(الحل) – تستمر حكومة النظام بالعمل على إنجاز المشاريع العمرانية الجديدة في أحياء العاصمة #دمشق، بعد أن مهدّت لها بشكل كبير من خلال سنّ قوانين خاصة “على المقاس”، وتقديم التسهيلات لشركات خاصة يديرها مسؤولون نافذون ومقربون من السلطة.

ولم تكتف الحكومة ببناء هذه المشاريع بل أصرّت على تغيير معالم أحياء كاملة في العاصمة ومحو تفاصيلها، إذ صرّح عضو المكتب التنفيذي في محافظة دمشق فيصل سرور لإحدى الإذاعات المحلية أنّ أسماء ” #القدم، و #العسالي” لم يعد لها وجود، وأصبح اسم المنطقة “باسيليا سيتي”، وهو المشروع العمراني الكبير، الذي يتم العمل على تنفيذها بأسرع وقت.

أسماء سريانية ومخططات “جهنميّة”
اختارت محافظة دمشق أسماء المشاريع التي تعمل عليها من اللغة السريانية، فأطلقت اسم “ماروتا سيتي” (مدينة السيادة) على منطقة “بساتين الرازي الممتدة إلى #كفر_سوسة”، وأطلقت اسم “باسيليا سيتي” (الجنة) على المشروع الذي تقرر إقامته في مناطق القدم، العسالي، وأجزاء من مدينة #داريا.
وبحسب الموقع الخاص بمشروع “ماروتا سيتي” فإنّ هذه التسميات تأتي كـ “شواهد لقدرة السوريين على إعمار بلدهم والتفنن في المزج بين كل ما مرّ عليهم من جمال وحضارات، مؤكدين نبذهم للظلام والتطرف والحرب، ولتكون أيضاً النقطة التي يظهر منها الإبداع السوري، لينتقل إلى محافظات أخرى، في إشارةٍ لإمكانية تنفيذ مشاريع مشابهة في مناطق سوريّة خارج العاصمة، الأمر الذي يُنذر بخطر محدق بالسوريين الذين تدّمرت مدنهم، وأصبحوا لا يملكون منها سوى الاسم المدون على بطاقاتهم الشخصية.

مراسيم وقرارات “على المقاس”
المهندسة والمخططة المعمارية سوسن أبو زين الدين تحدثت “للحل” عن هذه المشاريع وقالت: “بدأت حكومة النظام بتطبيق المرسوم 66 الذي يخص التعامل مع مناطق العشوائيات في سوريا، وحدد منطقتين تنظيميتين الأولى “ماروتا سيتي” والثانية “باسيليا سيتي” والتي تشمل حيي القدم والعسالي وأجزاء من مدينة داريا.
وسخّرت حكومة النظام القرارات والمراسيم الصادرة عنها “لهضم” حقوق شريحة كبيرة من السوريين، الذين لا يستطيعون الوصول إلى مؤسسات الدولة، من المعتقلين والمعارضين أو حتى المهجّرين إلى مناطق سيطرة المعارضة أو اللاجئين إلى دول مختلفة، وتقدر أعداد هذه الفئات بنصف سكان سوريا، حسب قولها.

وتتوقع أبو زين الدين أن تقوم حكومة النظام بالإعلان عن مشاريع جديدة في مناطق أخرى في العاصمة وريفها، خصوصاً وأنّ المرسوم 10 من عام 2018 يتيح ذلك بكل أريحية، إذ يمكن للمجالس المحلية تحديد أي منطقة على أنّها ضمن مناطق إعادة الإعمار دون النظر لوضعها العام ونسبة تضررها من الحرب.

عقوبات للمعارضين وسياسات متباينة

المخططة المعمارية أشارت إلى أنّ موضوع التعامل مع مناطق العشوائيات أساساً موضوع إشكالي في سوريا، وكان هناك كلام عن تحسين العشوائيات بدلاً من هدمها وإعادة بنائها منذ عام 2000، لكن على ما يبدو بعد اندلاع الاحتجاجات، بات التعامل مع العشوائيات سياسة قمعية، خصوصاً في المناطق التي خرجت بنشاطات معارضة بشكل او بآخر، وأصبح الخيار بالنسبة لها واضحاً بتهديمها وإعادة بنائها، تحت مسمى “تطوير العشوائيات”.

