مدرّسون سوريون فقدوا عملهم بسبب النزوح وتعدّد الجهات المسؤولة عن التعليم

مدرّسون سوريون فقدوا عملهم بسبب النزوح وتعدّد الجهات المسؤولة عن التعليم

(الحل) – سلسلة ظروف حوّلت “أحمد الراعي” من مدرّسٍ في المرحلة الإعدادية إلى سائق شاحنة تحمل بضائع وتتجوّل في مناطق الشمال السوري.

عمل “الراعي” مدرّسًا لأكثر من ٢٠ عامًا، ويقول إنّه لم يكن يتوقّع أن ينتهي الأمر به كسائق شاحنة بعد سنوات من العمل بالتدريس، بسبب قطع التمويل عن المنظّمة التي كان يعمل مدرّسًا لصالحها في إحدى مدارس ريف معرّة النعمان جنوب إدلب.

يقول الراعي لـ “الحل”: “أعمل على الشاحنة يوميًا لمدّة ١١ ساعة، مقابل ٧٠ ألف ليرة سورية “نحو ١٣٠ دولار شهريًا” مضيفًا أن طبيعة العمل شاقّة وغير متناسبة مع عمره.

قصة “الراعي” ليست الوحيدة، فهناك المئات من المدرّسين في الشمال السوري خسروا عملهم بشكلٍ كامل أو كلّي في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية.

يرجع السبب في المقام الأول إلى ضعف دور “الحكومة السورية المؤقّتة” التابعة للمعارضة، باستلام دفّة التعليم وإدارته بشكلٍ صحيح، حيث انحسر دورها بعد تشكيل “حكومة الإنقاذ”، “الواجهة المدنية لـ “هيئة تحرير الشام”، ما قلّص الدعم عن المدارس وجعل المدارس التي تقودها “المؤقّتة” قليلة، ودخلت المنظّمات غير الربحية على الخط لتقود كل منظمة هذا الملف بطريقة منفصلة.

ويفاقم ذلك عملية النزوح الأخيرة من ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، إثر اشتداد وتيرة القصف والمعارك هناك، حيث بات المدرّسون في الشمال يصارعون بمهن شاقة ومختلفة مقابل تحصيل قوتهم اليوم رغم الشهادات العلمية والخبرة العملية التي يحملونها.

تذبذب العمل والرواتب
عند الحديث عن مهنة التدريس، فأول ما يتبادر إلى الذهن هو استمرارية العمل، كون المدارس ثابتة وتحتاج سنويًا إلى المدرّسين، ولكن ذلك لا ينطبق على الشمال السوري، فالمدارس هنا تعمل وتتوقّف بحكم الدعم المخصّص لها، والذي يزيد في بعض المرات وينقص في مرّاتٍ أخرى، وأحيانا ينقطع نهائيًا فتتوقّف العملية التعليمية وينقطع الراتب عن المدرّسين والإداريين في المدارس.

قبل قطع التمويل عن المنظّمة التي كان يعمل بها “أحمد الراعي”، كان الراتب يُقدّم في الموسم الدراسي البالغة مدّته سبعة أشهر، وينقطع في الأشهر الخمس التالية من كل عام، وذلك بحكم أنّه لا يدرّس خلال تلك الفترة.
يقول أحمد: “في المدارس الرسمية من المتعارف عليه أن راتب المدرّس يبقى مستمرًّا سواء في العطلة الصيفية أو خلال الموسم الدراسي فلم أكن أضع في حسباني أن ينقطع الراتب عني لفترة تبلغ نصف عام”.
من باب انسجامه مع هذا الواقع، كان الراعي يعمل في مستودع لتجارة المواد الغذائية بالجملة في معرة النعمان خلال الصيف، وفي الشتاء يترك هذا العمل ويعود إلى التدريس.
أما عن راتبه في المدرسة فيشير إلى أنّه كان يبلغ ١٢٠ دولار شهريًا، متابعًا: “لدي أربع أولاد ولا أستطيع تدبّر مصاريف الحياة الأساسية بأقل من ٢٥٠ دولار أمريكي شهريًا”، ويتحدّث أيضًا عن منظمات أخرى تمنح المدرسين أكثر من ٢٥٠ دولار شهريًا قائلاً: هذا ليس عدل”.
لحسن حظ أحمد الراعي أن ابنه الخامس وصل إلى ألمانيا قبل أربع سنوات وحصل على عقد عمل بعد تعلّمه اللغة، ويرسل له مبلغًا شهريًا من هناك ليتدبّر أموره

تعدّد المرجعيات
لكن تذبذب فترات الدوام السنوي، واختلاف سلّم الأجور بين المنظمات والحكومة المؤقّتة، وبين منظمة وأخرى لا يعتبر المشكلة الوحيدة، إذ أن أكبر المشاكل التي يعاني منها المدرّسون هي قيام جميع هذه الجهات بإدارة ملف واحد.
هذه المشكلة يشرحها مدير مدرسة ابتدائية في ريف حلب الغربي قائلًا: “في كل دولة في العالم يوجد وزارة تُدعى وزارة التربية أو وزارة التربية والتعليم، وتقود هذا الملف بمفردها بشكلٍ كامل، باستثناء سوريا التي يشترك على إدارتها عدّة جهات، كل جهة لها وجهة نظر مختلفة”.
يتحدّث المدير الذي رفض الكشف عن هويته لـ “الحل” عن مخاطر تعدّد المرجعيات على العملية التعليمية: “لا يمكن أن يكون هناك اختلافًا في المناهج، ولا اختلافًا بالهيكل الإداري بين مدرسة وأخرى، كما لا يمكن أن يكون هناك فرقًا في ساعات الدوام” موضحًا أن الأهم من كل ذلك هو منع وجود فرق في الأجور بين مدرّس وآخر إلّا على أساس الشهادة الجامعية التي يحملها أو سنوات الخبرة والخدمة.

وتابع: “الجهة التي تريد إدارة المدارس يجب أن يكون لديها سلسلة خطط طارئة تضمن لها عدم انقطاع العملية التعليمية أو تعليقها مهما كانت الظروف، ويجب أن يكون لديها خطط بديلة وحلول مدروسة بشكلٍ منهجي”، وتحدّث أيضًا عن وجود مدرّسين من زملائه كان لديهم رواتب لعدّة أشهر مع إحدى المنظمات ولكن إفلاس المنظمة أطاح بحقّهم في الرواتب عن التعليم وترك الأطفال في منتصف الموسم الدراسي دون إكمال التحصيل العملي.
ومنذ تأسيس “حكومة الإنقاذ” واستلامها كافة الدوائر المدنية، تحجّم دور الحكومة المؤقّتة وتقلّص حجم الرقعة الجغرافية التي تعمل بها، ولا سيما أن الإنقاذ تتسلّح بهيمنة “تحرير الشام”.

النزوح أفقدهم العمل
ولم يكن تذبذب عمل المنظمات وتعدّد مرجعيات المدارس وحده من أفقد المدرّسين عملهم في الشمال السوري، إذ أن نزوحهم من قراهم وبلداتهم جراء اشتداد القصف والمعارك هناك، أفقدهم المدارس التي كانوا يعملون بها، وأفقدهم راتبهم بالتالي، وبات حالهم كحال معظم النازحين من تلك المنطقة بلا فرصة عمل.
وكان فريق “منسّقو الاستجابة” الإحصائي، قد ذكر في أواخر شهر أيار الفائت، أن ما يزيد عن ٤٣٠ ألف مدنيًا في ريفي حماة وإدلب قد نزحوا مؤخّراً.

ومن بين هؤلاء النازحين، المدرّس علاء حمادة، الذي كان يعمل في مدرسة مدعومة من “الحكومة المؤقّتة” وتقاضى مبلغ ١٤٠ دولار أمريكي شهريًا، ويقول إنّ حاله كحال معظم زملائه، الذين فقدوا وظائفهم بعد النزوح، لكن حماة يعبّر عن مخاوفه أكثر على مصير الأطفال الذين نزحوا ولن يتلقّوا التعليم في الموسم الدراسي المقبل.

ويوضّح أنّه بحكم كونه مدرّسًا لمادة الرياضيات فقد يجد عملًا خصوصيًا أو في المعاهد في إدلب المدينة، إلّا أن زملائه من مدرّسي المراحل الابتدائية والإعدادية سوف يكونوا بلا عمل ويضطروا للدخول في مهن أخرى مختلفة.

أحمد حاج حمدو

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.