الأطفال المشردون في ديرالزور فريسة سهلة للمليشيات الإيرانية لتجنيدهم في صفوفها

الأطفال المشردون في ديرالزور فريسة سهلة للمليشيات الإيرانية لتجنيدهم في صفوفها

ديرالزور (الحل) – بعد عام من التشرد، لم يجد الطفل يوسف الحاج حسن (15عاماً نازح من الأحياء المدمرة في مدينة #دير_الزور)، مكاناً يؤويه أو يقتات منه، مما دفعه إلى القبول بالانضمام إلى صفوف المليشيات الإيرانية في مدينة #البوكمال (شرقي ديرالزور).

ينتقل يوسف بين النقاط العسكرية التابعة لمليشيا #الحرس_الثوري_الإيراني المنتشرة في عموم المحافظة، نزولاً عند رغبة تلك المليشيات، والتي عملت على إقناعه بالانضمام لها منذ مطلع العام الحالي كما فعلت مع غيره من الأطفال المشردين في المنطقة، مستغلة وضعهم الذي سها الانضمام لها أو لإحدى المليشيات الأخرى الموالية لها.

ترك يوسف منزله بداية العام 2018، إثر خلاف مع والده بعد عجزه عن توفير (1000) ليرة سورية، يوميا لأبيه حسب طلبه، الأمر الذي دفع الأب إلى طرده خارج المنزل.

يقول يوسف لموقع «الحل» “كنت أجد صعوبة في الحصول على الطعام والمأوى، فالشارع كان منزلي”. يصمت قليلا ويضيف: “تعبت من هذا العيش، فلا أستطيع العودة إلى المنزل، لأن أبي لن يسمح بذلك، وما زاد ذلك سوءاً وفاة أمي بعد فترة قليلة من خروجي من المنزل، إذ سدت كافة الأبواب في وجهي، فلم أجد سبيلاً للخلاص سوى الموافقة على طلب أحد عناصر الحرس الثوري بالانضمام لهم، كي أحصل على الطعام من دون تسول”.

من التشرد إلى القتال
يعدّ يوسف واحداً من سبعة أطفال مشردين من المنطقة، وثق موقع «الحل» سبب التحاقهم ومشاركتهم في القتال ضمن صفوف مليشيات #إيران سواء ضمن حدود المحافظة أو خارجها، إذ لعبت حياة التشرد التي عاشها هؤلاء نتيجة لسنوات الحرب السابقة التي واكبوها إلى جانب الخلافات الأسرية أيضاً، دوراً أساسياً في دفعهم للانخراط ضمن صفوف تلك المليشيات والانصياع لأوامرها، ومن بين هؤلاء، الأخوة حميد العماش (12 عاماً) ويوسف العماش (14عاما) من مدينة الميادين واللذان تشردا بعد انفصال والديهما، ولم يجدا من يؤويهما مما دفع بهما إلى الانخراط في صفوف مليشيا «فاطميون» التي تسيطر على معظم أحياء المدينة.

يعمل الأخوان عماش، حالياً، في إحدى نقاط الحراسة التابعة لمليشيا فاطميون في مدخل المدينة من جهة البادية حسب قريبتهما، عائشة الخلف ( 34عاماً)، والتي قالت لموقع «الحل» إنه “في ديسمبر/كانون الثاني/ 2018 ، قرر الطفلان الانضمام إلى مليشيا فاطميون بعد إقناعهما من قبل المدعو محمد السنكة (أحد المتطوعين في المليشيا المذكورة من أبناء المدينة) بالانضمام إليهم والدفع لكل واحد منهما يومياً 500 ليرة سورية، وأشارت إلى أن “أقربائهما حاولوا إقناعهما بترك المليشيا المذكورة وتقديم المساعدة لهما، إلا أنهما رفضوا ذلك، وفضلوا البقاء ضمن صفوفها” على حد قولها.

إقحام الأطفال بمعارك خارج حدود المحافظة يؤكد الأطفال العائدون من جبهات القتال الأخيرة الدائرة في #ريف_حماة_ الشمالي بين فصائل المعارضة المسلحة من جنب وقوات النظام والمليشيات الموالية لها من جنب آخر، أن “بعضاً من أقرانهم المشردين، ما زالوا يقاتلون في صفوف مليشيا الحرس الثوري ومليشيا فاطميون في المنطقة المذكورة، بعد أن قاموا بنقلهم إلى هناك أواخر الشهر الفائت، بالرغم مما يتعرضون له من مخاوف وإصابات جسدية ونفسية”.

منزلهم الشارع، إذ تستخدم المليشيات الأطفال كمقاتلين وحراس وكشافة على الرغم من تعرض البعض منهم للإصابة والقتل، ومن بين هؤلاء عبدالله السرحان (13عاما) نازح من حي هرابش في مدينة الميادين، والذي عاد إلى التشرد مجدداً، بعد شهر واحد من انضمامه إلى القتال في صفوف مليشيا فاطميون.

السرحان لم يستطع مواصلة القتال بعد أن تعرض لإصابة في كلتا يديه، في معارك حماة، حيث يقول لموقع «الحل»، بعد الإصابة التي تعرضت لها وشعور الخوف الكبير الذي عشته خلال المعركة، فضلت العودة إلى الشارع لافتقاري إلى أسرة، ولا أريد العودة إلى القتال مطلقاً”.

أما حسام الخميس، (15عاما) من مدينة البوكمال، فقد تمكن والده من إعادته من إحدى نقاط الحراسة التابعة للحرس الثوري بالقرب من محطة الكم النفطية (T2) قبل أن يصاب بأي مكروه لأن خلايا «داعش» تنشط بشكل كبير في البادية وقامت بالتسلسل مرات عدة للمحطة المذكورة، حيث قتلت وأسرت عدد من عناصر المليشيات هناك، وفقاً لشهادة الأب.

