جعل نسبة المنازل المدمّرة كبيرة جداً.

ومن بين هذه المنازل، كان منزل أحمد ادريس “اسم مستعار” وهو من سكّان مدينة داريا ممّن سُمح لهم بالعودة، ولكنّه تفاجئ عندما عاد مع أسرته عندما وجد أن المبنى الذي يقع منزله داخل مدمّراً بشكلٍ شبه تام، ما بدّد أحلامه بالعودة والعيش في منزله القديم.

إعداد: منار حداد – تحرير: سارة اسماعيل

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.