اليد الروسية تحكم قبضتها على الاقتصاد السوري وقطاعاته الحيوية

اليد الروسية تحكم قبضتها على الاقتصاد السوري وقطاعاته الحيوية

(الحل) – على عكس الإستراتيجية الإيرانية في سوريا، والقائمة على الاستحواذ الكمي على أكبر عدد ممكن من القطاعات الاقتصادية والاستثمار فيها، كانت السياسة الروسية، والتي ركزت كل جهودها على الاستثمار في القطاع النفطي وقطاع الطاقة إلى جانب السيطرة على القطاعات الإستراتيجية والسيادية كمرفأ طرطوس والحديث عن استثمار مطار دمشق الدولي، الذي يبدو هو الآخر قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح تحت سيطرتهم، فلم يبق سوى أن يرفع الطرفان نخب التوقيع والتسليم.

خارطة طريق في مجال الطاقة والنفط والغاز

في شهر شباط من العام 2018، تم التوقيع على خارطة الطريق للتعاون في مجال الطاقة والنفط والغاز بين حكومة النظام وروسيا، وبحسب وزارة الطاقة الروسية ، فإن الوثيقة «تنص على تنفيذ مرحلي للمشاريع في مجال الاستكشافات الجيولوجية على الأراضي السورية وعلى الجرف، وإنتاج النفط والغاز، وترميم وتحديث البنية التحتية للنفط والغاز».

اتفاق الغاز البحري لمدة خمسة وعشرين عاماً

في 25 كانون الأول من العام 2014، تم التوقيع على اتفاق بين روسيا وحكومة النظام، يسمح بالتنقيب والحفر في منطقة قبالة الساحل السوري، وسوف تستثمر المجموعة الروسية «سيوزنفتاغاز»- التي تسيطر عليها الدولة الروسية- في الغاز البحري لمدة خمسة وعشرين عاماً.

كما وقعت حكومة النظام، عقوداً طويلة الأمد مع شركات روسية، مثل «عقد عمريت» في 2013، الذي يعتبر الأول من نوعه من أجل التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية، إذ يشمل العقد عمليات تنقيب في مساحة 2190 كيلومتراً مربعاً، ويمتد على مدى 25 عاماً، بكلفة تبلغ 100 مليون دولار، بتمويل من روسيا.

وتوقعت دراسة أجرتها «هيئة المسح الجيولوجي الأمريكي» “USGS” أن الساحل الشرقي للمتوسط، أي الساحل السوري-اللبناني-الفلسطيني، يحتوي على مخزون هائل من الغاز يقدر بـ 700 بليون متر مكعب إضافة إلى #النفط.

السيطرة على الغاز في ريف حمص

لم يقتصر الدور الروسي على الاستثمار في الغاز البحري بل في البر أيضا، إذ حصلت شركات روسية- بحسب التسريبات الإعلامية- على حق استثمار الغاز في منطقة قارة، حيث تقدر هيئة المسح الجيولوجي الأميركية “USGS” كمية الغاز في منطقة قارة قرب حمص بـ 437 بليون متر مكعب.

وقد توصلت بعض الدراسات إلى أن الاحتياطي السوري من الغاز في منطقة تدمر، وقارة، وساحل طرطوس وبانياس كبير جداً، وهذا سيجعل سورية- إذا ما تمّ استخراج هذا الغاز- «ثالث بلد مصدر للغاز في العالم»، وستحتل مركز قطر، بعد روسيا وإيران، حيث إن ثلاثة حقول غاز متوسطة الحجم شمال تدمر، تكفي لتزويد سوريا كاملة بالطاقة الكهربائية، 24 ساعة يومياً، لمدة 19 سنة.

إعادة ترميم 4 محطات كهروحراراية

بدأت الشركات الروسية العمل في المحطات الحرارية لتوليد الكهرباء في سوريا، وهناك أربع شركات روسية مهتمة بالعمل في سوريا وهي: (إس أي غي-إنجينيرينغ، زاروبيج نفط، زاروبيج جيولوجيا، وتيخبروم إكسبورت).

