بغداد – علي الكرملي

 في العراق، ومنذ زمن بعيد وحتى اليوم، لا تزال (الأسماء المستعارة) تُستَخدَم وبِحَيِّزٍ كبير، يمتد تاريخ الكتابة بأسماء مستعارة تُخَبَّئ تحت غطائِها المُسَمَّيات الحقيقية، إلى فترة ما قبل تأسيس #الدولة_العراقية عام 1920، أَي منذ عهد حكم العُثمانيين.

غير معروف فعلياً من الذي كتبَ أولَ مرَّةٍ تحت اسم مُستَعار، لكن ما يُمكن ترجيحُهُ أن الأب “انستانس ماري الكرملي”، الراهب المسيحي وأوَّلُ صحفي عراقي، هو من اوائل الذين كَتَبوا بأسماء غير صريحة؛ ذلك نتيجة معارضته لحكم الدولة العثمانية وسياساتها في العراق آنذاك.

بُعَيدَ انتهاء سيطرة العُثمانيين على يَدِ #البريطانيين، وتأسيس الدولة العراقية، لم تقف تلك الظاهرة، بل استمرَّت وازدادَت بشكلٍ ملحوظ أكثر من السابق، لعدة أسباب تختلف وتتقارَب وتتَباعَد، لكنَّ الأساسَ هُوَ السياسة.

«الفترَةُ الأكثر استخداماً للأسماء المُستعارة من قبل الصحفيين والكُتَّاب كانت هي في عهد حكم #حزب_البعث للعراق الممتدة نحو 35 عاماً بين 1968 و 2003، نتيجة السياسة القمعيَّة التي كان يُمارِسُها النظام السياسي الحاكم في تلك الفترة» وفقَ حديث أستاذة التاريخ في الثمانينيات، والصحفيَّة “سلوى زكّو” لـ (الحل العراق).

الصحفيَّة العراقية “سلوى زكّو”

«إن أكثر فئة كتَبَت واستخدمَت أسماء غير صريحَة هم (الشيوعيين)، أغلَبَ المنتمين لذلك الحزب كتَبوا بأسماء مستعارة، نتيجة البطش المُمارس والمُمنهج بحقهم من قبل السلطة الحاكمة التي كانت تعتبر أول حزب معارض ومُعادٍ لها».

 «اعتقَلَت الكثيرَ منهم وعذَّبَت وعاقَبَت كل من يُبدي برأيِهِ في أصغر شاردة أو واردة، مما اضطرهم (وأَنا منهم) إلى الانجرار نحو الكتابة بأسماء غير صريحة حفاظاً على حياتهم»، تقول “زكّو” التي كانت منتميةً لـ #الحزب_الشيوعي_العراقي طوال 40 عاماً.

بعد انجلاء حكم حزب البعث إثر التغيير الذي حدَث على يد #أميركا في عام 2003، كانَت الأسماء المُستَعارَة قد استمرَّت لكن هذه المرَّة ليسَت فقط للكُتَّاب، بل صارَ يستخدمُها عامَّة الناس في حيواتهم اليَومِيَّة، نتيجَة #الحرب_الأهلية (الطائفية) التي امتدَّت من ٣ – ٤ سنوات بينَ عامَي (2005 و 2009).

«كُنتُ أحمِلُ اسمَين وَهَوِيَّتَيْن (حُسَين، وعُثمان) الأول هو إسمي الصريح، أما الثاني فهُوَ المُستَعار»، يقول “حسين التميمي” لـ (الحل العراق)، ويُضيف، «لم يكن ذلك برغبة مني، بل هي الظروف الحياتيَّة في ذلك الوقت هي التي حتَّمَت علَيَّ أن افعَلَ ذلك؛ بخاصّة في سنوات 2006 و 2007 الأكثر اشتداداً طائفياً».

«كنت عندما أدخل منطقة (شيعيَّة) أُبرِزُ هوِيَّتي الصريحة، وعندما أدخل أُخرى (سُنِّيَّةً) أُخرِجُ لهم هويَّتي التي تحملُ اسمَ عُثمان، وذلكَ من أجل حماية نفسي وَحَياتي»، يُوَضِّح “التميمي”.

الكاتب العراقي “حسين التميمي”

بعد انتهاء الحرب الأهليَّة ودخول العراق مرحلة استقرار نسبي، بخاصَّة بعدَ خروج #القوات_الأميركية من البلاد عام 2011، توقَّفَت تلك الموجةَ مُدَّةً، لكنها سُرعانَ ما عادَت تطفو إلى السطح من جديد، ولكن هذه المرّة بطريقة مختلفة عن المرَّتَين الماضِيَتَيْن، طريقةٌ تكنولوجيَّة.

دخول الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى إلى #العراق كلُّها دُفعَةً واحِدَة، جعلَت من الناس أن تُسارعَ لاستخدامها واستكشافها، وهنا بدأت مرحلة الأسماء غير الصريحة أيضاً، ولكنها ليسَت بداعي الخوف كما سابِقَتَيْها، بل لأمرٍ آخَر.

“سالي عادل”، وهي طالبة جامعيَّة كانَت تستخدمُ حسابها في #فيس_بوك عن طريق اسم «نوتيلا نوتيلا»، لا عن طريق اسمها الصريح، تقول في حديثها لـ (الحل العراق)، «أنها لم تَكُن تَخافُ أَو تَأبَهَ من شيء، إنَّما هي كانَت (موضة) أَو أشبَهَ بطريقة للدلَع، فَيُسَمي المستخدمون حساباتهم بتلك الطريقة».

«منهم من يكتب (ملك الإحساس والوَسيم)، ومن الإناث من تكتبُ اسمُها بـ (أميرة زماني، و وراءَ صمتي حكاية) وغيرُها، كُلٌّ يُعَبِّرُ عمّا في خاطرِهِ، أما أنا فـ لأنّي أرى نفسي جميلَة (حُلُوَة) أسميتُ نفسي بـ (نوتيلا نوتيلا) تشبيهاً وتعبيراً عن حَلاوَة (النوتيلا) ومذاقها اللذيذ»، تُضيف الطالبة الجامعية.

في العامَينِ الأَخيرَين، تغيَّرَت تلك الطريقة من (الموضة) وأَمسَت تسلكُ مسلَكاً آخَر، إذ صارَ المستخدمون (الرقميون) يستخدمون الأسماء المُستعارَة في حسابات وهمِيَّة لا تُعَبّرُ عن مسمياتهم الحقيقيَّة ولا تجدُ لهم أثراً، (كلا الجنسَين) يفعل ذلك من أجل الابتزاز الإلكتروني، والجرائم الإلكترونية، حتى أن مؤسسات الدولة المعنية بدأَت تنتبه نحوَها وتقيم العديد من الورش والندوات التوعوية، ووضَعَت أرقاماً خاصَّة بـ #الجرائم_الالكترونية والابتزاز الالكتروني.


الصورة الرئيسة تعبيرية- أرشيف

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.