(الحل) – “شواذ”، وصف لازم أصحاب الهويات الجنسية المختلفة في المجتمعات السورية كافة، على تفاوت انفتاحها وتقبلها للآخر. لطالما كان الاختلاف عن السائد والمعتاد في سوريا، أمراً شاقاً يحمّل هذا المختلف ضغط المجتمع بكافة مكوناته من أفراد ومؤسسات، فكيف إذا كان هذا الاختلاف متعلقا بالهوية الجنسية التي لطالما كانت الكلمة الفصل في حياة الجميع، حسب نوعه الاجتماعي.


تعرف على “مجتمع الميم”
اتخذ من حرف الميم رمزاً للهويات والأنواع الجنسية المختلفة مثل: مثليين (ميل الذكر للذكر والأنثى للأنثى)، مزدوجين (الأفراد الذين يميلون للذكور والإناث) وأيضاً مزدوجين (الأفراد الذين يملكون، دون تدخل جراحي أو طبي، عضوين تناسليين ذكري وأنثوي)، متحولين (الأفراد الذين لا ينتمون للجنس الذي نسب لهم عند الولادة فتكون ميولهم مثلية أو غيرية أو مزدوجة)، متسائلين، (الأفراد الذين لم يحددوا ميولهم الجنسية أو لايريدون تأطيرهم بهوية معينة).
بالإضافة لما سبق توجد حالات أخرى منها من يسمون بالإنكليزية بـ Asexual، ويقصد بها الأفراد الذين لايشعرون برغبة في ممارسة الجنس ويمكن أن يطوروا مشاعر حب وحميمية بدون أي تواصل جسدي.
ومن التسميات الملازمة لكل ماسبق، يأتي توصيف السلوك المعادي أو الرافض لهذه الهويات الجنسية وهو Homophobia، وبالتعريف فهي “رهاب المثلية”، ويأتي هذا الرهاب من رفض الأفراد والمجتمعات ككل لأي مغاير جنسياً لهم، وخوفهم من هذا “الغير” أو “المختلف”، بالمقابل توجد الفئة التي تسمى “المناصرين”، وهم أفراد مغايرو الجنس إلا أنهم يدعمون أصحاب الهويات الجنسية المتنوعة ويقرون بحقوقهم.


ذكر وأنثى
منذ سنواته الأولى، تتم تربية الطفل الذكر في سوريا على أن يفكر ويتصرف ويحب ويحلم كذكر، فكل شيء يتعلق به بدء من ثيابه وألعابه صغيراً، حتى دراسته وعمله وعلاقاته العاطفية، راشداً، يجب أن تكون ممهورة بذكورته، عدا عن ذلك فهمو بنظر العائلة والمجتمع “مريض” أو “ممسوس” أو “شاذ”.

أما بالنسبة للإناث، فمتوقع منهن أيضاً أن يدركن في قرارة أنفسهن أنهن إناث ويحسنّ التصرف وفقاً لكل الحدود والقيود التي تحملها كلمة أنثى في مجتمع ذكوري. إلا أن الفرق بينهن وبين الذكور يكمن في أن غالبية المجتمعات الذكورية تطالب الأنثى بعدم إظهار أنوثتها كما تحب، على عكس الذكر الذي يستحسن أن يبالغ في إظهار كل جوانب الذكورة لديه. فأنوثة المرأة وجدت لتلبي رغبة الرجل ومتعته أما ذكورة الرجل فهي هويته، ووجوده، وقوته في المجتمع.


حصوة صغيرة في بحيرة مجتمع النكران
إما ذكر أو أنثى، لا تقر المجتمعات التقليدية (الذكورية حصراً)، بوجود أنواع اجتماعية أخرى أو هويات جنسية مختلفة لتلك التي عرفوها، فقبل الانفتاح الرقمي والتطور التكنولوجي، كان يعزى إنكار هذه المجتمعات لوجود المغايرين عن السائد جنسياً، للجهل، أي لعدم درايتهم أو سماعهم عن هؤلاء الأشخاص.

حتى أن ذوي الهويات والأنواع الجنسية المغايرة لم يكونوا ليجرؤوا على كشف هوياتهم خوفاً من عواقب هذا الأمر الذي يتراوح بين النبذ والرفض ويصل حد الاضطهاد والقتل، إلا أنه وفي السنوات الأخيرة بدأت أصوات أصحاب الهويات الجنسية المغايرة لـ “المألوف” بالظهور إلى الشمس واستطاع هؤلاء عبر مساندة بعضهم البعض، وبدعم أفراد يحترمون الحريات الشخصية ويتطلعون للمساواة، رمي حصوة صغيرة في بحيرة مجتمع النكران والر فض الراكدة.