وكان النائب الأول لوزير الطاقة الروسي، أليكسي تيكسبر، قد أوضح  أن الحديث يدور عن إعادة ترميم أربع محطات كهروحراراية وأن شركة «تيخنوبروم اكسبورت» التابعة لمجموعة شركات «روستيخ» قد تشارك في هذا المشروع.

«ستروي غاز» الأوفر حظا في سوريا

في 17 آذار 2019، دخل العقد الموقع بين «المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية» وشركة «ستروي ترانس غاز» الروسية حيز التنفيذ، لاستثمار المعامل الثلاث لشركة الأسمدة العامة في حمص.

وتصل مدة عقد الاستثمار لـ48 عاماً، وستقوم الشركة الروسية بصيانة وتجديد معامل الأسمدة على أن تقوم بعد ببيع الإنتاج بكامله (محلياً ودولياً) بالسعر العالمي.

وصفقة الاستيلاء تلك شبيهة بصفقة الاستحواذ على الفوسفات السوري بريف حمص الشرقي بحجة تطوير صناعته، إذ استحوذت شركة (ستروي ترانس غاز) الروسية على عقود استخراج خدمات الفوسفات من بادية حمص وتصديره للسوق العالمية لمدة 50 عاما.

وقد صادق مجلس «الشعب» السوري الموالي للنظام، في آذار من عام 2018، على العقد الموقع بين «المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية» وشركة «ستروي ترانس غاز» الروسية، لاستثمار واستخراج الفوسفات من مناجم الشرقية لمدة 50 عاماً بإنتاج 2.2 مليون طن سنوياً.

وقد نفذت شركة «ستروي ترانس غاز» الروسية، مشاريع متعددة في سوريا، مثل خط #الغاز العربي، ومعمل غاز جنوب المنطقة الوسطى الذي ينتج 7 ملايين متر مكعب غاز يومياً، ومعمل الغاز في توينان وينتج اليوم حوالي 1.4 مليون متر مكعب غاز يومياً.

مرفأ طرطوس بيد الروس لـ 49 عاماً

قال نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف، إن بلاده ستقوم  باستئجار ميناء طرطوس في سوريا لمدة 49 عاما، ويأتي ذلك بعد أن وقعت روسيا وحكومة النظام في عام 2017 اتفاقية حول إقامة مركز لوجيستي للمعدات الفنية للأسطول الروسي في طرطوس لمدة 49 عاماً.

وتصل مدة العقد الموقع مع شركة «ستروي ترانس غاز» “CTG” الروسية إلى 49 عاما، على أن تكون حصة سوريا من الإيرادات 25% بغض النظر عن قيمة الإنفاق، على أن تزاد هذه النسبة لتصل إلى 35% مع الانتهاء من تنفيذ مشروع المرفأ.

وفي محاولته تحقيق انتصار إعلامي شكلي، اعتبر وزير النقل السوري، أن المرفأ- بوضعه الحالي- سيحقق دخلا سنويا يبلغ 24 مليون دولار، مضيفاً «أنه في حال استثمار روسيا له ستحقق سوريا 84 مليون دولار سنويا، أي أكثر من ثلاثة أضعاف».

وهذه أرباح افتراضية مشروطة، لأن بين أيدينا خسائر مؤكدة منذ اللحظة الأولى لتأجير المرفأ، حيث ستخسر سورية 18 مليون دولار سنوياً حتى نهاية تنفيذ المشروع، والذي قد يستمر لعشر سنوات أو أكثر، لأنها ستحصل فقط على 25 بالمئة من إيرادات المرفأ المقدرة حاليا بـ 24 مليون دولار، و15.6 مليون دولار سنوياً حتى نهاية عقد التأجير إذا لم يتم تمديده بعد 49 عام عند نهاية العقد.

