نساء «داعش»: «سبايا» الأزواج شريكات سكن في حياتهم… ونبذ مجتمعي بعد موتهم

نساء «داعش»: «سبايا» الأزواج شريكات سكن في حياتهم… ونبذ مجتمعي بعد موتهم

الرقة (الحل) – بعد موت أغلبهم وفرار من بقي من عناصر «داعش» حياً، تعود زوجات هؤلاء لعائلاتهن ومجتمعاتهن، حاملات وصمة هذا الزواج المكروه وأطفال لم يختاروا أن يولدوا لآباء قتلة وأمهات مسلوبات القرار والإرادة. بعضهن تستقبلهن عائلاتهن على مضض، بدافع حمايتهن من مجتمع ناقم على إجرام أزواجهن ولمنعهن من تكرار الخوض في تجارب زواج مشابه، وأخريات وجدن أنفسهن في المخيمات بعد رفض ذويهن استقبالهن.

يسرى 31 عاماً، من مدينة #الرقة، زوجة لعنصر سابق في «داعش» من المدينة نفسها، وأم لثلاثة أطفال، تروي لموقع «الحل» عن رحلتها وتجربتها مع المعارك الأخيرة التي أنهت وجود التنظيم في عموم المنطقة قائلة «انتقلت مع زوجي أبو مصعب إلى مدينة #الميادين، بعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية «#قسد» على مدينة الرقة وانسحاب التنظيم منها إلى دير الزور، ثم بعد ذلك انتقلنا إلى أكثر من قرية لنستقر مؤخراً في الباغوز، المعقل الأخير ل«داعش» قبل طرده منها».

تضيف «استهدف طيران التحالف القرية بغارات عدة، تسببت بمقتل وجرح الكثير من عناصر التنظيم، وبعد اشتداد المعارك، قرّر زوجي أن يرسلنا إلى الرقة، خوفاً على حياة الأطفال، وقام بالتنسيق وقتها مع أحد المهربين، الذي أوصلنا بدوره  إلى تخوم مدينة الرقة ومعي مجموعة أخرى من نساء التنظيم، لكن لم يسعفنا الحظ في التسلل إلى داخل المدينة، فانتهى بنا الأمر مقبوض علينا من قبل دورية للأسايش، اقتادتنا إلى مخيم عين عيسى، إلا أنّي وبعد قرابة 7 أشهر، خرجت من المخيم».

تتابع يسرى: «استأجرت بعدها منزلاً في المدينة ولكنّي لم أستطع البقاء طويلاً في الرقة، فأنا منبوذة من الجميع باعتباري زوجة عنصر من «داعش»، حتى عائلتي لم تكترث لعودتي، علماً أن زواجي كان قبل أن يوجد شيء اسمه «داعش» وتم برضاهم، فالخوف من تحمل مصاريفي وأطفالي ربما كان همهم الأكبر، فالسبيل لتجنبهم ذلك هو مقاطعتي، لذا قررت حينها العودة إلى الباغوز، ليس حباً بالتنظيم وإنما خوفاً على زوجي المعيل الوحيد المتبقي لي».

«بعد شهر واحد فقط من وجودي في الرقة، عدت إلى الباغوز برفقة أطفالي، متحملةً مخاطر السفر ومشقة الطريق، وبطبيعة الحال بوجود المال يكثُر المهرّبين، فقد دفعت ما بقي لدي من مال للمهرب، الذي أوصلني إلى زوجي هناك، الذي قتل بعد وصولي بأسبوع  واحد فقط، بغارة جوية على مخيم الباغوز، لم أمكث كثيراً في المخيم حيث تم نقلي مع دفعة كبيرة من عوائل التنظيم، عبر قسد، إلى مخيم الهول بريف الحسكة».

تقول يسرى «الكل يلومني على أنني زوجة لمقاتل من «داعش»، وكأنني اخترت له أن ينضم لهم، وكل المقربين مني، بمن فيهم عائلتي، نبذوني بدلاً أن يكونوا سنداً لي، فانا أفضل البقاء هنا في هذه الظروف المأساوية بداخل المخيم على أن أخرج إلى العالم الذي رفضني وأطفالي لذنب لم نرتكبه».

تقابل غالبية عوائل التنظيم بالنفور من قبل المدنيين في الرقة، حتى بعض عائلات زوجات عناصر «داعش»، تفرض على بناتها قيوداً صارمة في كل ما يتعلق بأمور الحياة اليومية، وهذا ما حدث مع «زهرة» التي كانت زوجة لابن عمها الذين انخرط في صفوف التنظيم، وقتل في أحد المعارك في دير الزور وتركها مع طفلين والكثير من المسؤوليات تتحدث عنها قائلةً:

«بعد وفاة زوجي تواصلت مع أهلي للقدوم إليهم في الرقة أنا وأولادي، وتم الأمر من خلال أشخاص قاموا بإيصالي إلى المنزل لقاء مبلغ مالي دفعه أهلي كوني لا أملك شيئا، وبعد أن كنت مجبرة على طاعة زوجي طاعة عمياء، وتحمل جلبه لامرأتين أزيديتين «سبايا» لا حول لهما ولا قوة، وإسكانهما معنا في نفس المنزل، بت الآن تحت حكم عائلتي التي تخاف على سمعة ابنتهم (الأرملة) من العيش بمفردها وتريد أن تضمن عدم زواجي بعنصر آخر من التنظيم».

وتتابع «فبعد عودتي أصبحت سجينة منزلهم الذي لا أستطيع الخروج منه متى أشاء، إلا للضرورة الملحة، وقد حُرمت من أطفالي بعد أن أخذهم أهل زوجي وأصبحت لا أراهم إلا في غفلة من عيون أهلهم، فقد خسرت كل شيء، بل أصبحت كائناً غريباً في المجتمع يكثر حوله الهمس والأسئلة، فعندما أتواجد في جلسة ما، وغالبا ما تكون إما لعزاء أو لأداء واجب اجتماعي مُلح، أحس كأنني في غرفة استجواب لكثرة الأسئلة التي تنهال علي حول تجربتي  السوداء، والأيام التي قضيتها في ظل التنظيم».

يسرى وزهرة مثالان عن حالات عدة لنساء قارعن تجارب شاقة ووضعت حيواتهن على المحك، فمعظمهن لم تخترن أن تكن زوجات لعناصر متطرفين، فإما قد انضم أزواجهن للتنظيم المتطرف بعد الزواج، أو أجبرن على الزواج بعناصر من «داعش» الذين يتعاملون مع النساء على أنهن «غنائم وممتلكات وسبايا»، والآن بعد اندحار التنظيم، سواء عند عوائلهن أو في المخيمات، تبقى هؤلاء في عيون الناس الذين ذاقوا إرهاب التنظيم لسنوات (نساء داعش)… «داعش» السواد الذي حل على مناطق بأكملها وحجب الحياة عن أهلها.

إعداد: علي إبراهيم – تحرير: رجا سليم وسامي صلاح

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.