في العراق.. (بَدرة) تتنفَّسُ الحُب بين قَومِيَّتين في زمن الاشتِداد الطائِفي

في العراق.. (بَدرة) تتنفَّسُ الحُب بين قَومِيَّتين في زمن الاشتِداد الطائِفي

علي الكرملي

في محافظة #واسط، وإلى الشرق منها على نحو 75 كم، تقع بلدة عراقية متاخمة للحدود الايرانية، هي (بدرة)، وبدرة هي قضاء يفصلها عن ايران سلسلة جبال #حصا روست، تتميز بنهرها (الخالد) #الكِلال.

هذا النهر يقسمها إلى قسمَيْن، بدرَة القديمة التي كانت تقع على تل، ومن خلفها بساتينها، وبدرَةَ الجديدة التي أُسِّسَت في اربعينيات القرن الفائت في الضفَّة الأخرى المُقابلة للكِلال، لتصبحَ مدينة يشقُّها نهر إلى شقّين، تماماً كما يشق دجلة العاصمة العراقية إلى شقَّين (كرخ، ورصافة).

بدرَة التي كانَت إلى وقت قَريب تنتج أجوَدَ أنواع التمور في العراق قاطِبَةً، يسكنها خليط من #الكرد الفيليّين و#العَرَب، وعلى عكس المعتاد في الكثير من البلدات والمناطق العراقية التي يسكنها الكرد الفيليّة والعرَب سَوِياً حيث يسودها القلَق وعدم التآخي، فإنَّ بدرَة بالنسبة لهن تعتبر نموذَجاً للتعايش السلمي بينَ تِلكُم القَومِيَّتَيْن.

سكّان المنطقة من كِلا المُكَوِّنَيْن لا تجد في دواخلهم أيَّة بغيضة تجاه بعضهم البعض، بل على العَكس، هُم يعيشون في سَلام تام، وقل نظيره، همومهم واحدة، وأفراحهم واحِدَة، ولا تَكاد تجد عائلة من كِلا القَومِيَّتَين لا يوجد فيها زوجات من هذا المكوّن أو ذاك، فتجد زوجَة كرديَّة فيليَّة في بيت عائلة عرَبيَّة، وكَذا عرَبيَّة في بيت عائلة كرديَّة فَيلِيَّة.

ثامر عباس (كردي فَيْلِي)، يقول: «منذ القِدَم نحن هُنا، وُلِدنا ووُجِدنا في هذهِ المنطقَة، سَوِياً وَجَنباً إلى جَنب، جارنا عَرَبي، وجارُهُ (للعرَبي) فيلِيُّ مِنا، أَي أنه عَرَبي يتوَسّطُنا، وكَذا يحدُث العكس، في الأحياء والأزِقَّةِ المُجاوِرَة، نَعيشُ مُتحابّينَ فيما بيننا، ولا تجِدُ مكاناً للكراهيَّة عندَنا البَتَّة».

«أَحبَبْتُ فَتاة عَرَبِيَّة وتُيِّمتُ بِها، كنتُ أَلتَقيها غيرَ ما مرَّة في الأسبوع، ونتحدَّث عن حبّنا ومُستقبَلِ علاقَتِنا، ونتبادَلُ الشعرَ والغزَلَ والكلِمات الدافِئَة، يحدث كل هذا وأغلَب ممَّن حولنا على دراية بِـ علاقَتِنا، لَم يُثِر ذلك حفيظَةَ أحَدٍ قَط، ولا حتى عائِلَة بَعضِنا – لا عائلتها، ولا عائِلَتي -، وبعدَ سنَةٍ ونصفُ السنَة من الحُب، تزوَّجتُها». يسرُدُ لـ الحل العراق.

عباس مُضيفاً، «كان ذلك منذ سنوات خَمس، وها أَنَ ذا اليوم أمسيتُ أباً، أَباً لطفلٍ أُمُّهُ كورديَّةٌ فَيلِيَّة وَوالدُهُ عَرَبي، وليسَ ذلك فَحَسب، بَل شَقيقَتي تزوَّجَت من عائلَة عرَبِيَّة، دونَ أن نُمانِع لأجل القوميَّة أو العرقِ قَط، هي تعيشُ بسعادة وسطَ ذلك البيت، كما تعيش زوجَتي بسعادة معي، ووسَطَ عائلَتي. ما أردتُ قَولَه «هكذا هو الانصهار فيما بينَ القومِيَّتَيْن بِـ بَساطَة».

ليسَ في القضاء وحدَهُ يحدث التعايش، بل في ريفه أيضاً هناك سلمٌ مُجتَمَعيُّ (رائع)، تقول سوزان مهدي لـ الحل العراق، وهي كرديَّة فَيلِيَّة من ريفِ بَدرَة، إن الانسجام والتناغم بين المكونَيْن في القضاء والريف الذي تقطنه يُمَثَّلُ الصورَةَ الحَضاريَّة لعراق التنوُّع الذي يَعْتَدُّ بمَزيجِهِ ولا يتهمَّش.

“سوزان” تنطلق من حياتِها وتجرُبَتِها الخاصَّة في الحديث، إذ تَقول، «كنتُ أُحِبُّ مُصطَفى (العرَبي) وهو زَوجِي حالياً قبل قُرابَة الـ 14 عاماً، بالضبط في عام 2005، كُنتُ حينها في سِن الـ 17، وبِما أنه كان مُعَلِّماً وَقتَها، فَلَم يتسَنّى لنا اللقاء في الصباحات؛ لارتباطه بالدوام المدرَسي، كُنتُ أختلقُ الأعذار لأهلي لأجل أن أصطحِب الأَبقار التي تخص عائلَتي بدَلَ شقيقي إلى البُستان خاصَّتِنا وأرعاهُنَّ؛ كي ألتَقي بـِ مُصطفى، فتلك الطريقة الوحيدة لـ اللقاء به».