 

ثنائية العائلة والمجتمع
“شو بدهن يقولوا الجيران؟ شو بدهن يحكوا علينا العالم؟؟”، لا يكاد يوجد شخص ولد وعاش في سوريا لفترة من الزمن، إلا وسمع هذه الأسئلة من عائلته حول أي موضوع كان،
فلطالما امتدت العائلة قوانينها وطريقة تربيتها لأبنائها، من المجتمع، حيث تصبح القوانين الاجتماعية، صائبة كانت أم مخطئة، دستوراً للأبوين، فالنهي عن سلوكيات معينة والتشجيع على أخرى، غالباً ما يكون مستمداً من مما تنبذه العامة أو تفضله. فالوالدان اللذان تربيا على الصور النمطية التي حددت هويتهما ورغباتهما، لن يتقبلا بسهولة أن يواجها “اختلاف” ابنتهما أو ابنهما، ويختلف تعامل الأسر مع هذه الحالات تبعاً لعدة عوامل منها المستوى التعليمي، الخلفية الدينية، الوسط الاجتماعي، المستوى المعيشي، إلخ.


ذوو الهويات الجنسية في ظل الحرب

كأي سوري، واجه أصحاب الهويات الجنسية المغايرة، مصاعب الحرب التي مرت وتمر صعبة على الجميع، وشديدة القسوة على أبناء المناطق التي ثارت على النظام.
وفي ظل القمع الاجتماعي الذي تشهده معظم المناطق السورية على اختلاف السلطات الحاكمة فيها، يواجه أفراد “#مجتمع_الميم” قمعاً مضاعفاً، ففي المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، رغم أن قوات الأخير تغض النظر عن التفاصيل الاجتماعية نظراً لانشغالها بقمع على مستويات أعلى، إلا أن ذلك لايحمي أفراد “الميم” من الاضطهاد والاستغلال إذا ماكشف أحدهم هويته أو تمت الوشاية به، حيث يصبح لقمة سائغة للشبيحة وعناصر الحواجز والمفارز لاستغلاله جنسيا ومعنوياً.
ويجرم القانون السوري المثلية الجنسية، ويعتبرها نوعاً من أنواع “الشذوذ الجنسي”، حسب المادة 520 التي تنص على أن ” كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى ثلاث سنوات “، وهذا يعني أن الشخص المغاير للسائد جنسياً، هو عرضة للعقاب باسم الدستور، وأي انتهاكات قد تحصل بحق أفراد “مجتمع الميم”، سيقف القانون بـ “رجاله ومؤسساته” مكتوفي الأيدي كما هو الحال عند وقوع “جريمة شرف”، أو جريمة باسم الدين، حيث تصبح الضحية مذنبة والمجرم “محمي ومعذور”.

أما في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، فأحكام من يضربون بسيف الدين لا تقل عن القتل، فمن يسمون المثلية “لواطاً” لن يتقبلوا وجود أشخاص يثبتون لهم أن الذكورة التي يفاخرون بها والقوانين التي يسنونها لم تعد إلا خرائب هشة وآيلة للسقوط. هذا ولا يفوتنا ذكر ما تعرض له عدد من الشبان في مناطق كان يسيطر عليها داعش، للعقاب على أيدي عناصر الظلام، بسبب اتهامهم بممارسة الجنس مع شبان آخرين، حيث ابتدع العناصر المتطرفون وقتها حكم “الرمي من شاهق” وطبقوه على شبان في الرقة وديرالزور بحجة “اللواط”.
أما عن النساء المثليات فلا حالات كثيرة تذكر، ليس لأنها غير موجودة، ولكن النساء في هذه المناطق كن محرومات حتى من الكشف عن وجوهن أو الخروج من البيوت بدون مرافقة رجل، فكيف لهن بأي حال أن يعبرن عن أي ميول أو رغبات.

 

الفضاء الافتراضي مظلة “الميم”
ساهم توفر خدمة الإنترنت وتعدد منصات التواصل الاجتماعي، بالتخفيف من عزلة أفراد “مجتمع الميم”، حيث بدأت حكاياتهم تروى وتصل لمسامع العالم، منهم من يخفي هويته الحقيقية لظروف تم التطرق لبعضها فيما سبق، أو لأسباب شخصية أخرى، ومنهم من ظهر باسمه\ها وصوته\ها وصورته\ها الحقيقية ليكسر صمتا لف حياة الكثيرين وقمعاً أجبر أفراداً على معاكسة رغباتهم والارتباط بأشخاص لا يميلون لهم جنسياً، فقط لإرضاء المجتمع وتجنب الغضب الجمعي الذي سيطال المجاهرة بالاختلاف.
ونظمت في السنوات الماضية حملات مناصرة وتعريف بالمثليين، ومن أبرزها الحملة السورية “الحب ينتصر” أو Love Wins، و أنت لست وحيداً – You’re Not Alone
كما أنشأت منصات على مواقع التواصل الاجتماعي تعنى بأمور “مجتمع الميم”، منها، “متساوين، ماي كالي،LGBT  بالعربي، حلم”.

 

إعداد: رجا سليم – تحرير: سامي صلاح

(الصورة: اعتصام لنشطاء في لبنان – أ ف ب/غيتي إيمجز)

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.