(الحل) – على الرغم من العزوف عن #الزواج وارتفاع معدل #العزوبية، نتيجة مفرزات #الحرب، برزت ظاهرة جديدة رصدها موقع «الحل» عند أغلب المتزوجين سواء خلال سنوات الحرب أو قبلها، وهي تحديد #النسل القسري.

إذ رافق الحرب الدائرة تدنٍ في مستوى المعيشة وارتفاع في معدلات #التضخم، وانخفاض القوة الشرائية لليرة السورية، مع بقاء الأجور على حالها.

ولا يخفى سرّ أن هناك عائلات سورية عدة في #دمشق، قامت بتحديد النسل مجبرة على ذلك، لعدم قدرة المعيل على إعالة أسرة تتألف من أكثر من طفل أو طفلين. يقول «أيوب»، وهو موظف في إحدى دوائر الاتصالات بدمشق، عمره 31 سنة، وأب لطفلة وحيدة، إنه «متزوج منذ 6 سنوات، ولم يتجرأ على إنجاب طفل آخر، رغم تطلعه إلى ذلك في قرارة نفسه».

وتابع «راتبي لا يزيد عن 40 ألف ليرة، وأعمل مساءً كمحاسب في مطعم بنحو 70 ألف ليرة شهرياً، وزوجتي لا تعمل، وأعاني حالياً من عدم القدرة على تأمين معيشة عائلتي الصغيرة، وإن بقي الحال على ما هو عليه لن أستطيع أن أقدم على خطوة إنجاب طفلٍ ثانٍ».

الاكتفاء بطفل واحد… وطرق خطيرة لمنع الحمل

تعتبر الغالبية العظمى من الأزواج الذين تزوجوا في 2011، والذين التقى بهم موقع «الحل» في دمشق، اكتفوا بإنجاب طفل واحد أو طفلين فقط. أما الذين تزوجوا منذ ثلاث سنوات؛ أو أقل بالتزامن مع فقدان الليرة السورية لقيمتها، قاموا بتأجيل فكرة الإنجاب من أساسها، وهم بانتظار «تحسن ظروفهم المادية» بحسب ثلاث أزواج التقينا بهم أثناء الإعداد للتقرير.

وهذا ما أصر عليه «سمير» عمره 30 سنة، متزوج منذ سنتين، قائلاً: إنه «لا يفكر حالياً بإنجاب الأطفال لأن الوضع المادي الذي يمر به صعب، وإنه لم يخرج حتى اليوم من ديون تكاليف زواجه، ويسعى حالياً لإيجاد عمل لزوجته، حتى يستطيعا التفكير بالإنجاب».

يقول طبيب النسائية (أيهم. س) لـ«الحل»، إنه «كلما تقدمت المرأة في السن تكون عملية إنجاب الأطفال أصعب عليها وأخطر على الطفل، لكن يزورنا يومياً في عياداتنا أزواج إما يريدون تركيب (لولب) للحد من النسل، أو اجهاض الجنين».

وأضاف أنه «بغض النظر أن كانت عمليات الإجهاض مسموحة أو لا، إلا أن رفض إجراء العملية لا يحل المشكلة، فقد تلجأ النساء إلى عيادات غير معقمة وغير مرخصة لإجراء المطلوب، والجميع يبررون توجهاتهم بذلك لضيق الحال».

وتابع الطبيب أن «الحالات التي تأتينا وبكثرة هي مؤشر بسيط جداً عما يحدث في الحقيقة وعلى أرض الواقع، لأن معظم الأزواج يعتمدون على الموانع الطبيعية، أو الصيدلانية كالحبوب والهرمونات لمنع الإنجاب من أصله، ولا يأتون إلى العيادات».

وأشار إلى أن «نفقات #الحمل والولادة هي أكثر ما يمنع الأزواج عن إنجاب الأطفال، هذا غير قضية تأمين نفقاتهم اليومية»، على حد قوله.

الحمل والإنجاب بالأرقام

وأوضح الطبيب المختص أن «تكلفة الولادة في المشافي الخاصة تتراوح بين 200 ألف ليرة إلى نصف مليون ليرة سورية، فضلاً عن وجود زيارة دورية للحامل إلى العيادات».

وتبدأ أجور كشفيات الأطباء من ثلاثة آلاف ليرة سورية وتصل إلى خمسة آلاف، إضافةً إلى الفيتامينات، التي يجب أن تأخذها طيلة فترة الحمل، والأغذية الخاصة بالحامل، بحسب الطبيب.

من جانبه قال الخبير الاقتصادي «زاهر أبو فاضل» إن: «تكلفة إنجاب طفل منذ الشهر الأول للحمل وحتى الولادة تفوق النصف مليون ليرة بأدنى تقدير، وهو مبلغ لا يمكن أن يؤمنه الموظف بأي شكل من الأشكال، كونه غير قادر على الادخار».

كل هذا بالإضافة إلى تكاليف عملية الولادة وأجرة المستشفى وطبابة الحامل، هناك نفقات مثل (الديارة) وهي ملابس ومستلزمات الطفل التي يجب أن تتبدل بمقاس أكبر كل ثلاثة أشهر، بحسب أبو فاضل.

وأضاف «قد يحتاج الطفل إلى الحليب المجفف مرتفع الثمن، والذي يبلغ سعر العبوة وسطياً ثلاثة آلاف ليرة سورية، وهو بالتأكيد بحاجة أدوية وحفاضات، والكثير من الانفاق للعناية به».

وأشار إلى أن «قضية إنجاب الطفل يعني الاستمرار بالإنفاق مدى الحياة، وهذا ما يقوم حالياً الأزواج بدراسته جدياً بطرح أسئلة عدة على أنفسهم منها: هل إنجاب طفل في هذا البلد وهذه الظروف فكرة سديدة؟، وهل سنستطيع تأمين كل المستلزمات وتأمين أقساط المدارس مع الأيام؟».

 خبير اجتماعي: التكاثر العشوائي خطير اجتماعياً

الخبير الاجتماعي (سامر. ل)، قال لـ (الحل) إن «انخفاض عدد الولادات ناجم عن سببين، أحدهما تحديد النسل، والآخر هو عدم الإقبال على الزواج من أصله، ولكلا السببين دوافع اقتصادية، ويضاف إلى ذلك هجرة أو وفاة نسبة كبيرة من الشباب في عمر الزواج».

وتابع أن «تحديد النسل بشكل عام ليس بالأمر الخطير، بل هو وجه للوعي الاجتماعي، فكلما كان هناك تحديد للنسل كلما كان الحالة أو الوضع الاقتصادي لاحقاً أفضل، فالتكاثر العشوائي فوق حدود الدخل، يعيق تأمين أبسط متطلبات الحياة للأسرة، ويزيد من حالات التشرد بالنسبة للأسر التي تتكاثر دون وعي ودون مدخول مادي نهائياً، وأيضاً تهدد الزيادة السكانية بزيادة البطالة»، على حد قوله.

وأضاف أن «في سوريا الموضوع مختلف وخطير وليس مفيد، إذ تحتاج البلاد لأن تنهض من جديد إلى أيدي عاملة، والكثير من الخبرات وتعويض ما فقدته من قوة بشرية خلال سنوات الحرب، وتحتاج إلى جيل شاب ليقوم بدوره في إنهاض المجتمع من كل النواحي لاحقاً. وتحديد النسل؛ أو عدم الإقبال على الزواج من أساسه من أكثر ما يهدد المجتمع السوري لاحقاً».

أرقام مخيفة عن الفقر وتأخر سن الزواج

انخفض عدد الولادات في سوريا من 500 ألف في العام قبل الحرب، إلى نحو 200 ألف فقط عام 2015 بحسب صحيفة (الوطن) المحلية، القريبة من حكومة النظام.

كما كشف القاضي الشرعي الأول في دمشق (محمود المعراوي)، في نيسان الماضي، عن أرقام وصفها البعض بـ“المرعبة” لتأخر سن الزواج، قائلاً إن نسبة الإناث من غير المتزوجات وصلت إلى نحو 70 بالمئة، لأسباب عدة وأهمها الاقتصادية.

وفي 2019، أصدرت (الأمم المتحدة) تقريراً قالت فيه، إن 6.5 مليون شخص في سوريا يعانون من «انعدام الأمن الغذائي»، فيما يقع 2.5 مليون آخرين عند حد خطر التعرض لانعدام الأمن الغذائي، وبالإجمال فإن 11.7 مليون شخص في سوريا بحاجة إلى «مساعدات إنسانية في مختلف القطاعات».

التقرير، الذي رصد «الاحتياجات الإنسانية» في سوريا للعام 2019، أكد أن نحو 83 في المئة من السوريين يعيشون تحت خطر الفقر، إذ «تعادل تكلفة الحصة الغذائية الشهرية التي تشمل المواد الأساسية ما لا يقل عن 80% من الراتب الشهري للعمال غير المهرة، و50 إلى 80 في المئة من الراتب الشهري لموظفي الخدمات العامة».

وانتشرت ظاهرة مؤخراً، وخلال سنوات الحرب، وهي التخلص من #الأطفال حديثيّ الولادة عبر رميهم قرب الجوامع أو المنازل، وشهدت دمشق القديمة، ومناطق أخرى ظواهر عدة من هذا النوع، والتي تشير إلى عدم قدرة الأهل على تربية الأطفال بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي قضت على الفئات الوسطى، ورفعت نسب الفقر إلى أرقام قياسية.

 

إعداد: فتحي أبو سهيل – تحرير مهدي الناصر

الصورة من الأرشيف

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.