وتابعت “المناطق التي تم استهدافها بهذه المشاريع هي حصراً مناطق ذات موقع استراتيجي و اقتصادي مميز، وقريبة من القلب الحيوي للمدينة، (الجامعات والوزارات، المشافي، وغيرها)، إضافةً لذلك فقد اختيرت كونها عقوبة للمعارضين بسبب خروجهم ضد النظام إذ أنه لم يتم تطبيق مثل هذه المشاريع في مناطق عشوائيات لم تشارك بنشاطات مناوئة للنظام أو كانت هادئة نسبياً، وهي كثيرة داخل وفي محيط العاصمة.

وبالتالي فإنّ حكومة النظام تستفيد من الأمرين بتنفيذ هذه المشاريع، تطبيق العقاب على المعارضين، وتحقيق المصالح الاستراتيجية والاقتصادية بشكل يخدم شريحة “النخبة الاقتصادية”، إذ أنّها الشريحة الوحيدة القادرة على الاستفادة من هذه المشاريع المكلفة للغاية.

هل ستكون هذه المشاريع كسابقاتها من مشاريع النظام؟
وعند سؤالها عن جديّة حكومة النظام في تنفيذ هذه المشاريع قالت أبو زين الدين: “من يعمل على هذا التطوير العقاري شركات عقارية خاصة، استفادت من مرسوم أصدرته حكومة النظام ينص على إعطاء الصلاحية للمجالس المحلية للمدن بأن تستحدث شركات عقارية خاصة مهمتها تنفيذ مشاريع التطوير العقاري وإدارة المنشآت التي تُجهز في كل منطقة على حدى.

وتابعت المهندسة “هذه الشركات تأخذ صفة القطاع الخاص لكنّها في ذات الوقت تستفيد من ميزات القطاع العام مثل عدم دفع ضرائب كبيرة، والحصول على صلاحيات عمل واسعة، كونها تُدار من قبل شخصيات مُقربة من مسؤولين رفيعي المستوى في النظام، أبرزهم سامر الفوز ومازن الترزي، وغيرهم من المسؤولين ورجال الأعمال المقربين من النظام.

و لا تستبعد أبو زين الدين نجاح المشاريع معمارياً، إلّا أنّها أشارت إلى أنّه بالنظر إلى العدالة الاجتماعية وحقوق مالكين، فهي ليست مشاريع ناجحة أبداً، لأنّه يتم العمل عليها لتكون جاهزة “للنخب الاقتصادية”، وليس لإعادتها بشكل أفضل لأصحابها الأصليين، الذين خسروها بفضل ممارسات النظام، من المصادرة والاستملاك إلى القصف والتدمير.
وتابعت “للأسف هذا النموذج في تنفيذ التطوير العقاري بعد الحروب موجود ومُطبق مسبقاً، وأقرب مثال هو أسواق #بيروت، التي أصبحت حكراً على الأغنياء والمسؤولين، بعد أن كانت القلب الحيوي للمدينة”.

ظلم المالكين وفوضى جديدة
وبحسب أبو زين الدين، فلا شك أنّ حكومة النظام كان بإمكانها العمل على مشاريع أخرى تحفظ حقوق السكان، ويمكن للسوريين البسطاء الاستفادة منها، وتكون متوافقة مع مقدرتهم الاقتصادية، وتجعلها ضمن قوانين وبنية تشريعية ناظمة بدون حواجز قانونية معقّدة، كما حصل في “ماروتا سيتي” و “باسيليا سيتي”، حيث اقتصرت على النافذين والقادرين على الوصول إلى المفاصل الأمنية والسياسية في النظام بسهولة.

وتابعت “شكل العاصمة سوف يتأثر بشكل مؤكد جراء هذه المشاريع العمرانية، التي لا تشبه النسيج العمراني الموجود حالياً، وهي أقرب ما تكون إلى “ماليزيا جديدة”، وهو أمر يضيف تعقيداً جديداً على الواقع العمراني –المتردِ أساساً- في دمشق، كما أنّه سيكون زيادة في الفوضى الموجودة.