والإيجار في حالة #مرفأ_طرطوس، يعني خروجه من السيادة السورية، ورفع العلم الروسي على السفن القادمة والمغادرة من المرفأ.

شركات روسية تبحث إمكانية استثمار مطار دمشق

لم تنف وزارة النقل السورية بالمطلق فكرة استثمار مطار دمشق من قبل #روسيا، بل اعتبرت في بيان على موقعها الإلكتروني: «أن مطار دمشق الدولي هو إحدى المنشآت الحيوية والمشاريع الضخمة التي تعمل الوزارة على تطويرها واستثمارها على نظام الـ(Bot) مع رؤية إنشاء صالة ركاب جديدة».

وأضافت: «أنه ضمن بروتوكول اجتماعات الدورة الحادية عشرة للجنة المشتركة السورية-الروسية المنعقدة بتاريخ الـ12 إلى الـ14 من كانون الأول 2018 تمت مناقشة تأهيل مطاري دمشق وحلب بناء على المباحثات الفنية المنعقدة في دمشق خلال الفترة من الـ19 إلى الـ20 من تشرين الثاني 2018 حيث عرض الجانب الروسي إعادة تأهيل المطارين وفق نظام الـ(Bot)».

وهذا يعني أن روسيا وشركاتها تبحثان إمكانية استثمار #مطار_دمشق_الدولي، أما النفي الخجول لوزارة النقل، فما هو إلا نفي اعتادت الوزارات التابعة لحكومة النظام على تكراره، ليتحقق بعد حين على أرض الواقع. وهذا ما تم تأكيده من خلال مصادر خاصة بـ«الحل السوري» قبل أيام، وتم نشره على الموقع ضمن نشراته الإخبارية.

 خارطة طريق للتعاون الصناعي والتجارة

في شهر نيسان من عام 2019، تم التوقيع على خارطة الطريق للتعاون في مجال التجارة والصناعة. وستضم عددا من المشاريع الاستثمارية والتجارية، في مجال النقل والصناعة والزراعة والموارد المائية والرعاية الصحية.

وتتضمن المشاريع، بحسب تعبير إياد مقلد مدير التخطيط التعاون الدولي في وزارة الصناعة السورية، لنهوض بصناعة الغزل والنسيج وإعادة إحياء وتطوير معمل إطارات أفاميا، وتطوير قطاع النقل الجوي في سوريا، وتأهيل وتجهيز أجهزة الملاحة الجوية ومد شبكات الطرق والسكك الحديدية، واستثمار الثروة المعدنية في #سوريا، وإعادة تأهيل المصانع والمنشآت وغيرها من المشاريع، كما سيتم إيفاد عدد كبير من خبراء القطاعات الاقتصادية لتنمية القدرات تمهيدا لانطلاق العمل واستنهاض القطاعات ذات العلاقة.

اتفاقيات إعادة الإعمار في 9 قطاعات حيوية

توصلت اللجنة المشتركة السورية-الروسية في اجتماعاتها الفنية التحضيرية في نهاية العام 2018 (ضمن الدورة الحادية عشرة) للتعاون في القطاعات الاقتصادية والتجارية والصناعية والعلمية والثقافية الفنية.

وشملت 20 مذكرة تفاهم في تسعة قطاعات مهمة، إذ تم التوصل إلى صيغ شبه نهائية لاتفاقيات مشتركة في قطاعات المطاحن والكهرباء والنقل والطاقة والموارد المائية.

هذا أول الغيث، فالسيطرة الروسية على الاقتصاد السوري في بداياته، إلا أن تلك البدايات تبشر بأحكام روسيا قبضتها على الاقتصاد السوري وقطاعاته الحيوية، من النفط والغاز إلى استثمار المرفأ والمطار، فلم يعد من السيادة السورية سوى الاسم، فمن يملك المال هو من سيتحكم بالقرار السياسي في نهاية المطاف، ويعزز سيطرته المطلقة على أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد.

 

إعداد: إبراهيم سلامة

الصورة من الأرشيف

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.