رغم عدمِ وجود أيّة إحصائيّةٍ رسميّة لهؤلاء الأيتام، فإن عددهم لا يقل عن مليون يتيم، فالقانون العراقي يعتبر الطفل يتيماً إذا ما فَقَدَ كلا والديه، لكن المجتمع العراقي يعتبر القاصر الذي فَقَدَ أحد والديه يتيماً كذلك، ومنذ عام 2017، جاء أطفال تنظيم داعش أيضاً ليزيدوا من ازدحام السجون وكذلك دُور الأيتام العراقية المزدحمة أصلاً.

—————————————————-

ترجمة خاصة- الحل العراق

خلّفت الصراعات الطائفية في العراق بعد عام 2003 وما تلاها من حرب اجتثاث تنظيم #داعش، نحو مليون طفلٍ عراقي يتيم سيكونون ضحايا إضافية للصراعات التي تهز هذا البلد، وإن كان هناك العديد من المؤسسات والمنظمات التي تحاول تربية هؤلاء الأيتام، فإن مهمة إبعادهم عن العنف والتطرف تبقى هي الأصعب.

وعندما يحاول “حسين” أن يتذكر طفولته، فإنه لا يكاد يرى سوى صفحة بيضاء فارغة حيث يقول هذا المراهق ذو الأطراف الطويلة بابتسامةٍ واضحة: «لم يكن من الممكن أبداً أن أفكر فيما سأفعله عندما أكبر كان علي فقط أن أبقى على قيد الحياة، لم يكن هناك سوى ضجيج المعارك والموتى في كل مكان، ففي الماضي لم يكن هناك مستقبل».

هذا العراقي الذي يبلغ اليوم من العمر /18/ عاماً، يعود في أصوله من بعيد من #حي_الزعفراني الشعبي جنوبي #بغداد، فوالده الذي كان عضواً في ميليشيا #جيش_المهدي الشيعية، قد قتل في شهر نيسان من العام 2007 عندما كانت العراق تغوص في #الصراعات_الطائفية التي تلت الدخول الأميركي إلى العراق قبل ذلك بأربعة أعوام.

يقول حسين بأسف: «منذ تلك اللحظة، لم يسألني أحد قط كيف حالي وكذلك كان الحال بالنسبة لأمي، كما وأنهم قد نسونا فجأة، لم أعد أذهب إلى المدرسة لمدة عامين بعد أن تم قصفها، ولأننا كنا بحاجة إلى المال، قلت لنفسي لا بد أن أسرق وحتى أني فكرت بقتل الناس».

و”حسين” ليس حالةً فردية على الإطلاق، فكما هو حال حسين، هناك مئات الآلاف من الأيتام في #العراق كلهم ضحايا الصراعات الطائفية التي مزّقت البلد، وفي أغلب الأحيان هم كذلك ضحايا للنزوح الذي يتبع اليتم.

وإذا لم يكن هناك أية إحصائية رسمية لهؤلاء الأيتام، فإن عددهم لا يقل عن مليون يتيم بأي حالٍ من الأحوال، فـ #القانون_العراقي يعتبر الطفل يتيماً إذا ما فقد كلا والديه، لكن #المجتمع_العراقي يعتبر القاصر الذي فقد أحد والديه يتيماً كذلك، ومنذ عام 2017، جاء أطفال تنظيم داعش أيضاً ليزيدوا من ازدحام #السجون وكذلك دُور الأيتام العراقية المزدحمة أصلاً.

هناك العديد من المبادرات الخاصة، إضافةً إلى #المؤسسات_الحكومية، التي رأت النور في بغداد للمساعدة في إدارة شؤون هؤلاء الأيتام، إذ يقول “مصطفى الشالي”، مؤسس جمعية المستقبل المشرق: «في عام 2006 وعندما اندلع الصراع والعنف الطائفيين، بدأنا نرى عدد الأطفال يزداد بشكل ملحوظ في الشوارع وهم يتسولون ويستنشقون دخان السيارات، ولم يكن هناك سوى عدد محدود من الجمعيات آنذاك وكان أغلبها ذو طابع ديني، لذلك أردنا أن ننشئ منطقة محايدة لاستقبال جميع الأطفال».

وجمعية (مصطفى الشالي)، التي فتحت أبوابها في أحد الأحياء الشمالية لمدينة بغداد عام 2008، تعتني اليوم بـ 1200 طفل، ومن ضمنهم “حسين”.

ويستذكر هذا الأخير أيامه الأولى في هذه الجمعية، فيقول: «عندما حضرت إلى هنا لأول مرة، أعطوني سيارة يمكنك أن تتحكم بها عن بعد، وأنا لم أكن قد حصلت على أية هدية قبل ذلك في حياتي كلها».