يقول والد الخميس لموقع «الحل»: “ترك ابني المنزل قبل ثلاثة أشهر بسبب خلاف أسري، لم أستطع معرفة مكانه في البداية، إلا قبل مدة وجيزة عن طريق أحد الأطفال المجندين في صفوف الحرس الثوري بداخل المدينة، وبعد وساطات عدة ودفع مبالغ مالية لنافذين في المليشيا ذاتها، استطعت إعادته إلى المنزل بصعوبة بالغة”، مؤكداً بأن “هذه المرة لن أفرط به حتى لا أخسره إلى الأبد” وفق تعبيره.

وتعقيباً على حديث والد الطفل، قالت الأخصائية النفسية وفاء العيسى من مدينة ديرالزور، لموقع «الحل» إن: “الأطفال المشردين حالياً ممن ليس لديهم مكان يأويهم، أو ممن هرب من منزله لكثرة الخلافات بين والديه أو بسبب الضغوطات التي تمارس عليه بداخل المنزل من قبل أحد الأبوين أيضاً، يجعلهم عرضة للجنوح والاستغلال من قبل المليشيات المنتشرة في عموم المنطقة، وهذا الأمر ينتج عنه خللاً في المجتمع، ناهيك عن تنشئة جيل يميل إلى العنف جراء ما يتعرضون له من مشاكل نفسية في حياة التشرد، وإصابات جسدية عند اقحامهم في المعارك أيضاً”.

وأضافت بأن “هؤلاء الأطفال، تلازمهم اضطرابات نفسية وعصبية ما يجعلهم أفراداً غير أسوياء، وهذا ينعكس على علاقتهم الاجتماعية في محيطهم الاجتماعي وقد تتعاظم مشاكلهم النفسية مما يجعلهم يميلون إلى الإدمان، أو إلى الانتحار، وخاصة من شاهد منهم عمليات قتل أوموت متكرر” وفق وصفها.

الطفل محمد سعيد الطوفان (14 عاماً) نازح من مدينة ديرالزور في البوكمال تحدث لموقع «الحل»، قائلاً “شاهدت صديقي وهو يسقط قتيلا أمامي، والكثير من الجثث التي تناثرت أشلاؤها جراء القذائف المتبادلة بين قوات النظام وفصائل المعارضة في ريف حماة الشمالي، لا أستطيع نسيان ذلك المشهد أبداً وأحزن كثيراً على ماحل بصديقي” وفق تعبيره.

غير أن حال الطوفان يظل أفضل من الطفل محسن العبارة (16عاما)، من مدينة الميادين والذي تمت إعادته جثة هامدة من نقطة حراسة لمليشيا الحرس الثوري، بالقرب من نبع ماء “عين علي” في بادية #القورية، بعد تعرضها لهجوم من قبل خلايا تابعة لداعش مطلع الشهر الفائت، وعندما عرفت والدته بالخبر أصيبت بجلطة دماغية ما زالت تعاني من آثارها حتى اليوم.

يقول شقيق محسن لموقع «الحل» “ترك أخي المنزل قبل أن يتم استقطابه من قبل عنصر من الحرس الثوري من المدينة، بعد خلاف مع والدي، ليعود إلينا جثة مشوّهة الملامح بعد مدة وجيزة”.

وختاماً يقول مهتمون من المنطقة بأن تجنيد مليشيات إيران للأطفال المشردين في دير الزور وباقي المحافظات الأخرى وإشراكهم في الصراعات خطرٌ ينذر بجيل أكثر ميال للعنف وعارف بأساليبه قادر على استخدامه.

وتملك عدة مليشيات موزعة في عموم المحافظة ومنها، “زينبيون وحيدريون والنجباء العراقية والحشد الشعبي العراقي” وغيرها، معسكرات للتدريب وتقوم كل منها باستقطاب الفتية اليافعين وإغرائهم بالمال للانضمام إلى صفوفها حيث يتلقى أولئك الفتية في البداية جلسات فردية تحريضية من قبل رجال دين طائفيين، تنمي وتثير لديهم مشاعر الكراهية والتعصب ضد فئات المجتمع وتقام محاضرات جماعية ويسمعون اناشيد حماسية ودروساً إيديولوجية او مناطقية، ثم تدريبات على استخدام جميع انواع الأسلحة من قبل ضباط في المليشيات المذكورة أعلاه، وبعد ذلك يتم ارسالهم إلى جبهة القتال.

ولا يقتصر تجنيد الفتية الصغار على المليشيات الإيرانية فحسب، فهناك بعض الأطفال التحقوا بمليشيات أخرى مثل الدفاع الوطني ودرع الأمن العسكري ومليشيا العشائر، أما بسبب إغراءات مالية أوبسبب مشاكل أسرية وإهمالهم من قبل عائلاتهم.

ويرى مراقبون أن منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات حقوق الطفل والمنظمات الدولية والمحلية فشلت فشلاً ذريعاً في وضع برامج توعوية للحد من تجنيد الأطفال وخاصة في مناطق النزاع في سوريا والتي يشهد أغلبها انتشاراً واسعاً لمليشيات تتبع لإيران في المنطقة، والتي تعتمد بشكل رئيسي على استقطاب الأطفال لتجنيدهم في صفوفها، لصنع حاضنة لها في المنطقة على المدى البعيد.

إعداد: حمزة فراتي

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة