حملة مكافحة التهريب تضرب التجّار الصغار وتبتعد عن الحيتان

حملة مكافحة التهريب تضرب التجّار الصغار وتبتعد عن الحيتان

(الحل) – أطلقت حكومة النظام قبل نحو شهرين حملة متكاملة لما أسمته «إعلان سوريا دولة خالية من المواد المهربة»، وحددت نهاية العام الجاري الحد الأقصى لتنفيذ هذه الخطة، وصرح حينها رئيس الوزراء «عماد خميس» أن سوريا «تشهد حالة حرب وضغط على مواردها الاقتصادية ما يستدعي البحث عن كل ليرة ضائعة على الخزينة العامة، وسد كل منفذ يتسبب بعمليات التهريب».

وانطلقت دوريات #الجمارك- بعد وعيد وتهديد رئيس حكومة النظام- في الأسواق والمستودعات للبحث عن البضائع المهربة التي تشكل أكثر من 40% من موجودات السوق المحلية، فأعلنت جمارك النظام في الـ25 من شباط الماضي أن حملتها لمكافحة التهريب بلغت في أيامها الأولى أكثر من مليار و200 مليون ليرة (نحو 20 مليون دولار)، وأن أغلب البضائع المهربة تنوعت بين الألبسة والأجهزة والمعدات الصناعية ومستحضرات التجميل والمواد الغذائية ذات المنشأ التركي، فواجهت الحملة انتقادات كبيرة من التجار وأصحاب المحلات الصغيرة، متهمين الجمارك بالتركيز على تاجر المفرق عوضاً عن ملاحقة ما أسمتهم بـ«حيتان السوق» والذين يدخلون بضائعهم بالتنسيق مع حواجز ومليشيات النظام دون رقيب أو حسيب.

 

كيف تدخل البضائع المهربة؟

كشف مصدر في معبر «مورك» من جهة سيطرة المعارضة أن «جميع المواد والبضائع التي تدخل إلى مناطق سيطرة النظام من الشمال السوري، تتم بعلم النظام لا بل وبإشرافه، والدليل على ذلك أن المعبر رسمي ومعترف به من طرف النظام والمعارضة معاً، إذ تم افتتاح المعبر بوساطة تجار لهم علاقات مع النظام، وهو المسؤولين عن إدخال البضائع التركية بشتى أنواعها إلى مناطق النظام».

وأضاف المصدر لموقع «الحل» أن «البضائع التركية تدخل من معبريّ (باب الهوى في إدلب، وباب السلامة في حلب)، ومن ثم تنتقل إلى المعابر في المناطق الفاصلة بين النظام والمعارضة، وهناك يتم إدخالها عن طريق ميليشيات #النظام، مقابل فرض أتاوات عن كل شاحنة، والتي قد تصل إلى مليوني ليرة على السيارة الواحدة» وهذا وحده مدخل للنهب والكسب غير المشروع الذي يتسابق عليه مختلف الجهات، ومن استلم أحد هذه الحواجز كأنه فتح مشروعاً مربحاً دون رأس المال.

 

حملات على صغار التجار!

وقال «فراس» وهو أحد أصحاب المحلات في العاصمة #دمشق «في السوق توجد بضائع يقدر ثمنها بمليارات الليرات، وجميعها مهددة بالمصادرة، فالنظام والجمارك قاموا بخداع التجار أمثالنا، بعد سماحهم بإدخال البضائع التركية وإغراق السوق بها، بعد حصولهم على حصتهم منها، والآن يطلقون حملات عدة مهددين إما بمصادرتها؛ أو المصالحة عليها ودفع ضرائب جديدة عليها؛ وبالتالي هم الرابحين بكلا الحالتين».

وأوضح فراس لموقع «الحل» أن «أصحاب المحلات يلجؤون إلى البضائع التركية لجودتها، ومعقولية أسعارها، مقارنة بالبضائع المحلية الرديئة ذات الجودة المنخفضة، فتلك البضائع نشّطت حركة السوق، وعمليات البيع والشراء لدى الناس».

