كابوس الأجهزة الأمنية في المناطق العائدة تحت سيطرة النظام

كابوس الأجهزة الأمنية في المناطق العائدة تحت سيطرة النظام

ريف دمشق (الحل) – انقلبت حياة السوريين في المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام، رأساً على عقب، بعد سنوات من خضوعها لسيطرة فصائل المعارضة. إذ أصبحت تصرفات السكان وحياتهم اليومية مرتبطة بالواقع الأمني المعقّد الذي تفرضه الأجهزة الأمنية عليهم. فعلى الرغم من صعوبة التأقلم مع الواقع الجديد، يحاول السكان مداراة أوضاعهم منعاً من التعرّض للاعتقال على أيدي #الأجهزة #الأمنية المتربصة بهم.

حلاقة محظورة وثياب مشبوهة!

«أخففلك الشوارب؟ لا دير بالك بيحكولنا سلفية»، هذا الحوار يتكرر بشكل يومي في صالونات الحلاقة الرجالية. فالجميع يخشى من أن يُصنفه عناصر النظام  كإرهابي لمجرد أنّه قام بتخفيف شاربه أكثر من ذقنه، خصوصاً وأنّهم يعتبرون حلاقة الشارب مع إطالة الذقن مظهراً خاصاً بفصائل المعارضة والتنظيمات «الجهادية الإسلامية».

لا يقف الأمر عند الحلاقة، فبعض الملابس أيضاً ارتبطت بمعارضة النظام، بنطال «المارينز الرمادي» مثلاً يعتبر زيّاً خاصاً بعناصر #المعارضة_المسلحة، ومعظم الشبّان الذين كانوا يرتدونه استبدلوه بالبنطال العسكري الخاص بجيش النظام، إضافةً لذلك فقد قررت عشرات الفتيات عدم ارتداء النقاب مجدداً، خصوصاً بعد تعرضهنّ للمضايقات المتعمدة على حواجز النظام، حيث «يتفنن» بعض عناصر النظام بمضايقة المنقبات بحجة التأكد من هويتهنّ.

صمٌ بكمٌ!

الناشط محمد سليمان قال «للحل»: «يتجنب الناس التطرق للمواضيع السياسية في سهراتهم وجلساتهم، ويبتعدون عن خوضها حتى مع المقربين منهم، لعلمهم بأنّ هذه المواضيع قد تتسبب لهم بمشاكل كبيرة مع النظام، لا سيما مع عودة نشاط المخبرين وجواسيس الأمن بشكل مضاعف، لدرجة أنّ بعض السهرات والاجتماعات تنقل بشكل كامل للأفرع الأمنية بعد تسجيلها، وهو ما حصل مع أشخاص تم استدعائهم لمراجعة تلك الأفرع وعند إنكارهم لأحاديثهم، قام المحققون بتشغيل التسجيلات لهم».

وتابع سليمان «مواقع التواصل الاجتماعي ليست بعيدة عن هذه الإجراءات فالإعجاب الذي سيضغطه رواد هذه المواقع محسوب، والتعليق متابع، وقد يكون التعبير عن الضجر والاستياء بسبب تردِ الأوضاع المعيشية أمراً مخلاً (بالأمن القومي)، ويستوجب الملاحقة والمحاسبة الصارمة».

الأزمات المعيشية «فرض» والتغلب عليها «كفر»

اشتهرت مناطق عدّة في ريف دمشق، بقدرة سكانها على التغلب على الأزمات والصعوبات التي واجهتهم بسبب الحصار الذي فرضته قوات النظام عليهم لسنوات، فكانوا يستخرجون المحروقات عبر إحراق البلاستيك وتكريره، الأمر الذي أصبح محظوراً بعد سيطرة النظام على المنطقة، وعلى الرغم من حاجة السكان للبنزين جراء الأزمة المستمرة، إلّا أنّهم لم يجرؤوا على استخراج المحروقات من البلاستيك بسبب الحظر التي تفرضه حكومة النظام على مثل هذه الأنشطة.

كما أصبحاً الأعمال الخيرية محدودة ويتم تنفيذها بحذر شديد، فإذا قرر أحدهم توزيع الطعام على الفقراء لتخفيف وطأة المعاناة اليومية، يتوجب عليه العمل بشكل سري من دون «شوشرة»، لأنّ عملاء النظام سيصنفون العمل الخيري على أنّه عمل إغاثي، هذا الواقع دفع بالعديد من الأشخاص للكف عن المشاركة بتلك الأعمال وفي أحسن الأحوال يلجأ البعض لتوكيل آخرين بالنيابة عنهم لتنفيذ الأعمال الخيرية ما يزيد من أعباء هذه الأعمال.

عودة «الرجل البخاخ»

عاد نشاط «الرجل البخاخ» في المناطق التي سيطر عليها النظام، إذ أنّه الوسيلة المتاحة للتعبير عن رفض ممارسات النظام القمعية، وتسلّط أجهزته الأمنية على المدنيين، إضافةً لإهمال متطلباتهم الخدمية والمعيشية، لكن هذه العودة كان عنوانها الحذر، فالدوريات الأمنية بعد كل عملية بخ لا تتوقف، خصوصاً بعد قيام «الرجل البخاخ» بإلقاء علب البخاخ الفارغة على أحد الحواجز العسكرية بعد انتهاءه من الكتابة على الجدران القريبة منه، ما اعتبره الضباط المسؤولين عن المنطقة استخفافاً بهم.

ولعلّ أصعب التغيرات التي طرأت على حياة أهالي المنطقة، هو عدم وجود ردود فعل تجاه اعتقال المدنيين بشكل مستمر، حتى النساء منهم، إذ كان معروفاً أنّ المنطقة ستنتفض بكاملها في حال اعتقال امرأة منها، إلّا أنّ ذلك الأمر انتهى بشكلٍ كامل، وبات كل شخص يبحث عن النجاة بنفسه والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يتسبب بمشاكل أمنية له.

يبدو أنّ السوريين الذين عاصروا فترة سيطرة المعارضة على مناطقهم وبقوا فيها بعد دخول النظام إليها سيواجهون واحدة من أصعب الاختبارات. إذ يتوجب عليهم الانسلاخ من أمور اعتادوا عليها لسنوات وأصبحت بالنسبة لهم نمط حياة، فقط لأنها لا تعجب مسؤولي النظام، وتناقض مبدأ «تقديس السلطة» الذي يبني عليه النظام سياسته في إدارة البلاد.

 

إعداد: سليمان مطر – تحرير: سالم ناصيف

الصورة من الأرشيف

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.