إعادة إعمار سوريا من وجهة نظر معمارية محلية

إعادة إعمار سوريا من وجهة نظر معمارية محلية

وكالات (الحل) – نشرت صحيفة فينانشيال تايمز البريطانية تقريراً تناولت فيه عملية إعادة الإعمار من وجهة نظر مهندسين معماريين سوريين، تزامناُ مع تباين تخمينات حجم الدمار في سوريا. حيث يقدّر البنك الدولي بأن أكثر من ثلث المساحة السكانية قد دمّرت أو تضررت بفعل الحرب التي دامت لأكثر من ثمانية سنوات إثر تعرضها للقصف بالقذائف أو البراميل المتفجرة أو حتى الرصاص.

وبالرغم من تمكن حكومة نظام بشار الأسد، بدعمٍ من روسيا وإيران، من استعادة السيطرة على نحو ثلثي البلاد، إلا أن النظام لا يزال يعامل بكونه منبوذاً في الغرب نظراً لاستراتيجيته الوحشية خلال النزاع. فقد نزح ما يقارب 6.2 مليون شخص من منازلهم إلى مناطق أخرى من سوريا، أي ما يقارب ثلث عدد السكان ما قبل الحرب، الأمر الذي تسبب بزيادة الضغط على المخزون الاحتياطي للإسكان.

وبالرغم من انحسار القتال، بدلاً من انتهائه، بدأ بعض السوريين بالتفكير جدياً في كيفية إعادة الإعمار من الأنقاض. فبالرغم من اقتراب انهيار النظام السوري، إلا أن الدول الغربية ترفض دفع تكاليف إعادة الإعمار. فيما تفرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على كل من روسيا وإيران، الأمر الذي يجعل من غير الواضح من ستكون الجهة التي سوف تمول وتنفذ عملية إعادة الإعمار.
ومع حجم الدمار الهائل، يُفترض وجود حاجة إلى حلول إعادة إعمار ضخمة على قدم المساواة. ومع ذلك، يرى بعض المهندسين المعماريين السوريين بأن عملية إعادة الإعمار يجب أن تكون جزءاً من المجتمعات التي تعمل على إعادة بناء نفسها. فمن المتوقع أن تكون عملية إعادة الإعمار الناجحة على مستوى صغير مدفوعة محلياً مع الأخذ بعين الاعتبار الحاجات الاجتماعية والاقتصادية للسوريين. حيث يقول غياث الجباوي، وهو خبير مدني واستشاري تنموي من منطقة درعا في جنوب سوريا، موضحاً: “يجب أن تبدأ عملية إعادة الإعمار من خلال النظر إلى الأرض أمامنا”. ويضيف: “من الجيد أن ننظر إلى أبعد من ذلك، لكن من الأفضل أن نبدأ من المستوى المحلي”.

وقد أدت الهجرة الريفية إلى المدن بسبب الجفاف والاقتصاد المضطرب، قبيل اندلاع “الثورة السورية” في العام 2011، إلى انتشار السكن العشوائي في المدن وما حولها. وهي أحياء فقيرة مساكنها خرسانية غير منظمة آوت الملايين من السكان. وكانت هذه المساكن غير القانونية مركز اهتمام الحكومة السورية قبل اندلاع الاحتجاجات. وقد كان المرسوم الصادر عن رئيس النظام السوري في العام الماضي، والمعروف باسم القانون رقم 10، ممهداً الطريق لإعادة تنظيم وبناء واسعة النطاق لهذه المناطق وذلك من خلال مصادرة أية ممتلكات لا يستطيع سكانها إثبات ملكيتها القانونية.

وقد وصف القانون رقم 10 أنه بمثابة تمهيد للطريق أمام مشاريع إعادة الإعمار الكبيرة التي تصوّر من خلال شراكات بين الحكومة والمستثمرين من القطاع الخاص، والتي يمكن أن تعيد بناء المناطق المدمرة. وكمثال على ذلك ” ماروتا سيتي”، مشروع إعادة الإعمار الأكبر حتى الآن في دمشق. حيث يصور المخطط الأبراج المتلألئة والتي تشبه تلك المتواجدة في دول الخليج. إلا أن المشروع لم يحرز أي تقدم ملحوظ حتى الآن. ومع إدانة الدول الغربية للقانون رقم 10، طالت جولة جديدة من العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوربي مستثمري مشروع ماروتا سيتي، بما فيهم رجل الأعمار السوري سامر فوز والذي أصبح أحد أغنى الرجال في سوريا خلال فترة الحرب.
وفي حين يشعر الكثيرون بالقلق إزاء عملية إعادة قوننة نظام حقوق الملكية، يرى البعض في الفوضى التي خلفتها الحرب فرصةً للتحسين. حيث يقول جباوي: “نحن نعيش فرصة ذهبية لإعادة تشكيل هذا النظام على المستوى المحلي”، في إشارةً منه إلى أن الإطار القانوني الخاص بملكية العقارات والأراضي غير مستقر في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، ويمكن صقله لتقديم خدمات أفضل للسكان المتضررين.