من جهته، يرى تاجر المواد الغذائية «أبو محمد» في ريف دمشق أن «النظام يعتمد على #التهريب لتغطية احتياجات السوق، والتحايل على العقوبات الاقتصادية، فعندما يريد النظام والجمارك منع المواد المهربة فليتجهوا إلى المعابر التي يديرها التجار الكبار الذين يدخلون هذه المواد ويتقاضون عليها أرباح طائلة دون رقيب»، ويبدو واضحاً أن أكثر المستفيدين هم شبكة #الفساد في الإدارات العامة للجمارك، لأنهم عند إدخال المواد يأخذون حصتهم، ولدى توزيعها على صغار التجار يطلبون حصتهم من أجل غض النظر، وحين الحملات تزداد حصتهم حسب مرتبة التاجر ونوعية البضاعة.

 

هل فشلت حملة الجمارك؟

على الرغم من إعطاء مديرية الجمارك الصلاحية المطلقة في دخول المصانع والمنشآت والمستودعات التجارية للكشف عن المواد المهربة ومصادرتها، إلا أن الحملة اصطدمت بحواجز عدّة، أولها الانتقادات التي طالتها من الفعاليات الصناعية والتجارية لهذه الخطوة، إذ انتقد عضو برلمان النظام «صفوان قربي» حملة الجمارك الأخيرة في الأسواق السورية، وأكد أن «الدوريات باتت تنشر الرعب بهدف الابتزاز الشخصي»، مضيفاً في تصريحاته لصحيفة «الوطن» الموالية للنظام، أن «الفوضى تعمّ حالياً جهاز الجمارك لأن الكثير من موظفيه يسعون للمنفعة الشخصية قبل مصالح الدائرة واقتصاد الوطن، وأن الابتزاز هو العنوان الأساسي لمعظم العاملين، سواء في الدوريات المنتشرة على الطرقات أو التي تقتحم المستودعات والمحال».

ولعل السبب الثاني في توقف حملة الجمارك يعود إلى سطوة المليشيات والتجار النافذين لدى النظام، حيث منعت المليشيات المتواجدة في بلدة «قمحانة» بريف حماة في نهاية شباط الماضي التي تعد مركزاً للتهريب دوريات الجمارك من الدخول إلى المنطقة، لتعود إليها بعد يومين بأكثر من 100 سيارة وعشرات العناصر لتجد المستودعات فارغة.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تلاها في شهر آذار تراجع وزير داخلية النظام «محمد الرحمون» عن قرار حظر التعامل مع أكثر الشخصيات السورية نفوذاً في مجال التهريب المدعو «خضر طاهر»، والذي يدير ويشرف على معابر عدّة في حلب ويقوم من خلالها بإدخال البضائع المهربة من مناطق المعارضة إلى النظام، والذي ذكره رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية «فارس الشهابي» بالاسم، معتبراً إياه من الأشخاص الذين يفرضون الأتاوات ويحاربون الصناعة الوطنية، ويدخلون البضائع من مناطق «الإرهابيين» بحسب وصفه.

 

استياء دون نتيجة

وكانت الضربة القاضية لمديرية الجمارك الشهر الماضي، عندما أقدم أحد الضباط الكبار في مديرية الجمارك التابعة للنظام السوري على الهرب إلى خارج البلاد بعد سرقته لمبالغ مالية ضخمة.

وذكر موقع «صاحبة الجلالة» المقرب من النظام أن «النقيب (تمام إبراهيم) العامل في شعبة مكافحة التهريب العامة بدمشق تمكَّن من الهرب إلى قبرص بعد سرقته لأكثر من ثلاثة مليارات ليرة سورية».

رغم آهات التجّار الصغار، لم يؤثر استياء الأوساط التجارية في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام من ممارسات الجمارك هذه، وكانت النتيجة ظهور شبكات فساد جديدة أبطالها ضباط وموظفين من داخل النظام في إدارات الجمارك، وفي الموانئ ومختلف المعابر الحدودية سواء التي ما تزال خاضعة لسيطرة النظام؛ أو تلك التي تحت سيطرة المعارضة من الجهة المقابلة له، مهمتها جني الأموال غير المشروع بكل السبل.

 

إعداد: حسام صالح – تحرير: معتصم الطويل

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.