كوباني (الحل) – خلال خمس سنوات من سيطرته على مساحات واسعة ما بين سوريا والعراق، عمل تنظيم «داعش» على ابتكار أساليب جديدة لتنفيذ جرائمه بحق الأبرياء. وما مجزرة كوباني إلا إحدى تلك الجرائم التي تميزت عن سابقاتها، ليس لإتباعه خطة محكمة في تنفيذها فحسب، بل لأن مقاتليه اعتمدوا في استباحتها على اعتبارها «أرض كفر»، وهو ما «أجاز» لهم قتل أكبر عدد ممكن من الأهالي، دون تمييز بين أطفال أو نساء أو كبار في السن.

وعلى مدار يومين، شهدت كوباني وقرية برخ بوتان المحاذية لها، طقوس أحياء الذكرى الرابعة للمجزرة، بإيقاد الشموع على أضرحة الضحايا، مستذكرين يوماً بات تاريخاً مفصلياً في حياة المدينة وأهلها، ذلك أن الأرقام التي وثقت لاحقاً تقول إن من بين الضحايا الذين بلغوا 242 هناك 37 طفلاً (28 طفل و 9 طفلة) و 77 امرأة منهن ثلاثة حوامل، وإن المجزرة شملت 37 عائلة، فيما بلغ عدد العائلات التي فقدت الأبوين 18 عائلة، أما مجموع الأيتام الذين فقدوا الأبوين 93 طفلاً وطفلة، بينما بلغ عدد الجرحى 267.

«اختراق أمني»

يقول مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا، إن مجموعة ضمت ما بين 80 – 85 من مسلحي تنظيم «داعش» نفذوا هجوماً مسلحاً على المدينة فجر الـ 25 من حزيران، وقتلوا فيها 271 شخصاً بينهم 242 مدنياً منهم 37 طفلا، و 77 امرأة.  استخدموا فيها أسلحة فردية، وسكاكين لذبح الأطفال والنساء، إذ كانوا يدخلون المنازل ويطلقون النار على الأهالي دون تمييز، وذلك بدءاً من الساعة الرابعة فجراً وحتى العاشرة صباحاً، لتتمكن بعدها وحدات حماية الشعب من تطويق نقاط انتشار المسلحين، وقتل وأسر عدد منهم.

وبحسب الصحفي «مصطفى عبدي» الذي تمكن من توثيق تفاصيل دقيقة من المجزرة وشارك على صفحته في موقع الـ«فيس بوك»، ما يظهر أن أولى خطوة للعملية كانت بإعلان وكالات مقربة من التنظيم قبل وقوع المجزرة بأيام، عن مهلة 24 ساعة للعوائل «الكردية» في مدينة الرقة من أجل الخروج منها، وذلك تحت بند  التهديد بالاعتقال والقتل. وكان نتيجة ذلك نزوح المئات من العوائل باتجاه #كوباني، بسيارات كبيرة وشاحنات وسيارات بيك أب.

ويؤكد المصدر أن هذه الخطوة كانت الأولى لمخطط تنفيذ المجزرة، إذ ما لبث أن تنصل التنظيم في الأسبوع التالي من بيان دعوة التهجير، ليظهر أنه تمكن بهذه الطريقة من إدخال الأسلحة والمسلحين إلى كوباني، لتحريكهم في يوم 25 حزيران.

سيارات مفخخة

وكذلك فقد وضع التنظيم، خطة للهجوم على المدينة من ثلاثة محاور بعد أن نجح في إدخال خلاياه إليها، وما أن بدأ الهجوم في الرابعة فجراً، حتى انطلقت من المحور الجنوبي من جهة صرين 12 سيارة عسكرية، ثمانية منها توجهت إلى كوباني وأربعة إلى قرية برخ باتان التي تبعد 27 كيلو متراً عن مركز المدينة، حيث دخل مسلحو التنظيم القرية وقتلوا 28 مدنياً من أهلها، بينما انتشرت العناصر الأخرى في المدخل الغربي لكوباني ومفرق مقر الإدارة الذاتية ومقر ثانوية البنين.

أما في المحور الشمالي فيقول المصدر إن مجموعة من مسلحي التنظيم دخلوا كوباني من الحدود التركية، وانتشروا في حارة الكمرك شمال المدينة، من أجل قتل المدنيين وذلك بعد تفجير سيارة مفخخة في معبر مرشد بينار مع تركيا. بينما كان التنظيم قد حرك من الجهة الغربية، 9 زوارق مليئة بالأسلحة والعناصر عبر نهر الفرات قادمة من جرابلس، وذلك للانتقال للضفة الشرقية حيث بلدة الشيوخ، لكن تدخل التحالف الدولي في الوقت المناسب بقصف هذه الزوارق وهي في النهر، منع من وقوع أعداد أكبر من الضحايا.

التصفية بالرصاص الحي والذبح

ويؤكد شهود عيان أن تنكر مقاتليّ التنظيم بلباس وحدات حماية الشعب، ومقاتلي «الجيش الحر»، الذين كانوا يقاتلون التنظيم ضمن غرفة عمليات «غضب الفرات» حينها، جعل الناس تخرج إلى الشارع وتقترب منهم دون خوف لسؤالهم عن سبب إطلاق النار، بينما كانت مهمة هذه المجموعات هي إقامة حواجز داخل المدينة وتصفية كل من يصادفونه في الشوارع، بينما اقتحمت مجموعات أخرى المنازل وبدأت بقتل الناس بالرصاص وذبحهم بالسكاكين.

وحتى يميز مقاتليّ التنظيم بعضهم عن مقاتلي وحدات حماية الشعب و«الجيش الحر»، كانوا يضعون رباطاً أصفراً على أذرعهم. وأدت العملية بالكثير من المدنيين إلى النزوح غرب المدينة، بينما بقي كثيرون في منازلهم، وآخرون لم يحالفهم الحظ في النجاة حيث اقتحم مقاتلو التنظيم منازلهم وقتلوهم نياماً.

بداية النهاية

تذهب مصادر متقاطعة إلى أن إحدى العوامل التي سهلت حدوث الخرق الأمني، هو حالة الاستنفار التي دفعت وحدات حماية الشعب إلى سحب غالب مقاتليها من المدينة إلى جبهتيّ عين عيسى وصرين، بالإضافة إلى سحب قسم من قوات الأمن الداخلي «الأسايش»، لتترك المدينة من الداخل بحماية ضعيفة. الأمر الذي استغله التنظيم في اختراق الحواجز والوصول لكوباني دون خسائر كبيرة.

كوباني كانت المدينة الأولى التي فشل التنظيم في السيطرة عليها، وشكلت معركتها بداية النهاية له، حيث تؤكد المصادر أن «داعش» فقد أكثر من 8 آلاف من أمهر مقاتليه فيها، وهو ما دفعه لاحقاً للتخطيط للانتقام منها،. فكانت المجزرة تحمل معها رسالة تقول إن التنظيم قادر على ضرب أية مدينة، حتى وإن انتزعت منه، وفي أي وقت يريد.

 

إعداد: جانو شاكر – تحرير: معتصم الطويل

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.