لبنان (الحل) – بحسب الدستور اللبناني المعمول به حالياً، تبلغ مدة ولاية رئيس الجمهورية في لبنان 6 سنوات، غير قابلة للتمديد أو التجديد، ولا يجوز إعادة إنتخاب الشخص ذاته قبل إنقضاء ست سنوات على نهاية ولايته الأولى. مناسبة هذا الحديث هو تباشير معركة رئاسة الجمهوية المقبلة رغم أن الرئيس الحالي لم يكمل نصف ولايته حتى الآن -فهو بدء عهده في تشرين الأول 2016- ومع الأخذ بعين الاعتبار أن ميشال عون قد لا يكمل ولايته الحالية نظراً لتقدمه في العمر (84 سنة)، وتسرب شائعات تطال حالته الصحية. أو على العكس من ذلك، أن يكمل ولايته وأن يعدل الدستور ليمدد لنفسه نصف ولاية أخرى من 3 سنوات، على خطى الرئيسين الأسبقين الياس الهراوي وإميل لحود.

وإن كان من حديث عن معركة ناعمة مبكرة على منصب رئيس الجمهورية، فهي تفترض مرشحين معروفين من قبل جميع المعنيين بالسياسة اللبنانية هما جبران باسيل صهر الرئيس الحالي، ورئيس التيار الوطني الحر ووزير الخارجية، وسليمان فرنجية حفيد رئيس الجمهورية الأسبق الذي يحمل الاسم نفسه ورئيس تيار المردة والوزير السابق، بالإضافة إلى أي مرشح ثالث غير متوقع من الصف الثاني، أو مرشح غير معروف على قاعدة ساخرة شائعة في لبنان تقول أن “كل ماروني بالغ هو مرشح لرئاسة الجمهورية”.

للناظر من بعيد للمشهد السياسي اللبناني لا فرق جوهري بين المرشحين الرئيسيين، خاصة في العلاقة مع النظام السوري والموقف من ثورة شعبه المقموعة، فباسيل على علاقة جيدة بحزب الله، وينادي علناً بإعادة العلاقات مع الأسد، وهو كان التقى بنفسه بوزير خارجية النظام وليد المعلم دون أدنى مراعاة لتوجهات الحكومة اللبنانية.
أما فرنجية المرشح الرائسي السابق في وجه ميشال عون والذي تلقى من سعد الحريري دعماً لم يكن كافياً لوصوله إلى رئاسة الجمهورية لافتقاده دعم حزب الله الذي بقي وفياً لعون، فهو ابن عائلة تتمتع بعلاقات شخصية وعائلية مع آل الأسد منذ قرابة نصف قرن، وسليمان فرنجية كان على صلة وثيقة بباسل الأسد ثم ببشار الأسد قبل أن يكون لأغلب السياسيين اللبنانيين علاقة بواحد منهما، بالإضافة إلى تأييده الذي لا شك فيه لحزب الله.

يعمل باسيل ليل نهار لتعزيز مواقعه وإضعاف خصومه السياسيين، بل وحلفاءه أيضاً، دون أي وازع أو شبهة خجل، ولا يهتم لكم العداوات التي يراكمها في مشهد لم تألفه الساحة السياسية اللبنانية، قوامه خطاب شعبوي بالغ الطهرانية مناد بالفضائل، في وقت يعلم فيه أغلب اللبنانيين تورط صاحبه في صفقات فساد تبدأ بسفن التغذية الكهربائية ولا تنتهي في شركات الاتصالات والمقاولات ومكبات النفايات، حتى بات يشكل نموذجاً يثير إعجاب مؤيديه من العونيين الذين يبررون ويفندون كل خطاباته ببراغماتية وميكيافيلية عجيبة، تحول الصالح طالحاً والشر خيراً.
أما فرنجية الذي عرف بكرهه لباسيل في أكثر من مناسبة، فقد بدأ بإعداد ابنه طوني لخلافته على رأس تيار المردة، ويبدو سلوكه أكثر صمتاً، وخطواته نحو القصر الجمهوري في بعبدا تطغى عليها الهدوء، دون اللجوء إلى خطابات شعبوية كمنافسه اللدود باسيل، ولكن في الوقت نفسه، وعلى الرغم من محدودية شعبية تياره المناطقي في وجه التيار الوطني الحر العابر للمناطق المسيحية، أقدم خلال الأشهر الماضية على مصالحتين كبيرتين، الأولى مع عدوه التاريخي المتهم بقتله طوني فرنجية والد سليمان فرنجية مع زوجته وابنته، أي سمير جعجع قائد القوات اللبنانية ثاني أكبر ممثل سياسي للمسيحيين في لبنان بعد التيار الوطني الحر، والثانية مع حزب الكتائب الأقرب إلى القوات منه إلى المردة، وصاحب العداوة القديمة الملوثة أيضاً بالدماء مع آل فرنجية ومناصريهم في شمال لبنان.

المرشح الثالث الخفي الظاهر، والذي لا يملك من الحظوظ إلا حظوظ حدوث أعجوبة ما، هو قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، فهو أحد أكثر القادة المسيحيين شعبية، وغالباً ما يحل في المركز الثاني بعد عون، مستنداً إلى مضاعفة كتلة حزبه البرلمانية في الانتخابات الأخيرة قبل عام، وإلى دوره الأساس في وصول عون إلى كرسي الرئاسة. فصحيح أن حزب الله أصر على ترشيح عون تحت شعار عون أو لا أحد، بينما فضل سعد الحريري دعم فرنجية الذي بقيت حظوظه منخفضة بسبب عدم حصوله على تأييد حزب الله المخلص لعون، إلا أن وصول عون إلى الرئاسة لم يتم إلا بخطوة غير متوقعة من سمير جعجع، تمثلت في تبنيه ترشيح عون ما أفضى إلى حلحلة الفراغ الرئاسي الطويل، ووصول عون إلى رئاسة الجمهوية على أساس ورقة تفاهم بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر ما لبث جبران باسيل أن انقلب عليها بمباركة صامتة من عمه.

ما يمحي حظوظ جعجع هو وصمة التعامل مع إسرائيل أيام ميليشيا القوات اللبنانية خلال الحرب الأهلية، وهو الخطيئة التي تشكل خطاً أحمراً في عرف حزب الله المتحكم بالحياة السياسية والسلطة في لبنان، ورغم تقرب القوات الأخير من حزب الله عىل خلفية مكافحة الفساد وملفات خدمية، ورغم مديح خجول كاله نصرالله في خطابه للقوات دون أن يسميهم، تبقة موافقة حزب الله على ترشح سمير جعجع إلى رئاسة الجمهورية أمراً يحتاج إلى معجزة، ومعجزة من الحجم الكبير.

لا يبقى في ساحة المرشحين إلا جبران باسيل وسليمان فرنجية، والرجلان الصغيرين في العمر مقارنة بالعمر المعتاد لرؤوساء الجمهورية في لبنان واللذان يحتكران أغلب الحظوظ في رئاسة الجمهورية يبدوان كخيارين أحلاهما مر، خاصة بالنسبة لأحرار لبنان ولمعارضي نظام الأسد في سوريا وفي لبنان، ولكن فرنجية بحسب بعض المتابعين، ورغم علاقته التاريخية بآل الأسد، يبقى أقل فساداً وخبثاً من باسيل، ويحسب له أنه بعيد عن الخطاب العنصري والتحريضي بحسب اللاجئين السوريين، على الرغم من أطباعه النزقة.

رجا أمين

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.