لبنان (الحل) – يصعب في الحقيقة حصر الحوادث العنصرية التي جرت خلال الأسابع الماضية بحق اللاجئين السوريين في لبنان، وإن كان من الممكن ملاحظة موجات من هذه العنصرية تتراوح بين مد وجزر منذ سنوات حتى اليوم، فإن آخرها كان قبيل الانتخابات النيابية اللبنانية قبل أكثر من سنة، حيث تبارى مرشحون نيابيون من جهات مختلفة، على رأسهم مرشحو التيار الوطني الحر “الحاكم”، في شتم السوريين وتحميلهم وزر تقصير الدولة في تقديم الخدمات وتحمل الأعباء الاقتصادية.

أما اليوم، فيبدو أن الموجة الأولى ما بعد الانتخابات قد حان وقتها، ولربما تكون واحدة من أعنف هذه الموجات إن لم تكن الأعنف على الإطلاق، ويمكن تلخيص أهم هذه الحوادث العنصرية في:
حادثة مخيم “كاريتاس” للاجئين السوريين قرب بلدة دير الأحمر في البقاع، التي تكاثرت الروايات حولها، ولكن يمكن القول إن الرواية “اللبنانية” المتداولة عن أن اللاجئين أحرقوا المخيم (مخيمهم)، واعتدوا دون سبب حقيقي على الدفاع المدني القادم لإخماد الحريق، ثم اكتشاف أسلحة في المخيم… أمر لا يكن لعاقل أن يصدقه لافتقاره إلى المنطق، وبسبب تعدد الروايات اللبنانية حتى الرسمية منها. الأكيد أن اللاجئين تعرضوا للعنف، المصور من قبل لبنانيين، وتم حرق مخيمهم وإجلاءهم عنه دون توفير بديل لهم ولعائلاتهم. وإن كان بعضهم قد أخطأ، فإنه لم يلق المحاسبة بالطرق الواجب اتباعها.

سبق حادثة المخيم خبر شديد الخطورة هو ترحيل الأمن العام اللبناني 16 سورياً من مطار بيروت إلى سوريا بعد أن أجبروا على على توقيع إفادة بأن عودتهم طوعية، دون حتى محاولة إعادتهم إلى البلد الذي قدموا منه. بفارق أيام قليلة عن الترحيل أجلي عشرات السوريين من عمال وعائلات من مبنى في بيروت حيث يقيمون قرب منطقة الحمرا، دون سابق إنذار ودون تأمين بديل لهم، فافترشوا الطريق محتارين في وجهتهم.

رافق ذلك حملة من الجيش اللبناني لهدم كل خيم اللاجئين المزودة بحائط إسمنتي يزيد ارتفاعه عن متر واحد، أو تلك المزودة بأسقف معدنية أو إسمنتية، بحجة عم تكرار نموذج المخيمات الفلسطينية، ودون الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الأعمال الإنشائية البسيطة هي فقط لرد الفيضانات الموسمية والسيول الأمطار والوحول خلال فصل الشتاء. النداء الجماعي الذي وجه من شخصيات دينية ومدنية ومنظمات مجتمع مدني لإيقاف عمليات الهدم لا يبدو أنه وجد آذاناً صاغية حتى الآن. عمليات الهدم هذه تطال المساكن الخاصة بقرابة 30 ألف لاجئ.

في الفترة عينها، وعلى الرغم من اعتياد اللاجئين السوريين قرارات بلدية بمنع تجولهم من المساء وحتى صباح اليوم التالي، تفوقت بلدية فاريا بإعلانها قراراً طبع على لافتات كبيرة، يفيد بمنع العمال السوريين وعائلاتهم من التواجد والتجول على طريق فاريا… ليلاً نهاراً!
إغلاق محلات ومتاجر السوريين والضغط على تلك التي تشغلهم تصاعد في مناطق “مسيحية” مختلفة مثل ذوق مصبح، حيث قامت شرطة البلدية بإغلاق تلك المحلات، في عملية ترافقت بعض المرات بهتافات عنصرية من قبل بعض السكان. وفي أماكن أخرى قام ناشطو التيار الوطني الحر بتوزيع منشورات تدعو إلى طرد العمال السوريين وتوظيف اللبنانيين، مقتحمين المحلات وموجهين كاميراتهم للعمال السوريين داعين إياهم لترك عملهم والعودة إلى بلدهم.