«وهكذا كنتُ ألتقيه كل عَصرٍ في بُستانِنا، إلى أن جاءَ يوم وفجأةً أبي قُبالَتُنا، رآنا مع بعض نجلس أنا وهو ونتبادلَ الحديث تحت إحدى نخَلاتِ البُستان التي كُنا قَد دَوَّنّا عليها إِسمَيْنا، خُفتُ وقتَها لأنه عرَبي أولاً، ولأنني لم أُخبِرهُ بوجود شخص في حياتي، لكن المُفاجأة كانَت بهدوئه الصادم، لم ينفعِل، حتى بعد أن عرف بأنه ليس كردياً فيلياً“، تقول سوزان.

مُضيفَةً، «لقد دَعاهُ لأَن يكون جاداً وأَن يطلبُني من يدَيهِ للزواج، وفعلاً حصلَ ذلك، وتزوَّجنا، كان ذلك بعد سنتين من الحُب في 2007، يومَها أيقَنتُ أنه لا وجود لنَفَسٍ عندَ هذه المكون ضد ذاك، فـ في الوقت الذي كانَت تعج به البلاد بأوج مراحل الاشتداد الطائِفي، كانَت هذه البلدَة تعيش الحُب بين مُكَوِّنَيْها اللذانِ يقطُنانِها، كانَت تعجُّ بالأعراسِ والأَفراح».

مُصطَفى زوجُ سوزان يقول، «لقد عُشتُ الكثير، لكن أجمَلَ فَتَرات حَياتي، كانَت فترَة الحُب التي عشتُها معَ سوزان، إذ كانَ حُبُّنا انتصار للسلام على الحرب التي كانَت لغة العراق الوحيدة يومَذاك، لكَ أن تتخيَّلَ حُبُّ لطرفَين مِن مُكَوِّنَيْن مُختَلِفَين في أشد لحظات الطائفيَّة التي يمر بها البلَد، والأَحلى أنه اكتمَلَ بالرِباط، وأثمرَ ذلك الحُب 3 أولادٍ وبَنات».

«أَمسَينا نحتَفِلُ في مُناسَبات بعضِنا، وَنَروحُ ونَجيء في سيارات بعضِنا ومعَنا عوائلنا في سفَرات قريبَةٍ وبَعيدَة، وذلكَ ليس على مستوى عائَلتي وعائلة الزوجَة، بل على مستوى جميع الناس من كِلا المكوِّنَيْن، وأبرزُ مثال على قولي هو عيد #النوروز، فـَ عيد النوروز ليس حِكراً لهم (للكرد الفيليّين)، بَل نحنُ (العرَب) نُقاسمُهُم إيَّاه ونُشاركهم فرحَته، بل أمسى من الأساسيات في طقوسِنا، وننتظره كل عام على أحر منَ الجَمر»، يُضيفُ مُصطَفى مُحَمَّد.

«في النوروز، نخرج عوائلَ وجيرانَ وأصدِقاءَ من كلا القَومِيَّتَين، ونصطحِب معَنا الأكلَ من بيوتِنا الذي نطبخه خصيصاً لهذه الأعياد، ونذهب سويَّةً إلى الجبَلِ ونمُدُّ سفرَةً طويلَة ونجلس معاً على الغَداء، يليه لعِبُ كُرَةَ القَدَم بينَنا جميعاً (ذكور وإناث) دون مجال لأي أمر يُعَكِّرُ صَفوَتَنا جميعاً»، يلفُت محمَّد لـ ”الحل العراق“.

ليسَ بَعيداً عن الحُب، إذ ما سأَلتَ عن المناصب الإدارية في #بَدرَة، فلن تجِدَ أي مُحاصَصَةٍ تُذكَر، فـ في السياق المتعارف عليه تتقاسم المكونات المناصب والحصص فيما بينَها، ذلك لا تجده في هذه البَلدَة، فـ قائم مقام القضاء (جعفَر مُلاّ محمد) كردي فيلي، ومدير ناحية #زرباطية التابعة للقضاء (حسَن عبد الواحد) هو الآخر كردي فيلي، وكذا رئيس المجلس البلَدي.

يقول كرار حامد (عرَبي) من سكنَة القضاء، إنه «لا مكانَ للمُحاصَصَة في أي مفصليَّة من مفصليات الإدارة، بدليل أن الأغلبية التي تقطن البلدَة هم من العرَب، وفي هكذا حالة لو طُبِّقَت المحاصصة لكانَت المناصبُ من نصيب العرَب، لكن ما تجده هُنا هو الرفض لتلك السياسة، بدليل أن المناصب الثلاثة (التي ذُكِرَت سلفاً) أشخاصُها من الفيليّة».

حامد يُكمِلُ لـ ”الحل العراق“، «ويحدث أن تجد المُختاريَّة أيضاً هكذا (بعيدة عن أي تقاسُم)، فتجُدُ منطقةً أغلبُ ساكنيها عرَب، ومختارها كردي فيلي، كما في #قلعَة فارس، أو أن تجِدَ منطقة سكانها الأكثر كرد فيليين، ومُختارُها عربي، كما في #تَل العَقِر».

الصورة المُرفقة تعبيرية- أرشيف

———————————————————-

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.