لبنان (الحل) – إن كان #حزب_الله مسيطراً على لبنان اليوم، فإن هذه السيطرة لم تأتِ دون تغطية سنية ومسيحية ما، كانت ضرورية في فترات سابقة حين اشتد الضغط على الحزب وصار مصيره في اللعبة السياسية اللبنانية على المحك.

التغطية السنية تشكلت من الأطراف السنية اللبنانية الموالية تقليدياً للنظام السوري، مثل آل كرامي وآل ميقاتي في طرابلس، وآل السعد في صيدا، وعبد الرحيم مراد في البقاع، ومن يسمون بـ”سنة حزب الله” ومعهم جوقة من رجال الدين الذين يسوقون لسياسات النظام السوري وحزب الله.

أما مسيحياً، ومارونياً بالتحديد، أي عند الطائفة الأولى والأكبر بين المسيحيين، فالحليف التقليدي منها لحزب الله وللنظام السوري كان آل #فرنجية الذين حافظوا على وجودهم في مجلس النواب عبر تيارهم السياسي المسمى بالمردة على مدى عقود طويلة منذ ما قبل الحرب الأهلية، وكان لهم حضور في رئاسة الجمهورية سابقاً، بينما يحضر الوريث الحالي للعائلة سليمان فرنجية نفسه اليوم لمعركة رئاسة الجمهورية المقبلة، ولكن يبقى حجم ودور آل فرنجية على تميزه محصوراً بشكل خاص في منطقة شمال لبنان، وضعيف التأثير (3 نواب حالياً)، غير قادر على تغطية حزب الله مسيحياً حين اللزوم.

عدو الأمس

الدعم المسيحي الأبرز على الساحة اللبنانية لحزب الله الذي كان وما زال يمثل رأس حربة النظام السوري في لبنان، والذي أتى من حيث لم يتوقع أحد، كان دعم التيار الوطني الحر برئاسة ميشال عون وقتها، فحين كان الاستقطاب الوطني، والسني الشيعي على أشده في لبنان عقب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، تصرف ميشال عون العائد حديثاً من منفاه الفرنسي الذي استمر قرابة 15 عاماً على نحو لم يتوقعه أحد، مخالفاً لكل خطاب ونهج هذا الزعيم المسيحي الذي أسس وقاد أحد أكبر التيارات السياسية المسيحية في لبنان.

ولد عون سنة 1935 وتطوع في عمر العشرين في الجيش اللبناني، متخصصاً في المدفعية، وتدرج في الجيش مشاركاً في التخطيط لحصار مخيم تل الزعتر في بدايات الحرب الأهلية اللبنانية، وصولاً إلى استلام قيادة سلاح المدفعية، ثم قيادة الجيش اللبناني سنة 1984.

بنهاية ولاية الرئيس أمين الجميل الذي انتخب مكان أخوه بشير الذي تم اغتياله قبيل استلامه الحكم، واجه أمين مأزقاً دستورياً، إذ تعذر انتخاب رئيس للجمهورية، ففضل الجميل أن يسلم السلطة إلى عون الذي ترأس حكومة عسكرية سنة 19988، بينما بقيت الحكومة المدنية برئاسة سليم الحص والموالية للنظام السوري بشكل أو بآخر، فكان لكل طرف تفسيره الخاص للدستور وقتها.

الطائف واجتياح القصر الجمهوري

أعلن عون حرب التحرير ضد الجيش السوري في لبنان موجهاً تهديدات شخصية وعلنية غير مسبوقة لحافظ الأسد، وتلقى دعماً كبيراً من عراق #صدام_حسين ومنظمة التحرير الفلسطينية، فكان فعله هذه على تهوره، منسجماً مع خطابه الحاد ضد النظام السوري واحتلاله للبنان، وسبباً في التفاف اللبنانيين عامةً والمسيحيين منهم خاصةً حوله، ولكن تغير موازين القوى دولياً واجتياح العراق للكويت عجل في عقد مؤتمر الطائف الذي أفرز الأساس السياسي لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية على أساس إتفاق الطائف.