لتكتمل سلسلة الأخبار، جرى اغتيال مسؤول في الجماعة الإسلامية جنوب لبنان بإطلاق الرصاص عليه، وهو الذي عرف على صعيد واسع بدعمه للاجئين واحتضانهم والدفاع عنهم.
يصعب تخيل حالة اللاجئ السوري في لبنان وهذه الأخبار تتوالى عليه، دون أن يملك خيار العودة إلى بلده… خاصة مع العلم أن المسؤولين اللبنانيين، خاصة أولئك القائمين على رأس تلك الحملة وأبرزهم وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، يعرفون تمام المعرفة أن حملة مشابهة لن تؤدي إلى حل مشكلة اللاجئين بالنسبة إلى لبنان، فقد تعود نسبة ضئيلة منهم تحت ضغوط لا إنسانية مماثلة، ولكن الوضع العام لن يتغير على نحو ملموس.

سبق للسياسة اللبنانية أن لمست صعوبة حل موضوع اللاجئين من خلال زيارة الرئيس اللبناني ميشال عون إلى موسكو حيث سمع من بوتين ما كان قد توقعه ربما، أن لا عودة قريبة للاجئين، وهو -أي عون- علم دون شك من خلال الأمن العام اللبناني، أن قوائم الراغبين بتسوية أوضاعهم والعودة من لبنان إلى سوريا بإشراف الأمن العام، كانت ترجع من نظام دمشق ممهورة برفض أغلب الأسماء، في إشارة لا تحتمل اللبس إلى موقف النظام من اللاجئين وعودتهم.

رغم معرفة بطلان الحملة العنصرية ضد اللاجئين، إلى أن للشعبوية وتحصيل عصبية طائفية وحزبية مفيدة، فالشعب الناقم بسبب الوضع الاقتصادي، ومشروع الموازنة الذي اقتطع من المكتسبات المالية للموظفين وغيرهم، وبشر بفرض ضرائب جديدة، وجه غضبه نحو اللاجئين بدل الحكومة، في أزمة أطلقها مهندسو الموازنة من السياسيين لصرف النظر عنها وعن تبعاتها، ولوضع مسؤولية تردي الأوضاع الإقتصادية على ظهر اللاجئين السوريين.

يعلم هؤلاء أيضاً، أن المهدد بخدمة العلم، أو الاعتقال، أو ذاك الذي فقد منزله أو منع من العودة إلى قريته، لا يمكن عملياً إجباره على العودة إلى سوريا إلا بحمله قسراً وقذفه عبر الحدود إلى داخل الأراضي السورية، فرغم كل الذل والصعوبات والتعامل العنصري، لن يسير عاقل إلى الموت في حضن نظام الأسد بقدميه.

رغم ذلك تبقى العنصرية والشعبوية حقيقتان لا مهرب منها، وهما إلى تصاعد دون شك، خاصة مع التغريدات شديدة العنصرية -ليس فقط بحق السوريين- لجبران باسيل، ولنا كسوريين بعض عزاء في لبنانيين عقلاء وإنسانيين، أعلنوا وقفة احتجاجية صامتة يوم الأربعاء 12 حزيران في حديقة الصحفي اللبناني الذي اغتيل على يد نظام الأسد سمير قصير، “لأن الهوية الوطنية لا يجب أن تكون إقصائية أو أن تبنى على الفوقية وعلى خطاب الكراهية ورهاب الأجانب” بحسب قول إحدى المشاركات.

إعداد: رجا أمين – تحرير: رجا سليم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.