ويشكك جباوي بالتطورات الكبيرة مثل مشروع “ماروتا سيتي”، أو خطط إعادة الأعمار الشاملة لجميع أنحاء البلاد. فيقول: “التخطيط الخارجي.. لقد أثبت فشله بشكل مستمر في سوريا”. ويعتقد، بدلاً من ذلك، بأنه يمكن للسوريين أن يستفيدوا من التجارب السابقة للمضي قدماً، من خلال تحليل كيفية تعزيز النماذج الحضرية التقليدية لشعور الحي والمجتمع. وفي الوقت ذاته يمكن أن توفر المواد الأولية المحلية سبلاً أقل تكلفةً وأكثر استدامة وصديقة للبيئة لعملية إعادة الإعمار.
وقد اعتمدت المهندسة المعمارية مروة الصابوني، والتي تيعش في مدينة حمص الواقعة غرب سوريا، على عناصر من التصميم التقليدي في مخططها الحائز على جائزة للتطوير السكني الذي يركز على المجتمع. حيث تضمن المخطط وحدات سكنية متصلة فوق الشوارع لتشكيل الظل والنسمات. وبالنسبة لمعظم السوريين، لم تنته الحرب بعد. فمع استمرار عمليات النزوح يزداد الطلب على الإسكان.

“قباء”، وهم مجموعة من المهندسين المعماريين الذين التقوا في شمال سوريا بعد الثورة، جرّبوا بناء الملاجئ للنازحين من مواد ذات مصادر محلية مثل الحجارة والكتل الترابية المضغوطة. وبحسب موقعهم على شبكة الانترنت، فإن مهمتهم هي “الحفاظ على الثقافة السورية مع الاستفادة من الإمكانيات المحلية وتطويرها”.
ويقوم آخرون بتجربة نماذج الحياة التعاونية المتطورة للبحث عن حلول لمشكلة السكن. فسوسن أبو زين الدين، التي درست الهندسة المعمارية وتخطيط التنمية الحضرية في حلب ولندن، تعمل الآن مع مجموعة من المهندسين المعماريين السوريين على مبادرات الإسكان وتطلق مشاريع تجريبية لتجربة نماذج جديدة للسكن الاجتماعي. والمجموعة التي أطلقت على نفسها اسم “سكن” تتجاوب مع الضغوط الاقتصادية والاجتماعي التي فرضت بدورها ضغوطاً حادة على سوق الإسكان في الشمال السوري، حيث نزح إليه الملايين. وتقول أبو زين الدين: “بدأت شركة سكن بأخذ قضية الإسكان بعين الاعتبار لأن الاستجابة لعمليات النزوح الجماعي والحاجة إلى الإسكان كانت على نطاق محدود”. كما أدى ارتفاع رواتب بعض الموظفين لدى المنظمات غير الحكومية والحاجة الشديدة للسكن في المناطق ذات الأمان النسبي إلى ارتفاع تكاليف الإيجار في المناطق التي استقر فيها النازحون مؤقتاً. وتضيف أبو زين الدين: “في وقت ما كان سوق الإيجارات في مدينة إعزاز الواقعة في شمال سوريا مرتفعاً لدرجة توازي أو حتى تتجاوز نظيرتها في مدينة اسطنبول التركية”.

وعلى أرض الواقع حيث يصعب فيه التأكد من ملكية الأراضي والتصريح بها، تقوم أبو زين الدين وزملائها بتجربة نموذج مثالي جديد للسكن الاجتماعي. حيث تم تصميم مخططاتهم حول مجموعات صغيرة من المنازل الجديدة التي سوف يقومون ببنائها، والتي يمكن توسيعها وفقاً لاحتياجات الأسر المقيمة بها. وسوف يتم إدارة تلك المجموعات بشكل جماعي، يتم الحصول على الاستثمار الأولي من الدفعات المستحقة من المستأجرين, ليتم إعادة استخدامها في المشروع.

وقد قام فريق سكن بدراسة تطورات الإسكان التعاوني في أوربا إضافةً إلى نماذج للإدارة الجماعية للإسكان في الأحياء الفقيرة. “نحن نقوم بتقديم هذا لنموذج الهجين الذي يتناسب مع السياق السوري”، تقول أبو زين الدين مؤكدةً بأنه يمكن أن يتم إجراء تعديلات استناداً إلى نتيجة المخطط التجريبي.

أما بالنسبة للمهندسين المعماريين السوريين الذين يتطلعون إلى المستقبل، فتؤكد صابوني بأن تجنب الوقوع بأخطاء الماضي أمر بالغ الأهمية بالنسبة لهم. وتختم حديثها بالقول: “تلعب الهندسة المعمارية دوراً رئيسياً في المجتمعات سواء كانت هذه المجتمعات تنهار أو تُبنى”.

تحرير: رجا سليم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.