يضيف “حسين”، الشغوف بالصور والذي يعمل حالياً في مجال البناء: «منذ تلك اللحظة بدأت أفكر بالمستقبل وأن يكون لدي مشروعي الخاص، لقد علموني كيف أساعد عائلتي وأن أكسب لقمة عيشي بشكلٍ مستقل».

وإلى جانب “حسين”، يجلس “علي” ذو /13/  ربيعاً ويتمتم بالكاد ببعض الكلمات. فـ “علي”، الذي لا يرفع نظره عن حذائه مطأطأ الرأس دائماً، يعيش مع جديه بعد أن مات أبوه وهجرته أمه لأن زوجها الجديد يرفض أن يعيش في كنفه أطفال زوجها السابق. وهو سلوك شائع إلى حدٍ ما في العراق غالباً ما يطلب هذا الصغير من جدته أن تصطحبه إلى قبر والده حيث يكلم والده ويطلب منه العودة باكياً.

والأطفال الذين تعتني بهم مؤسسة المستقبل المشرق لا ينامون في مقر الجمعية، وإنما يأتون إليها لحل واجباتهم بعد المدرسة وللقراءة والمشاركة في النشاطات، حيث يوضح “الشالي” قائلاً: «نحن ضد أن يعيش الأيتام مع بعضهم البعض، لأن ذلك سيزيد من تعقيداتهم الاجتماعية».

يضيف: «من أجل أولئك الذين فقدوا آبائهم، نقوم بتنظيم دورات تدريبية لأمهاتهم كي يتعلموا كيف يعتنون بأولادهم وينظمون موازنات بيوتهم، أما الأيتام الذين فقدوا كلا الوالدين، فإننا نضعهم عند أحد أفراد أسرهم ونعطيهم مساعدات غذائية».

وفي العام الماضي، تلقت جمعية المستقبل المشرق 285 ألف يورو من قبل متبرعين عراقيين. وفي كل شهر، يتم تخصيص 20 دولار لكل طفل من أجل اللباس والاحتياجات المدرسية ومصروفات الصحة والنقل أو حتى الآجارات.

وقد وضع “الشالي” برنامجاً يسمح لكل متبرع أن يتواصل مع الأيتام، كما قام بوضع تطبيق آيفون في خدمة المتبرعين لمنحهم القدرة على تتبع كيفية إنفاق الأموال المتبرع بها ومعرفة النشاط الذي يشارك فيه كل طفل.

وفي أغلب الأحيان، فإن السكان المحليين أنفسهم هم من يقومون بإرسال الأيتام إلى هذه الجمعية، وكذلك هو الأمر بالنسبة للأيتام الموجودين في جمعية المأوى العراقي للإبداع. والذي يديره “هشام الدهبي”.

حيث يوضح هذا الأخير الحاصل على إجازة في علم النفس ومؤلف ثلاث كتب عن الأيتام: «الأطفال يسمعون بنا عن طريق الفيسبوك، ولدينا فريق بحث تم تشكيله من ممثلي المجتمع المدني».

ويعمل المأوى العراقي للإبداع هذا من خلال تعزيز مواهب هؤلاء الأطفال، بدءاً من الموسيقا إلى الرسم والسينما، حيث يقول الدهبي: «عندما نلاحظ أن طفلاً يعطي وقتاً لنشاط أكثر من بقية النشاطات فإننا نشجعه على الاستمرار فالتشجيع يلعب دوراً مهماً لأن الأطفال يحتاجون إلى الاهتمام بشكلٍ خاص».

ويتذكر “الذهبي” بعض الحالات الصعبة التي استقبلها المأوى بما في ذلك حالة “حازم” الذي فقد والداه في انفجار هز المدينة، فتم وضع “حازم” تحت وصاية خالته التي أجبرته على التسول.

كان على هذا اليتيم الصغير أن يحضر يومياً ما قيمته بين 20 و 30 يورو كي لا تتم معاقبته، وفي أحد الأيام، هرب “حازم” إلى غير رجعة من ظلم خالته، وبعد سبعة أعوام قضاها في الشارع، تلقفه بالصدفة ابن شقيق “هشام الدهبي” وأحضره إلى الجمعية.

عند وصولهم، كان “حازم” منطويٍ جداً، إلى أن اكتشفت الجمعية موهبته في الرسم وقد أرسلت الجمعية إحدى لوحاته إلى واشنطن حيث فازت في إحدى المسابقات، ومنذ ذلك الحين و”حازم” يحضر إلى الجمعية بصفته معلماً لمادة الرسم.

ويعترف “الدهبي” أنه وإن كانت نهاية قصة “حازم” سعيدة، فإن هناك العديد من الحالات التي لم تتمكن فيها الجمعية من أن تفعل شيئاً.

