ديرالزور (الحل) – يتصاعد الصراع، يوماً بعد يوم، بين قوات النظام  والمليشيات الإيرانية في محافظة #ديرالزور، ولا سيما في كبرى مدنها (البوكمال والميادين)، حيث تحاول الأخيرة بسط نفوذها الكامل على هاتين المدينتين، بدافع الهيمنة على تلك المناطق التي تعتبر المنفذ الأبرز، الواصل إلى العراق.

وشهدت الأيام القليلة الماضية، تصاعد الخلاف بين ميليشيات “الحرس الثوري الإيراني” اليد الطولى لإيران في عموم المنطقة من جهة، وقوات النظام المتواجدة في مدينة البوكمال من جهة أخرى، وتطور الخلاف لنشوب اشتباكات سقط فيها العديد من القتلى والجرحى.

يقول عمر 29 عاماً (من مدينة البوكمال) والذي اكتفى بذكر اسمه الأول، لموقع «الحل»،حرصاً على سلامته الشخصية: “إن الاشتباكات بين قوات النظام والفصائل الإيرانية في المدينة ليست بجديدة، وتعود بداياتها إلى شهر آب/أغسطس 2018 عندما طالبت الأخيرة بحل وطرد عناصر ميليشيا #الدفاع_الوطني من المدينة ، لكثرة ما يقومون به من تجاوزات وانتهاكات بحق المدنيين، إلا أن النظام رفض ذلك، لتندلع بينهما اشتباكات استمرت قرابة ثلاثة أيام تخللها سقوط قتلى وجرحى من كلا الطرفين”.

وأشار المصدر إلى أن وجود الدفاع الوطني آنذاك كان مقتصراً على مقرات صغيرة يحرسها عشرات العناصر من أبناء المدينة ذاتها.

وفي ديسمبر 2018 حدثت اشتباكات تعتبر الأعنف ، بين عناصر من الحرس الثوري وعناصر من الدفاع الوطني في المدينة، نتيجة مشادة كلامية حدثت بينهما، تطورت إلى إطلاق نار من أسلحة خفيفة ومتوسطة، أسفرت عن سقوط ثلاثة قتلى للدفاع الوطني وقتيلين للحرس الإيراني، إضافة لعشرات الجرحى من الطرفين، تدخلت على إثرها قوات النظام والقوات الروسية لفض النزاع ووقف الاقتتال، إلا أن الحرس الثوري وضع شرطاً للموافقة على ذلك، وهو خروج الدفاع الوطني بمقراته من داخل المدنية، ما أجبر قوات النظام على الموافقة ونقل المقرات المقصودة  خارج المدينة إلى القرى والبلدات التابعة لها.

بعد خروج الدفاع الوطني نشبت  الخلافات في مدينة البوكمال والنواحي التابعة لها بين المليشيات الإيرانية وعناصر النظام المتواجدين بها.

وأفادت صفحة «الشرقية 24» أن “اشتباكات دارت بين عناصر من الحرس الثوري، ومجموعة من عناصر الدفاع الوطني في بلدة السكرية (مدخل البوكمال)، منتصف آذار / مارس الماضي، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين”.

وأوضحت الصفحة أن “الاشتباكات جاءت على خلفية قيام حاجز للدفاع الوطني، بإطلاق نار على سيارة للحرس الثوري، لعدم وقفوها على الحاجز، ما أدى لمقتل السائق وإصابة عنصرين آخرين بجروح بليغة”.

يوسف الحماد 24 عاماً (من سكان البوكمال) تحدث لموقع «الحل»، قائلاً، : إن “التوتر هو المشهد الحالي المسيطر على المدينة بين المليشيات الإيرانية التي تفرض سيطرة شبه تامة عليها وبين عناصر النظام المتواجدين في آخر حيز لهم بداخلها (المربع الأمني)”. موضحاً أن “تلك المليشيات تحاول فرض سيطرتها على منطقة المربع المذكور، لتضمن بذلك سيطرتها المطلقة على عموم المدينة، من خلال طرد ميليشيا النظام (من الجنسية السورية) بذريعة التعاون مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تارة وأخرى بالفساد والسرقات” وفق تعبيره.

وأفادت مصادر محلية مطلعة من داخل البوكمال لموقع «الحل» أنه “في 11 من الشهر الحاري، عثرت دورية للحرس الثوري، أثناء قيامها بجولة تفقدية في منطقة الصناعة، على جثة الجنزال «حج رضا» مقتولاً وعليه آثار إطلاق رصاص في منطقة الرأس”.

وأضحت المصادر أن “القيادي المقتول هو أحد المقربين من الجنرال «حج سلمان الإيراني» أبزر القادة العسكرين في المدينة، إذ أشرف على عملية طرد عناصر #درع_الأمن_العسكري التابع للنظام من داخل المربع الأمني، مطلع الشهر الحالي، بتكليف من الحج سلمان، بحجة الشكاوى المقدمة عليهم من قبل المدنين”.

وقال مصدر خاص من المدينة لموقع «الحل» إن دوريات تابعة للحرس الثوري الإيراني شنت حملة اعتقالات في ذات اليوم طالت عناصر وقادة للنظام من أبناء المدينة وضمنهم المدعو «محمد الزرزور» المسؤول عن ميليشيا درع الأمن العسكري قبيل حلها، واتهامهم بقتل القيادي المذكور أعلاه.

وتدخل الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة البوكمال، في مساعي إيران من جعلها مدينتها الأولى في المحافظة، تمهيداً للسيطرة على باقي أجزاء المحافظة الأخرى.

الحرس الثوري الإيراني أعطى خلال الشهر الفائت عدد كبير من منازل حي الكتف لعناصر ميليشيا «حيدريون» وعناصر حزب ‏الله وميليشيا #النجباء، لاتخاذها كمقرات لهم ومساكن لعائلاتهم، حيث تم بهذا الفعل إغلاق حي الكتف بالكامل من جهة ‏البساتين ونهر الفرات‎، بحجة تسلل عناصر التنظيم من خلاله.

يضيف المصدر بأن المظهر الحالي لمدينة البوكمال يؤكد تبعيتها لإيران وذلك من خلال الفصائل الإيرانية التي تعد هي صاحبة القرار المطلق، فلا يسمح بحدوث أي شيء مهما كان إلا بموافقتهم، حيث يقتصر حضور النظام على مقراتهم في المربع الأمني، ولا يخرجون منه إلا لتسوق حاجاتهم الضرورية، لافتاً إلى أن لقد المليشيات الإيرانية نقلت مؤخراً غالبية مقراتها من خارج المدينة إلى داخلها، وجعلتها ضمن الأحياء السكنية المأهولة، كما بدأت بالاستيلاء على منازل تعود لمدنيين نازحين بداخل المربع الأمني التابع للنظام، في خطوة منها لإخراج الأخير من المدينة”.  وتابع قائلا: “المليشيات المذكورة أزالت مؤخراً كافة الأعلام والرايات التي تمثلها عن أسطح المنازل والأبنية المرتفعة في المدينة، واكتفت بأعلام صغيرة تضعها بين الحين والآخر على الحواجز المتنقلة التي تقوم بنصبها بين الأحياء”.

وفي السياق تقول فاطمة 24 عاماً (من سكان الميادين) لموقع «الحل» ، “باتت سطوة المليشيات الإيرانية تظهر علناً في المدينة، بعد استيلائهم على عشرات المنازل في وسطها مؤخراً، وجعل بعض أحيائها أيضاً نقاط عسكرية لهم ولعناصر حزب الله اللبناني، يمنعون الاقتراب منها أو حتى المرور عبرها، ويستثنى من قرارهم عوائلهم المتواجدة في المدينة، والتي سكنت في منازل ليست لهم ولم يحصلوا على أذن من أصحابها بدخولهم إليها حتى”.