انتخب لرئاسة لبنان رينيه معوض الذي اغتيل سريعاً فخلفه الياس الهراوي، وفي الحالتين رفض عون الاعتراف بهما كرؤوساء للبنان، مما أعطى إشارات قوية عن مطامحه الرئاسية وتمسكه بالسلطة التي وصل إليها عن طريق الجيش. رافضاً في الوقت عينه #اتفاق_الطائف ومصراً على التمسك بموقفه معولاً على ضغوط أجنبية فرنسية وأميركية تدعمه، ومسيئاً قراءة المتغيرات الإقليمية والدولية الحاصلة منذ اجتياح الكويت، فبقي على هذه الحال حتى اجتاح جيش النظام السوري بمساندة قسم من الجيش اللبناني تحت قيادة إميل لحود القصر الجمهوري في بعبدا مستعيناً بسلاح الجو السوري في حدث نادر، وليهرب عون إلى السفارة الفرنسية مخلفاً وراءه زوجته وبناته.

مرحلة اللجوء إلى فرنسا

خلال اجتياح جيش النظام السوري لقصر بعبدا سقط المئات من العناصر الموالية لعون قتلى وأسر عدد كبير منهم، بعضهم نقل إلى سوريا، التي أطلق نظامها بعضهم وتحفظ على بعضهم الآخر حتى اليوم، ما فاقم العداوة بين عون والنظام السوري.

عون الذي لجئ إلى فرنسا شكل بشخصه وبالتيار الذي تشكل خلفه من عسكريين ومدنيين في لبنان حالة مميزة في التصدي للإحتلال السوري وهيمنته في لبنان، وقد تعزز دور هذا التيار مع محاكمة وسجن سمير جعجع الزعيم المسيحي البارز للقوات اللبنانية والتضييق على مناصريه الذين يعدون واحدة من الحالات المسيحية الأبرز في وجه السوريين.

استكمل قائد الجيش الطامع بالسلطة نضاله ضد النظام السوري من منفاه عبر وسائل الإعلام وإعادة تنظيم مناضريه وجمهوره في الداخل اللبناني لتنفيذ تحركات اعتراضية رافضة للاحتلال، فكانت مقابلاته التلفزيونية وخطاباته الموجهة لمناصريه شديدة اللهجة بحق النظام السوري، بسقف عالٍ ومن غير أي مهادنة أو تدوير للزوايا، وانسحب ما يقوله بحق النظام السوري على حزب الله وسلاحه الميليشياوي خارج نطاق الدولة وحصرية السلاح بيد الجيش الذي يعتبره عون المؤسسة الأعز على قلبه.

قانون محاسبة سوريا

يعتبر بعضهم أن عون توج نضاله ضد النظام السوري بمساهمته في العمل على “قانون محاسبة سوريا”، فقد ضغط عون من خلال اللوبي اللبناني في أميركا، وعلاقاته الديبلوماسية التي نسجها على مدى سنوات دافعاً نحو إصدار القانون، وقدم أيضاً شهادته للكونغرس الأميركي متهماً النظام السوري لإفتعال المشكال في لبنان والتدخل لحلها لتبرير وجوده، محولاً – أي النظام – لبنان إلى أرض خصبة للإرهاب، وأن لبنان أمسى “عبداً يعمل على خدمة الدكتاتورية”، فتحول “في ظل الإحتلال السوري بلداً تنتهك فيه حقوق الإنسان ويتم فيه اغتيال الديبلوماسيين والصحافيين”.

انعطافة مفاجئة

رغم كل ذلك، وعلى خلفية احتقار عميق يكنه ميشال عون إلى زعماء الأحزاب والتيارات السياسية في لبنان، وهم في غالبيتهم زعماء الحرب الأهلية، ومع تعطش هائل إلى السلطة ظهرت علاماته في أكثر من مناسبة، جعله يتقبّل حزب الله الذي سبق له وأن هاجمه بشراسة على مدى سنوات معتبراً سلاحه خروجاً عن الشرعية وأنه خادم للنظام السوري المحتل في لبنان… تحالف عون العائد من المنفى مع حزب الله وغطاه في حرب تموز التي افتعلها مع إسرائيل وجلبت الدمار إلى لبنان، بناءاً على مصلحة مشتركة.

عون يغطي حزب الله مسيحياً على رأس تيار هو الأكبر شعبياً بين المسيحيين، وحزب الله يشكل ضمانة وصول عون إلى السلطة، الأمر الذي تأخر أكثر من 10 أعوام حتى وصل الحالم القديم بالكرسي الرئاسي ومعطل البلد لسنوات بفراغ كرسي الرئاسة على مبدأ “أنا أو لا أحد” إلى قصر بعبدا ليشكل خادماً مطيعاً هو وتياره لحزب الله ولرغبات النظام السوري.

تقرير: رجا أمين – تحرير: سارة اسماعيل

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.