«ميليشيا الثقافة».. أن تنتقل بالشعر من  «الخيالي» إلى «الواقعي» في عُمق الميدان

«ميليشيا الثقافة».. أن تنتقل بالشعر من  «الخيالي» إلى «الواقعي» في عُمق الميدان

شُعراء هذه المجموعة، لم يكتفوا بالذهاب إلى أماكن التفجيرات، بل سلكوا طرقاً أخطر كادت أن تودي بحياتهم، لكنهم لم يخافوا الموت، ولا يهابوه، فذهبوا إلى حقول الألغام في البصرة، تلك الحقول هي من بقايا الحرب العراقية الإيرانية ولا تزال مليئةً بالألغام حتى اليوم.

——————————————————————

علي الكرملي

«اليد تتكلم على الجدران.. اليد فكرة الانفجار المنثور في الشارع.. عيناي فمان يأكلان الحطام.. أصابعي أنوف الدخان.. أنا قدم هاربة من سيارة الإسعاف»

«تنثرُ لحمكَ على الطريقِ كلّما عادت عظامكَ مثل كلابٍ جائعةٍ.. أصابع رصاص عشوائي يلتهم جسداً آخر.. يومٌ مجاني يتنفس فوق رحم مثقوب»

«المفخخات، المشارح، التفجيرات، سيارات الإسعاف».. لا تكاد تجدُ مثل تلك النصوص التي تعبّر عن العنف اليومي في كتابات الكثير من الشُعراء في #العراق، وحتى #الدول_العربية التي تعيشُ #الحروب منذ سنوات، لكنك تجدُها عند “ميليشيا الثقافة”، المجموعة الشبابية التي اتخذت من الواقع الذي يعيشه البلد اسماً مُقترناً بها.

”ميليشيا الثقافة“، هي ليست مجرّد كتابة نصوص شعر تمثل بها الواقع من خلال تلك النصوص فحسب، إنما هي تصوّر الواقع وتجسّده واقعياً من الميدان، تذهب إلى أماكن التفجيرات و #السجون و #القبور_الجماعية و #المفخخات؛ لِتُلقي الشعر، وتُؤدي النصوص بصورة أقرب إلى المسرحية، وتستخدم كل ما يُقرّب الصورة ويوضحها، فهي تلطّخ جسدها بالطين، وتمسك بالسكاكين، وتقرأ داخل بقايا السيارات الخربَة من الحروب، وكذا من داخل سيارات الإسعاف أيضاً.

“مازن المعموري” أحد مؤسسي المجموعة- أرشيف

«كُنا نجتمع في مقهى متهالك عند #شط_الحلّة عند أواخر 2014 مع بدايات 2015، ونتناقش حول ما حقّقه الأدب و #الشعر_العراقي والعربي بدءاً من حركة تحديث الشعر التي جاء بها #السياب و #نازك_الملائكة وإلى اليوم، فلاحظنا مَسارَين في تطور الشعر، هُما المسار التجريبي (الشكلاني)، والمسار الايديولوجي (المُؤسَّساتي)، وكلا الخطّين أغفلا المحيط المُجتمعي واستبعداه»، يقول “مازن المعموري” أحد مؤسسي المجموعة.

«وإغفاله للمجتمع جعله غريباً عنه، فهو إما (شكلانيا) يُحاول أن يكون مقلداً لتقليعات الغرب الجمالية ويكتب عن الرومانسية، وإمّا أن يكون (مؤسَّساتياً) ذيلٌ للسلطة الحاكمة، يمدحُ فيها ومُلتصقٌ بها، وتلك كانَت أكبر خسارات الشعر العربي»، يُضيف “المعموري” لـ ”الحل العراق“.

مُستطرداً، «الشعر العربي منذ القدم هو (إخباري)، كان المُتنبي وغيره ينقلون لنا ما يعيشونه عن طريق الشعر، فتجده يكتب عن الحروب، وعن دخوله السوق، وعن طريقة عيشه، هكذا كان الشعر العربي (واقعياً) ولم يكن (تخيليّاً)، فالتخييل هو من منابع الغرب، لذلك فما فعلناه هو محاولة للقفز على النمط الغربي والرجوع الى الواقعية، لأن قوة الشعر وفاعليّته بمصداقيته وواقعيّته».

شُعراء هذه المجموعة، لم يكتفوا بالذهاب إلى أماكن التفجيرات وكل ما ذُكرَ سلفاً، بل سلكوا طرقاً أخطر كادت أن تودي بحياتهم، لكنهم «لم يخافوا الموت، ولا يهابوه»، فذهبوا إلى #حقول_الألغام في #البصرة وتلك الحقول هي من بقايا #الحرب_العراقية_الإيرانية ولم تُزال منها الألغام أصلاً حتى اليوم.