وأضافت: “مليشيات إيران باتت تسيطر سيطرة شبه كاملة على معظم أحياء المدينة، عبر ميليشياتها المنتشرة ومنها (أبو الفضل العباس وفيلق القدس و لواء فاطميون وحركة النجباء) حيث يتخذ غالبيتهم من مدراس المدينة مقرات لهم “.

بدورها أكدت مروى 45 عاماً (معيدة في كلية الفرات بديرالزور) لموقع «الحل» ، بأن “إيران تسعى من خلال ميليشياتها المنتشرة في عموم المحافظة إلى السيطرة على كامل مفاصل الحياه بها (العسكرية والاجتماعية والثقافية والسياسة أيضاً) إذ باتت كافة النشاطات والفعاليات الثقافية والاجتماعية تتم برعاية المراكز الثقافية الإيرانية، إلى جانب إنشائها لعدة مدارس ومعاهد إيرانية في المنطقة، وتنشيطها حركة شراء العقارات عبر « منظمة جهاد البناء » الإيرانية التي اتخذت من مدينة البوكمال مركزاً لها، والتي وقعت مع مديرية الزراعة التابعة للنظام عقود تأجير أراض من أملاك الدولة غرب نهر الفرات لصالح شخصيات إيرانية لمدة 99 عامًا” وفق قولها.

وعن تعداد الفصائل الإيرانية وتوزعها في عموم المحافظة، يقول الناشط مجد العيسى (من مدينة ديرالزور): “لا توجد إحصائية دقيقة لتعداد عناصر الفصائل الإيرانية سواء بداخل أحياء المدينة المأهولة أو المدمرة، فهي تنتشر بشكل واسع في عموم مناطق سيطرة النظام في المحافظة وتتركز بشكل كبير في كل من الميادين والبوكمال، متمثلة بالحرس الثوري الإيراني ولواء القدس ومليشيا حيدريون، وحركة النجباء والحشد الشعبي والفاطميون إلى جانب مليشيا حزب الله اللبناني وكتائب أبا فضل العباس”.

ميليشيا الحرس الثوري تعد الأقوى بين المليشيات المذكورة أعلاه من حيث النفوذ والسلطة ويقدر تعدادهم قرابة 1200 ضمنهم متطوعين من أبناء المنطقة، وشارك الحرس الثوري  في معارك النظام بكسر الحصار عن مدينة ديرالزور في أواخر 2017 و معارك السيطرة على مدينة البوكمال في ذاك الوقت، بالاشتراك مع الحشد الشعبي العراقي وحزب الله اللبناني.

وفي تقرير سابق لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية تحدث عن تزايد النفوذ الإيراني في محافظة ديرالزور ذات الأهمية الاستراتيجية نظرا لتداخلها مع الحدود العراقية، واحتوائها على كبرى حقول النفط والغاز الطبيعي في سوريا، وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن طهران تعمل في المنطقة على دفع السكان للتشيع، عبر تقديمها المساعدات الغذائية والأدوات المنزلية والتعليم المجاني وأماكن للسكن، وتعرض عليهم الانضمام لفيلق القدس الذراع الخارجي للحرس الثوري مقابل حصولهم على بطاقة هوية تخولهم المرور على الحواجز بدون تفتيش، بالإضافة لمبلغ 200 دولار أميركي شهرياً، شريطة اعتناقهم المذهب الشيعي.

تشكل الأوضاع المتوترة التي تعيشها مدينة البوكمال حالياً، مثالاً حياً  لتباعد المصالح المشتركة بين حلفاء النظام، كما أنها ليست المنطقة الوحيدة التي تشهد تواتراً مستمراً لأجل الهيمنة، بل هي واحدة من مجموعة مناطق أخرى، بدأت في محافظة #درعا في أقصى الجنوب وصولاً إلى دير الزور وحتى حلب شمالاً.

إعداد: حمزة فراتي . تحرير: سالم ناصيف

الصورة:أرشيف

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.