فبالإضافة إلى كل حالات الاتجار والسرقة التي يتعرض لها الأيتام، فإن الفتيات تتعرضن بشكلٍ خاص لخطر الوقوع في شبكات الدعارة، وإن لم تكن هناك إحصائية رسمية لهذه الشبكات، فإن عددها يكبر بسرعة مستفيدةً من فساد رجال الشرطة والأمن، ناهيك عن الميليشيات التي تستغل كل مورد للمال.

وغالباً ما يتم التقرب من الفتيات الأيتام من قبل نساء يعدوهن بالحماية والإطعام والقليل من المال، لينتهي بهن الأمر في دور الدعارة، كما يتم بيعهن إلى الشبكات الإجرامية، وإن كان قانون مكافحة الاتجار بالبشر قد تم التصويت عليه في عام 2012 في العراق، إلا أنه لا يزال يتم تجاهله على نطاق واسع.

وانطلاقاً من المستقبل غير الواضح الذي ينتظر مئات الآلاف من الأيتام في العراق، فإن هناك سؤال ذو خصوصية يطرح نفسه فيما يتعلق بأيتام تنظيم داعش، ومن ضمن هؤلاء الأيتام، هناك العشرات من الأطفال الأجانب الذين يتوقف مستقبلهم على حسن إرادة حكومات دولهم.

ففي ميتم الساحلية الحكومي في بغداد، والذي يستقبل أطفال من التنظيم، كان هناك في شهر تموز الماضي 54 يتيماً من أصول أجنبية، بحسب “بلقيس ويل” من منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية.

ويضيف أحد العاملين في منظمة اليونيسيف في العراق رفض الكشف عن اسمه، والذي أوكل إليه متابعة الصحة النفسية لهؤلاء الأطفال، فإن هناك على الأقل سبعة أيتام لتنظيم داعش من أصول فرنسية قد تم إعادتهم إلى بلدهم الأصلي، كما أن الأيتام الموجودين اليوم في ميتم الساحلية ينتمون إلى 21 دولة مختلفة، معظمهم من أوربا وروسيا.

وتؤكد “ويل” المعلومة، قائلةً: «تقوم فرنسا وألمانيا بإعادة أيتامهم منذ اللحظة التي يتم فيها التعرف على أفراد أسرهم الذين يمكن أن يستقبلوهم، لكن بقية الدول، لاسيما تركيا وأوزباكستان، ترفض فعل ذلك”.

وتحاول “ويل” تحديد أسباب رفض هذه الدول استعادة أيتامها، حيث تعزي الأمر إلى سببين: «الموضوع المالي والسيناريوهات الكارثية، فالعديد من الدول تخشى أن يقوم هؤلاء الأيتام بعد عدة سنوات بعمليات انتحارية على أراضي بلادهم الأصلية إذا ما تمت إعادتهم اليوم، والجميع سيتهم الحكومات آنذاك أنها كانت السبب عندما وافقت على إعادتهم».

وفي الانتظار، فإن محكمة الأحداث العراقية قد بدأت بالفعل بمحاكمة عشرات الأطفال الأجانب بتهمة الانتماء إلى تنظيم داعش أو حتى تهمة عبور الحدود بشكل غير شرعي.

فالقانون العراقي يحدد المسؤولية الجنائية اعتباراً من سن التاسعة، والمتهمين الأحداث اليوم معرضين لعقوبات بالسجن تتراوح بين عام وخمسة عشر عام. وبالنظر لحالة السجون العراقية الحالية، فإن هناك رهان قوي بأنهم لن يخرجوا معافين، هذا إن خرجوا أصلا!.

من جهتها، تقول “بشرى العبيدي”، محامية تترأس لجنة حكومية تتابع عوائل تنظيم داعش، بهذا الخصوص: «يجب فصل أيتام تنظيم داعش عن بقية الأيتام لأن لديهم أفكار شيطانية وهم بحاجة لمتابعة خاصة».

ويقول موظف اليونيسيف المذكور أعلاه، بعد عشرات اللقاءات مع أيتام تنظيم داعش: «آخر مرة سمعت فيها هذه القصص المخيفة كانت بخصوص الحرب العالمية الثانية».

وأطلقت منظمة اليونيسيف برنامجاً يهدف إلى الحد من التطرف بالتعاون مع وزارة التربية العراقية يعتمد على إعادة التأهيل من خلال الرسم والكلام.

ويختم “حسين” بالقول: «في السابق، كنت أريد أن أصبح ضابطاً لأنه كان الشيء الوحيد الذي أعرفه، أما الآن فأنا لا أريد أن أكون عسكرياً. لقد فهمت بأن السلطة لا تأتي من السلاح وإنما من العقل».

 

عن صحيفة (Libération) الفرنسية- ترجمة الحل العراق

الصورة المرفقة عن المصدر المترجم

—————————————————————————————–

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.