إضافةً إلى ذهابهم نحو #مفاعل_تموز_النووية التي قصفتها #إسرائيل عام 1981، وهي ما زالت ملوثة بالمواد المُشعّة التي من شأنها أن تعرّض الأشخاص المقتربين منها إلى أمراض سرطانية، ودخلوها دون أن يحصلوا على تصريح رسمي، دخلوها وكانت القوات الأمنية وكاميرات المُراقبة تراقبهم من بعيد.

“كاظم خنجر”، أحد أعضاء المجموعة أثناء إلقاء قصيدة- أرشيف

يقول “كاظم خنجر”، أحد أعضاء المجموعة، إن رحلتهم إلى حقول الألغام جاءت بوصفها استفهاماً وجودياً يرافق خيال العراقيين.

«ربع ألغام العالم هي في العراق، سُرقت الكثير من أعضائنا وأعضاء أصدقائنا، لهذا كانت التجربة بمثابة تحدٍّ للجسد بالدرجة الأولى، وإقرار بيومية الموت الذي نمرّ به في هذه البقعة الجغرافية، فالكتابة عن الموت ما عادت وافية دون إدراكه».

«أمّا ما يخص المقابر العامة أو الجماعية الاضطرارية التي عملنا على القراءة فيها، شكّلت مُنعطفاً محورياً في علاقتنا مع الشعر، إذ لا ندري من يعلّل وجود من؟  في المقابر هناك صمت عالي اللهجة، هناك موتى وموت حقيقي، فنحن عبر هذا نحاول تأكيد القيم التي تُعلي من شأن الإنسان  وكينونته الجسدية»، يُبيّن “خنجر”.

ويكمل لـ ”الحل العراق“، «كان معيار الحياة لدينا هو الموت المتجسّد عبر القبور، أي بمعنى أنّ المقبرة كانت بمثابة  فهرس للعراقيين الذين التهمهم القتل اليومي، وبالتالي نحن ذهبنا لنؤكد بأنّ في العراق الآن، لا فرق أن تقرأ الشعر في مكان عام أو في مقبرة لأنّ الكل ميّت».

مُضيفاً، «عبر السيارات الملغومة اختلفت العلاقة، أخذ الشعر معنى آخر للاستعمال، إذ كلّ شاعر له تجربة خاصّة وفكرة مادية مع بقايا هذه الكتل المعدنية.  فهناك تعامل وتدريب يومي على هذا المشهد، فعندما تبدأ بأداء فعلك الشعري يتحوّل من المعنى إلى الانتقام، لهذا ترى بأنّنا قمنا بالدخول في هذه الكتل والقفز عليها كلٌ بحسب حقده وتجربته مع هذه السيارات ذات الأمر مع سيارات الإسعاف».

الشاعر “محمد كريم”- أرشيف

حققت ميليشيا الثقافة العديد من النجاحات إثر مشاركتها في العديد من المهرجانات، بخاصة الأوروبية منها، نتيجة ذلك استطاعت أن تلفت أنظار الصحف الأجنبية والعربية نحوها ونحو مُنجزها.

فما تكاد تنتهي من حوار أو لقاء مع صحيفة أو مجلة أو موقع حتى تتسارع الأخريات لتسليط الضوء عليها، إلا الصحافة المحلّية في العراق، لم تعير تلك المنجزات وتلك الفرقة الشعرية المختلفة عن السائد والمألوف أيما اهتمام يُذكَر.

«دُعينا للمشاركة في الكثير من المهرجانات العربية والدولية، وحقّقنا نجاحات طيّبة فيها؛ بخاصة في (مهرجان «Passges» أو معابر للفنون المسرحية والأدائية المُلقاة) الأخير في مدينة #ماس الفرنسية، حيث لاقت مُشاركتنا صدى واسعاً من قبل الجمهور الحاضر، إذ تفاجئ بما نقوم به من إلقاء وأداء نصف به حال الوضع اليومي في العراق»، يقول الشاعر “محمد كريم” لـ ”الحل العراق“.

مضيفاً، «لقد نلنا وحصدنا العديد من الجوائز في جل مشاركاتنا، بخاصة عند مشاركتنا في مهرجان الشعر في مدينة #بريست الفرنسية العام الفائت، وطوال مدة وجودنا هناك، أجرت العديد من الصحف الفرنسية لقاءات وتقارير مع مجموعتنا، بل وحتى الصحُف المغاربية المتواجدة لتغطية مشاركات بلدانها، أما صحافتنا المحلية فغير مكترثة ولا يعنيها شيء».

في الأخير، تحت عنوان «الشعر في حقول الألغام مختارات من نصوص ميليشيا الثقافة» صدر لشعراء المجموعة ديوان شعري مشترك في مدينة #لاهاي الهولندية عن ”دار مخطوطات“، إذ قدّمها الشاعر العراقي عبد الرحمن الماجدي، وذلك الديوان في صدد ترجمته إلى الألمانية.

غلاف الديوان الشعري لـ ميليشيا الثقافة

 

الصورة المرفقة لأفراد المجموعة في مفاعل تموز النووي- أرشيف

————————————————–

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة