(الحل) – رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها سوريا بعد سنوات من التجاذبات السياسية والميدانية والاقتصادية بين أطراف صراع كبرى، تبدو البلاد المستنزفة والمنهكة لا تزال بيئة خصبة للعمل والمشاريع الاقتصادية، فهي كانت أصلاً أرضاً بكراً تنضجُ فيها الأفكار الصناعية الإبداعية، والتجارية الخلاقة.

طيلة عشرات السنوات الماضية، لم تشهد البلاد النهضة التي شهدتها بيروت أو أربيل أو دبي أو حتى عمان أو جدة، وبقيت دمشق وباقي المدن السورية تنمو ببطء شديد، في ظل احتكار السلطة لكل أدوات الاقتصاد والموانئ والحدود والمشاريع الكبرى، وحصرها بأيدي رجال أعمال محدودين ومحسوبين على العائلة الحاكمة أو من يدور في فلكها، مثل رامي مخلوف، أو محمد حمشو، أو غيرهم من الأسماء التي تنقلت بين مناصب السياسة والاقتصاد.

وبعد أن أنهكت الحرب كل مفاصل الدولة، دون أن يسقط النظام السياسي، تبدو البيئة خصبة لمشاريع إعادة الإصلاح والإعمار أكثر من أي وقت مضى، فأي مشروع في هذا الاتجاه هو رابح بالضرورة، لخلو السوق وحاجته بنفس الوقت، وكثرة الطلب دون أن يكون العرض مكافئاً لهذا الطلب المتزايد.

(نحن بحاجة إلى عمال) عبارة تجدها بكثرة على واجهات المحلات، في ظل فقدان اليد العاملة، التي زجتها السلطة السياسية بجبهات القتال، وساقتها بالقوة إلى الخدمة الإلزامية، فلم تعد تجد -إلا ما رحم ربي- شاباً بين العشرين والثلاثين، يسير على قدميه بلباس مدني، وطلبت وزارة الدفاع قوى بشرية نظامية واحتياطية من كل الاختصاصات، ودفعتهم لترك أعمالهم وورشاتهم وحمل البندقية، فلم يعد (كوكب زمردة) حكراً على قناة سبيستون، بل صار واقعاً في شتى أصقاع البلاد.

ناهيك عن الشباب المغيبين عن الأنظار، سواء كانوا في المعتقلات أو بلدان المهجر الذي زخر بالشباب السوري النشيط والكادح.

وفي الوقت الذي يطلبُ فيه الصناعيون والتجار السوريون يداً عاملة فلا يجدونها، يضطرون للجوء إلى اليد العاملة الأجنبية، فقد استجدت ورشة صناعية كبيرة في عدرا العمالية بيد عاملة هندية، لأول مرة في البلاد! تخيل أن ذات السلطة التي تحتكر شبابها وتحرمهم حياتهم وحريتهم وعملهم، تمنح حق الحياة والعمل لشباب آخرين قادمين من الهند! أو تخيل أن الشباب السوري محروم من رؤية ذويه وبلداته وأرض بلاده، في الوقت الذي يُسمح فيه لشباب كوري بالمشاركة في إعادة الإعمار!

لم تعد هذه العبارات تخيلات، فقد أكد وزير الخارجية السوري “وليد المعلم” أن كوريا الشمالية مستعدة لإرسال عمال بناء إلى سوريا.

لا يبدو هذا التصريح عادياً بالنسبة لكثير من الشباب السوريين الموزعين على بلدان العالم، وهم لا يطلبون سوى الحصانة الأمنية من الاعتقال أو الانقياد إلى الخدمة الإلزامية، وهم محرومون من زيارة سوريا منذ أكثر من ثمان سنوات.

تصريح الخارجية السورية جاء بعد أن أبدت “كوريا الشمالية استعدادها لإرسال العمالة المختصة بالبناء وإعادة التطوير لدمشق”، بعد زيارة قام بها وزير الخارجية السوري إلى كل من الصين وكوريا الشمالية، اللتان تعدان حليفتان للنظام السوري، إذ تقف كوريا الشمالية مع النظام السوري في الحرب الدائرة في سوريا وتزوِّده بالأسلحة والمعدات العسكرية، وفق مصادر رسمية.

تخيل أيها السوري العائد إلى البلاد يوما ما، أن تعود لترى في شارع حارتك عمالاً بسحنة آسيوية، وأصابع نحيلة، يرسمون تنيناً على جدار كبير، يُشبه المباني الكورية!

وتخيل أيها السوري الذي تعيش في الداخل، أن تبحث عن فرصة عمل، في الوقت الذي يجدها (زميلك) الكوري على طبق من ذهب، تقدمه السلطة الحاكمة لبلد (حليف) من أجل مكاسب سياسية!

يسأل السوريون في الداخل والخارج؟ هل انتهى الشباب السوريون حقاً لنستعين بيد عاملة أجنبية؟ وهل ولّت البلدان وجوهها عنا، حتى لا يبقى سوى كوريا الشمالية كي نستجديها! البلد الذي تحكمه سلطة محاربة من معظم دول العالم، والمصنف على لوائح الإرهاب والاستبداد، والمعروف بقمع الحريات واحتكار الإعلام والسياسة والاقتصاد. أم أنه حقاً (إن الطيور على أشكالها تقع) !

إعداد وتحرير: فريق موقع الحل السوري

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.