دمشق (الحل) – استبدل السوريون مدفع رمضان، بمدافع القصف والقذائف ودوّيها الذي استمرّ على مدار الساعة طيلة السنوات الثمانية الماضية، لكن هذا العام مع موسم رمضان التاسع، توقفت كل أنواع المدافع، فلم يعد هناك دوي في دمشق ومحيطها منذ توقف العمليات العسكرية، ولم يعد المدفع القديم لعادته بإعلان موعد الإفطار، فما هي قصة مدفع رمضان مع السوريين؟

كمعظم الدول العربية، بقي مدفع رمضان تقليداً من تقاليد شهر الصوم، لإعلان موعد الإفطار، وأخبار الناس بأن الوقت قد حان لشرب الماء والبدء بالطعام.

وكان مدفع رمضان يعتلي قمة قاسيون، ويطلق قذيفة صوتية واحدة لحظة مغيب الشمس، معلناً انتهاء الصوم لهذا اليوم.

وبقي هذا الطقس حتى نهاية العام 2010، إلى أن استبدل مدفع قاسيون بمدافع تمركزت وتموضعت في العام 2011، وبدأت تدوي طيلة سنوات بقصف متواصل طيلة أشهر السنة، على الغوطة الشرقية ومخيم اليرموك وجوبر وبرزة والقابون وغيرها من المناطق التي خرجت فيها احتجاجات مناهضة لنظام الحكم في سوريا.

واختلطت أصوات القصف لدى سكان دمشق، حتى بات الطفل يستطيع التمييز بين قذيفة الهاون وانفجار الصاروخ، وبين صوت الرشاش المتوسط والرشاش الثقيل، وإذا ما كان في السماء صوت طائرة حربية أو طائرة مروحية.

وازدحمت أصوات الحرب لتغطي على كل أصوات الحياة الأخرى، فلم يعد في الشارع سوى صوت سيارات الإسعاف وصدى الأسلحة التي تدور رحاها على مدار الساعة.

ولا يعلم من ولد في العام 2011 وأصبح اليوم طفلا عمره ثمان سنوات، أنه يمكن لهذه الآلة أن تكون وسيلة شعبية لإعلان الفرح بانتهاء الصوم وبدء بلّ العروق، ولن يصدق أنها وسيلة تقليدية تجمع الناس على مائدة واحدة بعد أن فرقت القذائف أهله وأصحابه ورفاقه، وأبعدهم القصف عن منازلهم وأرزاقهم وأشغالهم.

 

المدافع ذكرى.. تنذكر وما تنعاد

يتحدث أبو رائد زرزور من حي العمارة عن ذكرياته مع مدفع رمضان ويقول لموقع الحل «كنا نركد لنصعد إلى السطح قبيل مغيب الشمس بقليل، وكان بيتنا مرتفعاً ومطلاً على حي قاسيون، ونترقب لحظة إطلاق قذيفة المدفع.. نعلم أن الصوت عادي لكني مع ذلك كنت أخشى على أذني فأضع أصابعي فيهما، ونضحك جميعاً حين تطلق هذه القذيفة وننزل مسرعين للبدء بالطعام».

يتابع أبو رائد وقد بلغ من العمر ستا وستين عاما، ويقول «خلال الحرب، بات صوت المدفع إيذاناً بالخطر وإشعاراً بأن المعركة قد بدأت، وبتنا نستيقظ عليه كل صباح وننام على صوته مساء، وغابت كل الذكريات السعيدة مع هذا السلاح.. مع كل قذيفة ربما هناك أحد ما قد فارق الحياة.. واليوم وقد انتهت هذه الأصوات أقول أني لا أريد سماع صوت المدفع أبدا.. هو ذكرى سيئة.. تنذكر وما تنعاد».

لمحة تاريخية

لم يكن هناك وسيلة لإعلان وقت الإفطار فيما مضى، إلا من خلال رفع الأذان، وباتت إيصال صوت المؤذن مهمة صعبة مع اتساع انتشار الإسلام على مساحات جغرافية في وقت لم يكن فيه مآذن طويلة أو مكبّرات للصوت.

وبدأت وسائل إعلان الإفطار تتطور مع تلاحق الأزمان، لكن لمدفع رمضان قصة ترويها كتب التاريخ في العاصمة المصرية القاهرة، أول من أطلق هذا المدفع، وتقول الرواية أنه عند غروب أول يوم من رمضان عام 865 هـ ، أراد السلطان المملوكي «خشقدم» أن يجرب مدفعًا جديدًا وصل إليه كهدية من ألمانيا.

وقد صادف إطلاق المدفع وقت المغرب بالضبط، ظن الناس أن السلطان تعمد إطلاق صوت المدفع لتنبيه الصائمين إلى أن موعد الإفطار قد حان، فخرجت جموع الأهالي إلى مقر الحكم تشكر السلطان على هذه البدعة الحسنة التي استحدثها.

وعندما رأى السلطان سرورهم قرر المضي في إطلاق المدفع كل يوم إيذانًا بالإفطار ثم أضاف بعد ذلك مدفعي السحور والإمساك.

وهناك رواية تفيد بأن ظهور المدفع جاء عن طريق الصدفة، فلم تكن هناك نية مبيتة لاستخدامه لهذا الغرض على الإطلاق، حيث كان بعض الجنود في عهد «الخديوي إسماعيل» يقومون بتنظيف أحد المدافع، فانطلقت منه قذيفة دوت في سماء القاهرة، وتصادف أن كان ذلك وقت أذان المغرب في أحد أيام رمضان، فظن الناس أن الحكومة اتبعت تقليدًا جديدًا للإعلان عن موعد الإفطار، وصاروا يتحدثون بذلك، وقد علمت الحاجة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل بما حدث، فأعجبتها الفكرة، وأصدرت فرمانًا يفيد باستخدام هذا المدفع عند الإفطار والإمساك وفي الأعياد الرسمية.

 

إعداد: سعاد العطار – تحرير: سامي صلاح

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.