العقوبات أهلكتها والضربات دمرتها… ميليشيات إيران «المكروهة» سورياً تنسحب

العقوبات أهلكتها والضربات دمرتها… ميليشيات إيران «المكروهة» سورياً تنسحب

(الحل) – تغيبُ الأعلام الإيرانية ورايات كل الميليشيات التابعة لها عن العاصمة دمشق، بعد ان انتشرت بوضوح وكثافة طيلة سنوات، لا سيما في بعض المناطق مثل دمشق القديمة وفي الأحياء القريبة سابقاً من الغوطتين الشرقية والغربية حيث كانت تنتشر وتستقر هذه الفصائل.

ويغيب معها صور الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وزعماء الثورة الإيرانية، علي خامنئي والخميني وغيرهم من القادات التي ارتفعت صورهم في دمشق خلال السنوات الأولى من الثورة.

 

طبول الحرب تدق على تويتر

لكن مع دخول القوات الروسية في العام 2015 بداية، ثم التدخل الأميركي المباشر في سوريا ثانياً في العام 2016، وأخيراً الضربات الإسرائيلية المتكررة للأهداف الإيرانية، بات التواجد الإيراني منحسراً ببقع صغيرة وتكاد لا تذكر، فهل خسرت إيران معركتها في سوريا؟

إيران تعلن بتصريحاتها الرسمية أنها «ستمحو إسرائيل»، هي جملة حقيقية قالها مسؤول إيراني رفيع هذا الأسبوع، حيث أكد أن بلاده قادرة على «تدمير إسرائيل خلال نصف ساعة»، عنتريات تخالف ما يحدث وراء الكواليس.

نفوذ طهران في سوريا والمنطقة بشكل عام بدأت بالتراجع. طبول الحرب بين أمريكا وإيران دُقت على تويتر، بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، لكن الواقع يقول عكس ذلك، فبات من الواضح لأي متابع أن طهران مثلت للضغط الأمريكي، والعقوبات التي أهلكت طهران بدأت أمريكا بجني ثمارها.

سوريا المثال الأوضح، فنفوذ الميليشيات التابعة للحرس الثوري الذي تصنفه أمريكا كجماعة إرهابية بدأ بالتراجع، العقوبات الأمريكية التي ازدادت بشكل تدريجي حتى ضيقت الخناق على عنق طهران بدأ تعكس صورتها على الوضع في سوريا، مع انسحاب ميليشيات إيران والعناصر الأجنبية الموالية لها.

 

إيران تنفذ مطالب إسرائيل

تؤكد مصادر موقع الحل انسحاب القوات الإيرانية وكل الميلشيات التابعة لها من ريف القنيطرة، وكان ذلك مطلباً إسرائيلياً من خلال الوسيط الروسي، الذي توجه صراحة إلى الحكومة السورية بأن تطلب من جميع القوات الإيرانية انسحاب مسافة تزيد عن 120 كم.

وحين رفض الإيرانيون ذلك حينها، توالت الضربات الإسرائيلية على دمشق وريفها والقنيطرة وريفها، وقال الروس حينها «إن إسرائيل تضرب إيران ولا تضرب أهدافاً سوريا»، ما أجبر القوات الإيرانية لاحقاً على الانسحاب وفق المسافة المطلوبة.

وبحسب قادة ميدانيين على الأرض، وتابعين للجيش السوري، فإن الانسحابات توالت بالتوازي مع استمرار اسرائيلي في قصف بنك أهداف محدد لمواقع إيرانية.

 

انخفاض عدد المقاتلين الإيرانيين بنسبة 60 بالمئة

ويقدر أحد هؤلاء القادة «عدد المقاتلين الإيرانين والميليشيات التابعة لها بحوالي 25 ألف مقاتل، وكانوا بذروة تواجدهم في العام 2016، ومقر قيادتهم في ريف حلب الجنوبي».

بينما انحسر هذا العدد إلى النصف مع مطلع العام 2019، بحسب ما أكده مصدر من دمشق مقرب من الجيش السوري، إذ لا يتجاوز أعداد المقاتلين الإيرانيين العشرة آلاف، والانسحاب مستمر، وهي نسبة انخفاض تصل إلى 60 بالمئة.

وتزامن مع الانسحاب الإيراني، انسحاب آخر لمقاتلي حزب الله، والذي كان يقدر عددهم بحوالي 7 آلاف مقاتل، بينما لا يتواجد اليوم سوى 3 إلى 4 آلاف مقاتل، ومعظمهم موجودون في دمشق وبأماكن مغلقة «لأوقات الضرورة».

 

الشارع الدمشقي لا يرحب بالتواجد الإيراني

ولا يبدي الشارع الدمشقي بشقيه الموالي والمعارض، أي ترحيب بتواجد الإيرانيين وحزب الله، وكان موقع (الحل) في تقرير سابق قد تحدث عن انحسار التواجد الفيزيائي من خلال إزالة الإعلام الإيرانية ورايات «حزب الله» التي كانت منتشرة في أماكن كثيرة بدمشق القديمة وعلى حواجز التفتيش، وبقيت محصورة في محيط الأماكن الشيعية المقدسة في محيط مقام السيدة رقية في منطقة العمارة أو في حي الأمين أو حي زين العابدين في المهاجرين.

وطلب رئيس فرع فلسطين من وجهاء أهالي  الأحياء الشيعية في دمشق، أن يخففوا من «صخب احتفالاتهم الدينية، وأن يزيلوا بعض الصور الكبيرة والشعارات التي تمجد الزعيم الإيراني الشيعي خامنئي، أو قيادات إيرانية مثل قاسم سليماني».

ونقل أحد أهالي حي الجورة في دمشق القديمة أن دوريات فرع فلسطين أجرت دوريات على الحي المعروف بأغلبيته الشيعية، وشدّدت على إزالة هذه الشعارات.

 

الطائفية سلاح إيران في حلب

مصادر موقع (الحل) في حلب أكدت تراجعاً مماثلاً لنفوذ إيران وميليشياتها، لكنها أعزت ذلك إلى ازدياد النفوذ الروسي، وليس العقوبات الأمريكية أو الضربات الإسرائيلية، ففي حلب «صراع كبير بين موسكو وطهران على النفوذ بالأرض، فروسيا دخلت بالشرطة العسكريّة والفيلق الخامس الذي تدعمه لتقويض حصة إيران في حلب، ونجحت بهذا الأمر بنسبة جيدة»، وفق المصادر.

يبقى لإيران حصة مهمة في حلب، تتمثل في بلدتي نبّل والزهراء في الريف الشمالي، ففيها مقرات «عسكرية علنية» وموقع تدريب، ومع ذلك فلم تتعرض تلك المواقع للقصف أبداً، لا من إسرائيل ولا غيرها، وحتى روسيا لم تفتح ملف البلدتين، فالنفوذ الطائفي الذي تستخدمه طهران لتحريك الشارع الشيعي في تلك المنطقة، يحمل وزناً ثقيلاً، على الأقل إلى اليوم.

 

حماه آخر ملاذ للحرس الثوري

ملف حماه يختلف بشدة عن دمشق وحلب، أكبر مدينتين في سوريا، ففي ريف المحافظة تقوم طهران بتعزيز مواقعها، ربما لأنها لم تعد تمتلك نفوذ في المناطق الأكثر استراتيجية، حيث أفاد مصدر مطلع موقع (الحل) بأن «مكاتب الانتساب مازالت مفتوحة، والمقرات موجودة ومعروفة للعلن».

وحصل الموقع على تفاصيل مواقع الحرس الثوري الإيراني في ريف حماه، حيث تشمل «كلية المحاسبة شرقي مصياف بريف حماة الغربي، ومعسكر طلائع الشيخ غضبان شرقي مصياف، ومركز البحوث العلمية شمال معسكر الشيخ غضبان، والبحوث العلمية في تل قرطل جنوب حماة، واللواء 47 جنوب حماة كمعسكر تدريب، وكلية البحوث البيطرية بين حماة ومحردة، وجبل زين العابدين شرق حماة، إضافة إلى عدة مقرات في مدينة السلمية»، وفق مصدر خاص على اطلاع على الملف الإيراني.

 

اقتراب نهاية «حجاج إيران» العسكريين 

بداية العام الحالي شهدت تحولاً في وضع عناصر طهران في سوريا، ريف دمشق كان مثالاً واضحاً، فقد كانت منطقة الهبارية معقلاً بحزب الله لأكثر من عامين ونصف، بعد أن دخلتها عند السيطرة على «مثلث الموت» الواصل بين القنيطرة وريف دمشق ودرعا، لكن مع مطلع العام الجاري خرج منه بشكل مفاجئ، وهو وقت ازدادت فيه حدة تأثير العقوبات على إيران، اقتصادياً.

القطع العسكرية التابعة للجيش السوري كانت تشهد تواجد لعسكريين إيرانيين يعرفون بلقب «الحجاج»، يجبرون عناصر الجيش السوري عىل تدريبات خاصة، ويعاملونهم معاملة سيئة، بحسب ما أكدت عنصر من الجيش لموقع الحل. لكن الواقع الحالي اختلف، فقط انسحب معظمهم من المنطقة، ويقتصر التواجد الآن على بعض المشرفين.

الكسوة في ريف دمشق هي أكبر معقل للقوات الإيرانية، وأهم هدف لضربات تل أبيب الدورية، حيث تحاول طهران تثبيت نقاط مراقبة بالمنطقة مستغلة التضاريس الجبلية.

والقلمون شهد أيضاً انسحاباً لعناصر حزب الله، بما في ذلك يبرود والزبداني، والأسباب عديدة، منها استراتيجية تتعلق بالعقوبات على إيران، وأخرى تتمثل بخلافات مرتبطة بتجارة المخدرات التي يعمل الحزب بها.

 

إيران تحارب الجيش السوري الحليف المفترض

المنطقة الشرقية وتحديداً دير الزور تبقى الأكثر تعقيداً، ففيها محاولات «وقحة» من قبل إيران لكسب النفوذ على حساب الجيش السوري، الحليف المفترض، فشهدت الآونة الأخيرة اشتباكات واقتتال متكرر بين ميليشيات طهران والجيش، سقط خلالها قتلى.

وأكدت مصادر محلية لموقع الحل أن ما تفعله إيران في دير الزور حالياً هو «إخفاء مقراتها»، لتفادي ضربها من قبل إسرائيل أو الأعداء الكثر لطهران، وبدؤوا أيضاً بالتمركز بين المدنيين، وخصوصاً بعد أن تراجع التجنيد في صفوفهم.

وبيّن مصدر من دير الزور أن الحرس الثوري يعتمد الآن على تجنيد الأطفال في صفوفه، بعد أن كان سابقاً يفرض شروطاً صعبة على المنتسبين الجدد، مبيناً أن تراجع شعبية الميليشيات، أثّرت بشكل واضح على أعداد المنتسبين، ما أجبره على اعتماد سياسات جديدة.

 

سامي صلاح

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.