في حين قال المجاز القانوني عمار القدسي “للحل” إنّ هناك جملة أخطاء ارتكبت بشكل متعمد من خلال إبرام العقود بين الاهالي والجهات المنفذة تركت مجالاً لثغرات قانونية تستفيد منها الجهة المنفذة ضد الأهالي، ومنها اعتبارهم شاغلين للعقار لاحقاً وليس مالكين، إضافةً لموضوع تخمين ثمن العقار، إذ يقتصر التخمين على ثمن البناء دون تقدير قيمة الارض وفرض بدل إيجار عن شغل العقار، والتمييز بين شرائح المستفيدين وعدم تحديد مدة زمنية لإنهاء المشروع أو تقديم تعويضات في حالة التأخير.

وتابع القدسي ” بعد تخمين ثمن البناء واحتساب قيمة الأرض صفر يُعتبر ثمن البناء دفعة كأسهم بالمشروع لحين الإعلان عن التكلفة النهائية لكل وحدة سكنية، وكل هذه التعقيدات لا يمكن التغلّب عليها قانونياً، لتكون الجهات المنفذة هي الرابح الأكبر على عكس المالكين، الذي يُجبرون على الخسارة برعاية من الحكومة”.

عقوبات دولية على الشركات والمستثمرين
فرض مجلس الاتحاد الأوربي عقوبات على 11 رجل أعمال مشارك في هذه المشاريع بشكل مباشر، و5 كيانات تجارية لها مساهمة في التنفيذ، كما أنّ لها صلة بتنفيذ المرسوم رقم 10 من عام 2018، والذي يقوم فعلياً على مصادرة أملاك الناس، وطردهم من أملاكهم وأراضيهم لتنفيذ مشاريع معمارية حديثة.

القرار الصادر عن الاتحاد الأوربي اعتبر أنّ القائمة الجديدة من العقوبات تأتي لرجال أعمال وكيانات “يجمعون أرباحاً كبيرة من خلال علاقاتهم مع النظام، ويساعدون بتمويله بالمقابل، وذلك عبر مشاريع مشتركة مع شركات الدولة، لتطوير الأراضي المصادرة”. كما أشار إلى أنّ “رجال الأعمال والكيانات يدعمون النظام ويستفيدون منه من خلال استعمال الممتلكات المصادرة”. كما جاء فيه “مصادرة نظام الأسد لأراضي الأشخاص الذين شردهم الصراع في سوريا تمنعهم من العودة إلى بيوتهم”.

أنس طلس، نذير أحمد جمال الدين، مازن الترزي، سامر فوز، خلدون الزعبي، حسام قاطرجي، بشار عاصي، خالد الزبيدي، حيان محمد ناظم قدور، معن رزق الله هيكل، ونادر قلعي، شملت العقوبات هذه الأسماء لرجال الأعمال المستثمرين في هذه المشاريع، أما بالنسبة للشركات فقد تم تسجيل عقوبات على الشركات التالية “Rawafed Damascus Private Joint Stock Company”، شركة أمان دمشق القابضة، شركة بنيان الخاصة المساهمة، شركة ميرزا، وشركة مطورون المساهمة الخاصة”، وتقضي العقوبات بتجميد أصول أموال الشخصيات المذكورة، ومنع الدخول إلى أراضي الاتحاد الأوروبي، إضافةً لحظر التعامل مع الهيئات والشركات الواردة على لائحة العقوبات.

بدلاً من أن تكون بهجة للسوريين بإعادة الإعمار، أصبحت المشاريع العمرانية التي تشرف عليها حكومة النظام عبئاً جديداً على السوريين، خصوصاً وأنّها فتحت مجالاً لاستغلالهم وإخراجهم من مناطقهم بصيغة قانونية، صُممت على المقاس لتخدم شريحة مخملية مقربة من النظام ولها نفوذ اقتصادي وسياسي كبير في البلاد، ويبدو أنّه على أبناء المناطق التي شُملت بهذه المشاريع أن ينسوا ذكرياتهم وممتلكاتهم، التي إن حصلوا على فائدةٍ منها لن تعوضهم الخسائر الكبيرة التي تكبّدوها.

إعداد: سليمان مطر – تحرير: رجا سليم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.